أحب أي كتاب يفيد عمليًا في الكتابة، هذا الكتاب واحد منها، عنوانه: مسرات القراءة ومخاض الكتابة: فصل من سيرة كاتب، تأليف د.عبدالجبار الرفاعي، وهو من منشورات تكوين التي تستهدف الكتابة عن الكتابة. صدرت الطبعة الأولى منه عام (2023م)، ويقع في (182) صفحة من القطع المتوسط. يتكون الكتاب من ثلاثة وعشرين عنوانًا مسبوقة بالمقدمة ومختومة بالمراجع. مما أعجبني في هذا الكتاب عناية منصة تكوين بكل ما يخدم الكتابة، واحتفائها بهذه التجربة العربية من كاتب عراقي عربي مسلم يعتز بأصوله، وله نحوها حمية ومحبة لا تمنعه من النقد والنصح.
ومما أعجبني ثراء التجربة وصراحتها، ولذا حرصت على الإفادة منها والاقتباس، مع الإشارة إلى تنبيه مهم يحبه المؤلف، وهو من إنصافه وتجرده للحق في كثير من الأحيان. خلاصة هذا التنبيه أن كل ما سيرد هو تجربة شخصية غير ملزمة، وليس بالضرورة أن تكون صائبة. وأضيف قبل سرد الفوائد بأني حررت بعض عباراته، وجمعت المعنى من عدة جمل متباعدة أحيانًا قليلة. من فوائد الكتاب:
- حين أضجر من الكتابة استريح بالقراءة، وحين أفقد التركيز بعد ساعات من القراءة، لا يستفيق وعيي إلا بالقراءة.
- كلما فكرت بعمق ضاق فضاء الأجوبة واتسعت الأسئلة فأتهيب اقتحام الكتابة وأحاول أن ألوذ بخيمة القراءة.
- كشفت لي هذه الأوراق ذكريات رفقة شيقة في القراءة وشاقة في الكتابة.
- هذا الفصل يعبر عن أثمن ما عشته في حياتي.
- تتطلب الكتابة الحقيقية موهبة، وصبرًا، وقراءات نوعية متواصلة، وتفكيرًا هادئ، وجلدًا على تكرار الكتابة، وعدم التعجل بالنشر، والتضحية بكثير من المتع الحسية.
- وجود الكتاب يشعرني بالأمن النفسي، ويؤنسني حين أشعر بوحشة الوجود.
- القارئ المتمرس مولع بالاكتشاف، والقراءة ضرب من الدهشة.
- أهتم كثيرًا بلغة الكتابة؛ فلا أواصل قراءة كتاب لو لم أتذوق كلماته.
- الكتب النوعية توقظ العقل، وتحيي الروح، وتبهج القلب، وتثري اللغة، وتمنح الحياة شيئًا من المعنى.
- القراءة العشوائية هي أسوأ المتاهات.
- ينشغل القراء الكبار بالكتب الأساسية، ويستغرقون بعدها بالتأمل والتفكير العميق وتوليد الأسئلة.
- كل كتاب في مكتبتك يحكي قصة، ويؤرخ لمناسبة، فالمكتبات مخزن الذكريات، وأحد مكونات الهوية الشخصية.
- لا أستطيع المكوث في بيت بلا مكتبة.
- لا أتذكر أني عرضت ما كتبت على أحد.
- لا زلت أتهيب الكتابة، وأتهرب منها؛ خشية إنتاج نص لا يرضي المتلقي.
- للكتابة هلع ووجع عبرت عنه كاتبة حائزة على نوبل بقولها: الكتابة مثل الخنجر!
- الكتابة داء ودواء. قبل الكتابة أقلق، حين أفرغ منها أهدأ.
- اللغة باعتبارها أداة هي ما يرهقني في الكتابة أكثر من الفكرة.
- بعد سنوات صارت لي لغة كتابة بمعجم غني، وأسلوب خاص.
- يجب تحرير الكتابة من الفائض اللفظي الذي يستنزف طاقة المعنى وينهكه.
