قراءة وكتابة

القراءة بطريقة استثنائية!

من أصول القراءة الاستمرار حتى انتهاء المقروء؛ إلّا إذا استبان صعوبة هضم المادة، أو استحالة الإفادة منها. من أصول القراءة ألّا تكون متوالية لا يفصل بينها شيء؛ فالفاصل داخل أي عمل فرصة للمراجعة والاستدراك وتصحيح الخطأ وسد الخلل. من أصول القراءة أن يكون فيها تركيز على مجال، وتنوع في مجالات وحقول أخرى؛ فالتركيز مفيد مثمر للقارئ، وأما الزهرة من كل بستان فليست من القراءة الأصيلة في شيء! ومن فنون القراءة أن يشرك القارئ مع كتابه الأساس كتابًا آخر يحمِض فيه، ويغير به طعم الجدية، كي يستعين على إكمال الكتاب الجاد بما في الآخر من ملح وتنفيس وطرائف وقصص.

ومن التجربة، قد يجد المرء حاجة ملحة تدعوه إلى النظر في كتب كثيرة، بعضها مرجعية، وبعضها ضرورية لذي اختصاص أو عناية، لكن ضخامتها، وتزاحم الأعمال، وسطوة وسائل الاتصال، ومصاعب شتى حقيقية أو متوهمة، ربما تحول دون تحقيق هذه الغاية اللذيذة. إن إدراك أكثر ما يمكن إدراكه، خير من ترك الكل وإغفال الجميع، وهذه حكمة متوارثة لها حظ وافر من الصواب النظري والعملي.

ثمّ إني منذ سنوات، وبعد أن التحقت ببرنامج تدريبي جميل وعملي عن الإنتاجية، مع المدرب المتألق المهندس عبدالرحمن الأحيدب، شرعت في تخصيص عشر دقائق يومية لكتاب يقع في مجلدات، فأنهيت بفضل الله عددًا من الكتب والمجلدات بهذه الطريقة، ولم أكن أتوقع تلكم النتيجة السعيدة، ولم أحسب لها أي حساب، ولم يخطر لي ببال أني سوف أفرغ من ذلكم الإرث الحضاري الكبير لولا فضل الله، ثم إتباع هذه الطريقة التي سوف أشرحها في نقاط مختصرة كما يلي، وهي اجتهاد وتجربة، ولكل واحد رأيه، وحال خاصة به:

  1. تحديد أماكن ثابتة للقراءة خطوة أساسية، وبها يرتبط نجاح المشروع، والأماكن قابلة للتعدد بحسب أوضاع كل قارئ، وكثرتها سيزيد من إنهاء الكتب، وصبغ الأماكن بعبق القراءة وذكرياتها.
  2. تخصيص عشر دقائق يومية ثابتة لهذا العمل، وضبط منبه الجوال عليه.
  3. تعويض هذه المدة لو فاتت قدر المستطاع؛ فإهمال مرة واحدة قد يُستعذب ويتواصل حتى يجندل الكسل هذا المشروع الثقافي، ويبليه.
  4. تعيين الكتب التي يحتاج الإنسان لقراءتها بهذه الطريقة. هذه الكتب في الغالب مرجعية، وضخمة، ويصعب قراءتها دفعة واحدة أو قراءة جميع أجزائها لغير مختص، والقراء في النهاية يختلفون.
  5. لا يشترط أن ينتهي القارئ من كتاب واحد بمجلداته دفعة واحدة؛ بل يناسب أن يضع فتح الباري في مكان، ولسان العرب في الثاني، وطبقات الشافعية الكبرى عند الثالث، وقصة الحضارة لدى الرابع، وهكذا مثنى وثلاث ورباع وأزيد، والعناوين للتمثيل فقط!
  6. إذا اضطر القارئ لسفر بعيد أو انشغال لا يساعد على تنفيذ هذه الطريقة؛ فله أن يتوقف ثم يعاود هذه الممارسة الراقية بعد تيسر الفرصة، والعود بعد قليل التوقف أحمد وأطعم، ومن جرب عرف!
  7. قد تصادف القراءة اليومية منك نشاطًا زائدًا، وإقبالًا غير معهود، وحينها يحسن بك زيادة المدة بقدر معقول؛ كي لا يصيبك الملل فتتراجع عدة خطوات.
  8. إذا تبعثرت النفس وتبغثرت؛ وعن القراءة انقطعت وصدت، ففي هذه الطريقة منجاة ومسلاة، ومن عاش معها ربما يلاحظ ذلك، بل قد تصبح هي أصل القراءة لدواعي البحث والكتابة!

هذا الذي حدث معي، فوجدت فيه النفع والأثر؛ ولذا نشرته لعل فائدة به أن تعم، وأجرًا منه أن ينال، ودعوة بسببه ترفع وتقبل لي ولك ولمهندسنا أبي محمد الأحيدب. فإن راقت لك هذه التجربة فدونكها بلا تفضل ولا منّة، وإن لم تجد موقعًا في نفسك فلا بأس منك ولا بأس عليك، ذلك أن التفاوت جبلّة بشرية، لكن ثق أنك قد تعود إليها بعد زمن، وربما تبدع فيها، فالتغيير والتحديث سمة متلازمة مع الحياة والآراء التي لا تقنع بالسكون والجمود، وترضى بهما إذا كان معهما شيء من السيولة والجريان؛ ففي الحياة والأشياء والمواقف كلها ثابت راسخ، ومتغير متحول، والموفق الحكيم من عرف كل صنف، ووعى ما يجب له ومعه، وهذا المعنى العزيز الغزير، أحد مغازي القراءة وفوائدها.

ahmalassaf@

الرياض- الخميس 28 من شهرِ شعبان عام 1446

27 من شهر فبراير عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)