فاز الليكودي المتطرف أبًا عن جد “بنيامين نيتينياهو” برئاسة حكومة “إسرائيل” أول مرة عام (1996م)، وهو أصغر زعيم يحكم قومه حينها. ربما لم يكن الرجل معروفًا لعامة الناس أو حتى لبعض خاصتهم كما هو الآن. وفيما بعد خرج من الرئاسة خاسرًا، وعاد للحكومة في مناصب أخرى، حتى رجع لرئاسة الوزراء غير مرة آخرها قبل عامين. هذه العودة تشير إلى إصراره، وإلى نسبة من القبول يحظى بها في مجتمعه وعند بني قومه وإن حاكموه.
يحرص هذا الزعيم اليهودي على مصالح بلاده واضعًا تحت قدميه أي عرف أو قانون او اتفاق وإن تدثر بشعار أممي، أو قيل عنه بأنه شرعية دولية، ويعلن بلا مواربة بأنه يفسر المعاهدات بما يخدم أهدافه؛ وها يعني أن أي اتفاق معه مجرد خطوط على رمل لا تثبت على الأرض، أو قبض أمواه متحركة لا تبقى في اليد! ويرتبط بعلاقات وثيقة وحميمية مع أهم زعماء العالم، وفيه من خصائص قومه مثل الذكاء بلا زكاء، والدهاء مع بلية الاستعجال، والحمق، وإعلان ما يحرج الآخرين.
لا يلام إنسان على ابتغاء مصالح بلاده وقومه ونفسه أو ما يظنه كذلك ما لم يعتد على حقوق غيره، كما يمكن لأي أحد أن يفسر الشراسة التي ينتهجها هو أو من يواليهم بأنها حق مشروع، وأن الأعمال العسكرية دفاع عن النفس مفهوم حتى لو بلغت حدّ الإبادة الذي استحى منه بعض البشر بما فيهم من بقايا فطرة دون إيمان. بالمقابل يمكن كذلك لأي أحد أن يستكثر من المظلوم المسحوق صرخة فما فوقها؛ خاصة حين يكون هذا المظلوم غير محبوب. إن ميزان العدالة فيه اختلال بيّن، ها على افتراض وجود هذا الميزان من الأصل في السياسة وعند الأقوياء!
لكن الشاعر والأديب السعودي د.غازي القصيبي -السفير حينها والوزير قبلها وبعدها- قد سبق غيره إلى دراسة شخصية هذا الزعيم الليكودي والغلام المدلل، ووصفها بما استبان صوابه لاحقًا. ربما أن القصيبي -رحمه الله- قد قرأ عنه كثيرًا. ربما أنه درس الشخصية اليهودية، وعقيدة الدولة المغرورة المغروزة في قلب عالمنا، وقاس المجهول على المعلوم فنظر للمستقبل من حجب الغيب، حتى لكأنه غاص في قلب الرجل وعقله! ربما أن شاعرنا الدبلوماسي تابع سيرورة زعماء “إسرائيل” فخرج باستنتاج جعله يرحب بهذا الزعيم المدلل بقصيدة على طريقة أبي يارا الخاصة، تمامًا كما احتفى بآيات الأخرس -رحمهما الله- على طريقته الخاصة، علمًا أنه كتب القصيدتين وهو سفير في لندن، التي صدر من حكومتها الوعد المجرم بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين قبل عقود آنذاك.
يقول القصيبي مخاطبًا “بيبي” مستشرفًا ما سيحظى به من تدليع ودلال:
يا للغُلام المُدلل
من الجميلات .. أجمل
إذا مشى يتهادى
مهفهف القدِّ .. أكحل
جفونه ناعماتٌ
والقلب كِسرةُ جَندل
ثمّ يواصل أبو يارا مشيرًا إلى أن هذا الحب لذلكم المدلل تجاوز الغرب إلى غيرهم، وفاض الحب حتى وصل إلى مرحلة تشبه العشق والهيام:
بيبي !! عشقناك عشقاً
من بعضه قيس يذهل
بعد المحيط .. خليجٌ
هفا … فهام .. فهرول
ويسخر شاعرنا من اليهودي المتعطش للدم والأرض والثروات، فيسأله عن رغباته:
ماذا تريدُ ؟! فإنا
كما ستأمر نفعل
تريدُ سلماً وأرضاُ ؟!
