سير وأعلام قراءة وكتابة

جميل الحجيلان في ذاكرة الأجيال!

هي قارئة جيدة باللغتين، سبق لها حضور برنامج طويل معي في التدريب على الكتابة، ثم فازت بعدة مسابقات كتابية، جنت منها مبالغ مالية، وأنا سعيد بذلك غاية السعادة. كتبت لي، وخلاصة ما ورد في رسالتها أنها كانت تتابع القراءة في الجزء الثاني من مذكرات الشيخ جميل الحجيلان -وهي قراءة ألهتها عن كتبها الأخرى-، فاقترب منها طفلها، وهو في حدود العاشرة من العمر، وسألها من هو جميل الحجيلان! اهتبلت الأم المربية تساؤل نجلها، وأجابته: هذا وزير وسفير ورجل دولة وكاتب كبير، عاش طفولته مثلك بعيدًا عن والده، ووالده بعيد عنه، ولم يمنعه ذلك من مواصلة الكفاح حتى بلغ المراتب العالية!

وقد زرت مرة رجلًا يخطو نحو الثمانين، فطار فرحًا عندما أخبرته بأن بلديه الشيخ جميل الحجيلان سوف يطبع مذكراته -توقيت الزيارة قبل صدور المذكرات-، ومما سمعته من هذا الرجل ذي العقود الثمانية، وهو الممتع -والحمدلله- بذاكرته وذهنه، أنه لن ينسى الكلمات التي ألقاها الشيخ جميل في الإذاعة السعودية، وهي تعليقات سياسية، أو بيانات مهمة! وكنت قد قرأت عن هذه الإطلالة الإذاعية للشيخ جميل في نسخ من مذكراته قبل النشر، حين تلطف باطلاعي عليها، وأعلمت الرجل بأن تلك التعليقات السياسية كانت “حجيلانية” كتابة وإلقاء، وقد سأل عنها الملك فيصل -رحمه الله- معجبًا بها، وزاد تقديره لها يوم أن عرف أن الكاتب هو القارئ نفسه!

ثمّ حدثني شاب أنه عندما صدرت مذكرات الشيخ جميل، وعرضت للبيع في معرض الكتاب الفائت بالرياض أول مرة، ذهب هذا الشاب العشريني إلى ركن الناشر، وطلب نسخة من المذكرات، فأعطاه البائع النسخة وهو مستغرب أن يسأل عنها شاب في مثل هذا العمر! لكن استغرابه زال حينما أرى الشاب البائع صورة حديثة له مع الشيخ جميل، وبعد تمام البيع دخل رجل يناهز الأربعين طالبًا شراء نسخة من مذكرات الشيخ جميل؛ فأخبره البائع أن آخر نسخة متوافرة آلت لهذا الشاب الذي يحملها بعناية كما لو كانت طفله بين يديه؛ فرمق الأربعيني الشاب بنظرة المتعجب من حرصه على هذه المذكرات، وهو من جيل لم يعاصر كاتبها، ولم يعلم هذا الأربعيني أن صاحبنا الشاب سيغنم توقيعًا نفيسًا من الشيخ جميل على تلكم النسخة.

كما شاهدت عددًا من زوار الشيخ أو المتواصلين معه هاتفيًا، وهم من أعمار متفاوتة بين الأربعين والسبعين، وسعادتهم بادية إبان جلوسهم إليه، وسمعتهم يعلنون حبورهم بفرصة التواصل مع الشيخ جميل عن قرب أو بعد، وهم جمع متنوع، فيهم أمراء وعلماء ووزراء وكتّاب ومسؤولون وإعلاميون، بل قال لي بعضهم: لقد شعرت بنقلة تاريخية مهمة، وحظيت بمكسب لم أكن أحلم به. وهذه التفاعلات تدل على أن المجتمع بعقلائه وساداته ينحاز دائمًا لمن يستحق من أهل العلم والخدمة والإخلاص، ويعرض عمن ظهر فجأة مع صيحة أو هبة، حتى لو تابعته أرقام كبيرة؛ فالغثاء لا يبقى.

وبما أننا في سياق الحديث عن مذكرات الشيخ جميل، فمن المناسب الإشارة إلى أن تلكم المذكرات قد وجدت من التفاعل السعودي والعربي العريض مداه، ما يمكن رصده في كتاب أو أكثر، ولو جمعت المقالات والتعليقات المختصرة واللقاءات والاحتفالات التي ترافقت معها لأوضحت صورة تأثيرها، وأبانت عن هذا التفاعل معها، وهو باب يصب لصالح الثقافة السعودية، وحضورها العربي الذي تستحقه.

وعسى أن يكون في هذا الأمر اللافت جدًا، إن في تعاطي الكتّاب والمثقفين ووجوه الناس مع مذكرات الحجيلان، أو في التسابق لتكريمه واستضافته، أو في تسامع الأجيال برجل من سابقيهم، وتناقل أجزاء من حواراته، أو مقتطفات من مذكراته، أو بعض الصور الخاصة معه، ما يفتح شهية الآخرين للكتابة والتدوين والرواية، فالأجيال أعناقها مشرئبة لأوائلها وأكابرها، ونحن بخير ما دامت هذه الصفة الحميدة فينا.

ahmalassaf@

الرياض- السبت 04 من شهرِ ذي الحجة عام 1446

31 من شهر مايو عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)