شريعة وقانون عرض كتاب لغة وأدب

دليل سعودي لترجمة الوثائق النظامية

سعدت بقراءة نسخة إلكترونية “الدليل الاسترشادي لترجمة الوثائق النظامية إلى اللغة الإنجليزية”، الصادر عن شعبة الترجمة الرسمية بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء. يقع الدليل في (33) صفحة، وهذه هي الطبعة الأولى منه، وهو حديث التاريخ وإن لم يتبين لي في أي سنة بالضبط. وترحب الشعبة باستقبال أي مقترحات أو ملاحظات بشأنه على بريدها الإلكتروني المدون في المقدمة؛ كي تكون النسخ القادمة أشمل وأحكم، علمًا أن الدليل متاح إلكترونيًا عبر موقع الهيئة والشعبة.

يتكون الدليل من الفهرس فالمقدمة، ثمّ أربعة أقسام، فملحقان. يتحدث القسم الأول عن مراحل الترجمة، بينما يوضح القسم الثاني منهجية التعامل مع المصطلحات والمفاهيم ذات الدلالة الشرعية أو الثقافية. ويورد القسم الثالث ضوابط عامة، ويبين القسم الرابع كيفية تنسيق وثيقة الترجمة. ويلي هذه الأقسام ملحقان فيهما روابط إلكترونية مباشرة، لمن أراد التوسع والاستزادة، وما أكمل الدليل الذي يثري ويضيف، مثل دليلنا هذا.

ورد في المقدمة المختصرة أن الترجمة تواصل حضاري، وأن الغاية من ترجمة القوانين والتشريعات هي رفع مستوى الشفافية فيما يخص هذا الباب الحيوي؛ لتحسين المناخ الاقتصادي والاستثماري، وإتاحة الأنظمة السعودية باللغة الإنجليزية كونها لغة شائع استخدامها في عالم المال والأعمال، وهذا إنجاز رشيد حكيم له آثار اقتصادية وثقافية بالغة الحسن، ولعله أن يتطور لاحقًا إلى لغات أخرى مثل الصينية على صعوبتها.

وبناء على هذه الأهمية وتلك الغاية صدر قرار مجلس الوزراء الموقر عام (1445) بشأن حوكمة أعمال الترجمة للأنظمة واللوائح، مع تكليف شعبة الترجمة الرسمية بإعداد دليل استرشادي لترجمة الوثائق النظامية وتعميمه؛ فجاء هذا الدليل تنفيذًا للقرار، وفيه بيان لمنهجية الشعبة في الترجمة وفق أفضل الممارسات الدولية في الترجمة. ومن المؤكد أن هذه الترجمات الرسمية المتقنة الموثوقة ستؤدي إلى تضييق مساحة الحاجة إلى الاجتهاد الذي قد يفضي إلى التنازع والاختلاف، وسوف تكون هذه الترجمات سببًا في توسيع دوائر فهم الآخرين لأنظمتنا المحلية التي نعتز بها.

ابتدأ الدليل بالقسم الأول عن مراحل الترجمة، ويشتمل على تعليمات ما قبل الترجمة، وعملية الترجمة ذاتها، ثم المراجعة فالتدقيق وهي عملية مهمة جدًا، وأخيرًا المراجعة النهائية والتسليم. يعقبه القسم الثاني عن المصطلحات والمفاهيم ذات الدلالة الشرعية أو الثقافية، وفيه إرشادات لترجمة المصطلح الذي له أكثر من مقابل في اللغة الأخرى، والمصطلح الذي ليس له مقابل في الإنجليزية، أو له مقابل في لغة أخرى ترجمت للإنجليزية، مع ضرب أمثلة توضيحية، والتأكيد على ضرورة توحيد استخدام المصطلحات ذوات المترادفات، والاكتفاء بمصطلح واحد؛ حفاظًا على اتساق النص.

ثمّ سرد الدليل في القسم الثالث ضوابط عامة، بينما اختص الرابع بتنسيق وثيقة النص، وربما أن الخط المذكور في الدليل سيتغير إلى الخط السعودي الذي اعتمد أخيرًا. عقب ذلك أضاف الدليل ملحقه الأول وفيه ستة عشر رابطًا إلكترونيًا تصل المختص بمواقع مهمة فيها تشريعات أجنبية ومعاجم ومدونات قانونية. وفي الملحق الثاني رمز “مبركد” يوصل القارئ من فوره إلى المسرد القانوني الذي أنجزته الشعبة بالتعاون مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وفيه قائمة بالمصطلحات القانونية الواردة في الأنظمة واللوائح السعودية، وهذا المسرد يحدث بين آونة وأخرى بإضافة مصطلحات جديدة مذكورة في الأنظمة السعودية.

وليت أن الشعبة تتواصل مشكورة مع المعاجم والمدونات القانونية المرجعية والكبرى في العالم لإدراج مصطلحاتنا التي ليس لها مقابل في لغاتهم، مع توضيح معناها بدقة، وتلك يد سابقة بالفضل والمعروف، وتحسب لصالح بلادنا ولغتنا، وللشعبة خبرة عميقة فيها، واستمساك مشكور بهذه الأصول وتلك المصطلحات. وليت أن أقسام القانون والترجمة في الجامعات تستفيد من هذا الدليل وتشيعه بين طلبتها، كي تعم فوائده في معاهد الدرس، ولا تقتصر على مؤسسات حكومية قانونية أو ذات مسؤولية عن شأن من الشؤون المترجمة أنظمتها ولوائحها.

يتضح من خطوات الترجمة المذكورة في دليلنا العملي المختصر أن هذا العمل الحضاري الجليل يعبر بخطوات متأنية ضمن عملية منهكة فيها القراءة والبحث والفهم والنقاش والمراجعة والتدقيق حتى تستوي الترجمة قائمًة على أصول تسر الناظرين، حتى تظهر للعلن بأعلى مستوى ممكن من الضبط والجودة وتحقيق المراد، وبمثل هذا المنحى المتينة حباله نفخر ونفاخر. كما نلحظ في الدليل استثمار التقنية، والبرمجيات الخاصة بالترجمة، أو بتطبيقات النصوص، دون اتكاء كامل عليها؛ فلا مناص من التدخل البشري لضبطها، وربما يضاف لها مستقبلًا الذكاء الاصطناعي، فهو حاضر بقوة تزداد، واستثماره مع الحيطة طريق لامناص من سلوكه غدوًا وعشيًا.

أشير أخيرًا إلى أن شعبة الترجمة الرسمية أنشئت بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (134) وتاريخ 02/05 /1422، وقد نص هذا القرار على إنشاء شعبة للترجمة تسمى “شعبة الترجمة الرسمية” تتولى الترجمة الرسمية للوثائق الحكومية، وترتبط برئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. وللشعبة مهام ومجلس علمي، وسيكون لها حديث خاص لاحقًا، ومن يدري فربما تصبح الشعبة في مستقبل آتٍ هيئة مثلما كانت هيئة الخبراء شعبة أول ما أسست عام (1373=1954م)، والتطور المحمود مرجو ومأمول.

ahmalassaf@

الرياض- السبت 21  من شهرِ شوال عام 1446

19 من شهر إبريل عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)