إدارة وتربية مواسم ومجتمع

رمضان واليسر!

أخبرنا ربنا الرحمن الرحيم الودود ضمن آيات الصيام وشهر رمضان الورادة في سورة البقرة، أنه يريد بنا اليسر بقوله -عز وجل-: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة…” الآية. والحقيقة أن النصوص الشرعية التي تؤكد هذه السمة العظيمة لديننا الحنيف القيم كثيرة، ومن كثرتها أن بحث علماء كبار مسألة رفع الحرج والعسر في رسائل علمية، أذكر منهم الآن الشيخ أ.د.يعقوب الباحسين -رحمه الله-، والشيخ أ.د.صالح بن حميد -حفظه الله ونفع به-، وكلاهما من أساتذة الجامعات، وأعضاء هيئة كبار العلماء، فضلًا عن أن الشيخ ابن حميد إمام للحرم المكي وخطيب، فما أجدرنا أ نفرح بهذا الدين الكامل والمرتضى لنا من الرب الجليل سبحانه.

إن ورود هذه الآية ضمن آيات رمضان والصيام، لتشير إلى ترافق اليسر مع رمضان، والتيسير مع الصيام، وأحاول هن استجلاء بعض ملامح هذا اليسر والتيسير، يسر الله لنا ولكم، فمنها:

  1. أول اليسر أن الشهر معروف غير مختلف فيه ولا مجال للاختلاف حوله أو التلاعب بموعده البتة؛ فهو شهر رمضان، الشهر الهجري التاسع.
  2. من اليسر أن دخول الشهر وخروجه لا يحتاجان إلى كلفة وإجهاد نفس، فمن رآه بأي طريقة شرعية للرؤيا وهو ثبت عدل، سوف يلتزم الناس حوله بالصيام أو الفطر حسب الضوابط الشرعية والتراتيب المرعية، وما الجدال الذي يصاحب أول يوم منه وآخر يوم، إلّا صنيع من فوّت على نفسه اغتنام هذا اليسر، وهو لا يعلم، أو وهو يعلم.
  3. يبدأ الصيام والإمساك مع الفجر وهو وقت معروف بين، ويجب الفطر مع الغروب وآذان المغرب وهو واضح جلي، وأي يسر أكبر من ذلك حتى لو لم يكن معنا ساعة!
  4. جعل الله الغاية من الصيام التقوى وتزكية النفوس، فلا إصر فيه ولا عقوبة، وهذا لعمركم من أعظم أبواب اليسر.
  5. أباح المولى الحكيم لمن لم يستطع الصيام الفطر والقضاء المؤجل، أو الفطر مع القضاء والكفارة، أو الفطر بلا قضاء ولا كفارة، وهذا باب واسع من اليسر.
  6. تعددت أسباب المغفرة والقبول في هذا الشهر؛ فمجرد إدراكه سبب للمغفرة، وكذلك صيامه إيمانًا واحتسابًا، فهو شهر لا يصومه منافق في الغالب. ومن أسباب المغفرة قيامه إيمانًا واحتسابًا، وجلّ المساجد لا تطيل القيام. ومنها قيام ليلة القدر فقط، وهي واحدة من خمس ليال فقط، وما أيسرها.
  7. في كل ليلة للرب الرحيم الرحمن عتقاء من النيران، وفي آخر ليلة يعتق خالقنا البر الرحيم العدد الأكبر، وما أيسر البحث عن فرصة للعتق خلال هذه الليالي، ويا حسرة من فرط وأضاع.
  8. من اليسر كثرة أسباب مضاعفة الحسنات؛ فرمضان كله موضع زماني للمضاعفة، والصيام حال يرتبط معه زيادة الأجور، فاصنع ماشئت من خير وابشر بصحيفة مليئة بالحسنات بعد القبول.
  9. من التيسير على العباد الصائمين أن خصص الله لهم بابًا في الجنة هو باب الريان، والله يدخلنا منه ووالدينا والمسلمين.
  10. من سبل التيسير أن منحنا السميع القريب المجيب فرحتين إحداهما معجلة حال الفطر ومعها دعوة مجابة، والأخرى مؤجلة عند لقاء الرب الكريم، ويا لها من فرحة لا توصف.
  11. شرع الله لنا زكاة الفطر طهرة للصائمين، وتخليصًا لعبادتهم من الشوائب، وفيها فوائد مجتمعية وتجارية وصحية، وهذا كله من اليسر المبارك.
  12. يعين الرب الكريم عباده على أنفسهم فيجودون في رمضان أكثر من غيره، وتسهل عليهم الصدقة، وهذا التيسير سيغدو لهم ظلًا يتفيئونه في يوم طويلة مدته، قريبة شمسه، كثيرة جموعه، شديدة مخاوفه.
  13. يفتح الله على الصائمين أبواب النفحات فيتلقاها الموفقون بطرق شتى، فمنهم من يتعلق بالصيام، أو القرآن، أو الذكر، أو الخلوة، أو التدبر، أو الصدقة، أو العمرة، أو طول القيام، أو غير ذلك من الطاعات، وهو يسر كبير حين يرتبط المرء بقربة صالحة طوال عمره الباقي، أو بخبيئة يواظب عليها مبتغيًا بها رضا الله.
  14. من اليسر أن الفطور والسحور يكونان بأيسر شيء، ولكل واحد منهما وقت فيه فضيل ذو ميزة، وفي السحور عبادة الاستغفار، والقرب من الرب في ثلث الليل الآخر وساعة السحر، وفيه تفوق على اليهود الذين حرموا من هذه الأكلة المباركة في كل شيء، ولئن تفوقنا في رمضان عليهم بالسحر، فسوف نتفوق عليهم في رمضان -وفي غيره- بالثبات والنصر!
  15. من مظاهر اليسر سهولة التوبة والعودة لله؛ إذ تمتلئ المساجد بالمصلين، ويزداد عدد التلاوات والختمات المقروءة والمسموعة، وتخشع القلوب القاسية، وتدمع العيون الجافة، ويشيع العفو بين الناس والتصافح الذي كان صعبًا على النفوس خاصة الغليظة منها.

هذه بعض مظاهر اليسر والتيسير في شهر رمضان المبارك، قسم منها معنوي، وبعضها مادي، والمهم أن نتعبد لله بها ونحمده عليها، وهذا باب من التأله قد يغيب استشعاره والشكر عليه، فالحمدلله أن جعلنا مسلمين، والحمدلله أن كتبنا مع المدركين لرمضان، والحمدلله أن وفقنا للصيام والقيام وما فيهما من تيسير، والله يفتح علينا وعليكم من صالح القول والفعل والعمل ما ينمو وينفع ويبقى.

ahmalassaf@

الرياض- ليلة السبت 22 من شهرِ رمضان عام 1446

22 من شهر مارس عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)