هذا من العدل أعدل
تريدُ نسف بيوتٍ ؟!
أهلاً .. وسهلاً … تفضل
خذ الصغار ضحايا
على مذابح هيكل
وإن أردت كباراً
فكل شيخٍ مبجل
أو رمت نزع سلاحٍ
من شرطةٍ … فتوكل
وإن أردت احتلالاً
مجدداً … فقمْ احتلْ
هذي ( يهوذا ) وهذي
السامرا … فتجول
بستان جدك ( ياهو )
وجد جدك … ( حزقل )
وبنت عمك سارا
وجدها الحبر ( هرزل )
ويعلم الدبلوماسي والوزير الخبير أن مسألة الأرض في عقيدة القوم وحسبانهم تتجاوز المعلن مما احتلوه واغتصبوه من أراضينا إلى غيرها؛ فيكمل السخرية مترنمًا:
وإن تضق بك أرضٌ
فلا تضق … وتوغل
النيل كم يتمنى
لو جئته … تتغسلْ
وفي الفرات حنينٌ
لبشرةٍ هي مخمل
ونحن فوق أراضـ
ــيك عصبةٌ تتطفل
فإن رضيت … بقينا
وإن غضبت … فنرحل
وإن أشرت … أكلنا
وإن نجع … نتوسل
بيبي !! حناناً بشعبٍ
من لاعج الحب .. أعول
وأنت تقسو … وتجفو
كغادةٍ قلبها ملْ
ولو كان شاعرنا موجودًا، ورأى وسمع ما جرى ويجري، فلربما كتب ملحمة من الشعر يدافع بها عن بلاده وأمته من عدوان هذا الآثم وقومه ومناصريه، سواء أكان العدوان بالدم والقتل والتهجير، أو العدوان بالرأي الساقط والقول الصفيق والمقترحات المتهورة المجنونة. إن الشعر والكلمة جزء من أدوات معركة البناء، ومعكرة الدفاع، ومعركة إثبات الحقوق، وبها لا يستهان، ومن شأنها لا يقلل، والمهم أن تكون الكلمة مسبوقة ومواكبة ومتبوعة بالعمل الرشيد، والتدبير الحكيم، ومن الله يستمد العون والنصر.
إن صورتنا نحن العرب والمسلمين -وعموم ما يوصف بأنه العالم الثالث- في وجدان الغرب تبيح أي عمل عنيف تجاهنا؛ فلا يشعر الفاعل، ولا المؤازر بمال أو سلاح أو إعلام أو “فيتو”، ولا المسوغ، ولا الصامت، بأي ذنب أو حرج أو وخز قلب من فظائع القتل والتهجير والتدمير وسرقة الأراضي والأموال والاغتصاب؛ فلا خطيئة في إبادة الهمج الغوغاء وتقليل عدد سكان الأرض، وهي حال تشبه من يستخدم المبيدات الحشرية دون رحمة بما يهلك من تلك الأمم، بل يشعر بأهمية عمله للبشرية وللبيئة وللمستقبل! اللهم أيقظ البصائر والهمم، واعذنا من مضلات الفتن، واحفظ بلادنا وبلاد العرب والمسلمين، وزدنا من القوة والإيمان بما يقذف الرعب في قلوب الأعادي، والمتربصين؛ حتى يصير الغلام المدلل، غلامًا ذليلًا خائفًا يخوض في نجاسته من الرهبة والتوجس!
الرياض- الاثنين 11 من شهرِ شعبان عام 1446
10 من شهر فبراير عام 2025م