- كل كاتب يكتب كتابًا أساسيًا واحدًا ما قبله تمارين وما بعده تنويعات.
- الكاتب الحقيقي تصنعه الكتابة بقدر ما يصنعها.
- كل نص يحيل إلى معجم الكاتب ومرجعيته وثقافته وآرائه.
- الكاتب الصبور يتعلم من الكتابة أكثر مما يتعلم من القراءة، ويرتفع بعد الكتابة وعيه بذاته.
- كتاباتي مرآة سيرتي الفكرية والروحية والأخلاقية.
- إذا كانت الكتابة تجربة وجود في حياة الكاتب فحياته غير نمطية، وتظلُّ حياته الخاصة مؤجلة.
- ليس لدي قواعد ملزمة للكتابة ولا طقوس أخضع لها.
- أعجز عن أن أكون كاتبًا تحت الطلب، أو أن تكون كتاباتي سلعة للمساومة.
- كتابة الجرح أعمق تجارب الكتابة وأوجعها وأغزرها معنى؛ فعندما يُكتب الجرح يشفى الإنسان.
- تعلّم التفكير الحر، ومناقشة ما تقرأ، واكتشف الطريق بنفسك؛ لأن من يُقاد مثل الأعمى لن يعرف الطريق.
- كل ما أكتبه خلاصة تأملات عقلية، وتعبير عن خبرة روحية، وحياة أخلاقية.
- يبحث القارئ عن شخصية الكاتب، ويدقق لمعرفة ما يسعى الكاتب لإخفائه.
- التحول في القناعات، والاعتراف بالعثرات، وإعلان الأخطاء، سمة قوة للكاتب، وتمنحه تطهيرًا ومناعة ضد التأثر بالنقد.
- الكتابة الحقيقية تثير من الأسئلة أكثر مما تقدمه من أجوبة.
- قوة الكتابة في اختلافها، وفاعليتها في إيقاظ الوعي، وتهذيب الذائقة.
- الترجمة تنهكني بل تعذبني أحيانًا.
- غواية الكتابة واحدة من نتائج عصر الإنترنت، وكذلك كسر احتكار الكتابة.
- تطويع لغة الكتابة هو أشد امتحان يواجهه الكاتب.
- لا يجد الكاتب نفسه على حال واحدة حين يكتب.
- تجاوزت الكتابة كونها حرفة إلى منح الكاتب قوة وسلطة.
- براعة الكتابة بوضعها عقل القارئ أمام مشكلات تحتاج لتأمل ونظر غير متعجل.
- تطور أي علم جاء من فحص المسلّمات، وفضح الأخطاء، وتوالد الأسئلة العميقة.
- الكتابة بلا تفكير أسوأ أنواع الكتابة.
- ليس بوسع أي كاتب تعلّم الكتابة إلا بإدمان الكتابة.
- جمال الكتابة في كلماتها وطريقة استعمالها.
- ينطفئ وهج الكلمات باستنزافها بالاستعمال المسرف الممل.
- في عبث الكتابة تنبعث أصوات مستهجنة.
- المنجز النوعي لديه إمكانات ذاتية للبقاء والدفاع والمقاومة.
- من ضريبة الكتابة الموجعة أنها تجعلك في مواجهة أقرب الأصدقاء.
ليست هذه جميع فوائد هذا الكتاب الرائق، وتلك السيرة الصريحة، فما تركته أكثر مما أوردته، إذ أن الغاية دلالة القارئ عليه فقط. وأشير في الختام -كارهًا- إلى ملحظ لم يعجبني، هو كثرة تغني المؤلف بالعقل؛ ذلك أن كثرة التغني بشيء يزيد من مستوى الشك -لدي على أقل تقدير-، خاصة عندما يردد كاتب أو متحدث الحديث عن تقواه أو أمانته، أو تقديس العقل أو فداء الوطن! هي معاني مطلوبة بيد أن التكرار مريب.
ولم يعجبني كذلك أن الكاتب لمز بعضًا من علماء المسلمين وكتّابهم ومفكريهم دون أن يذكر- بحقٍّ لا باطل فيه- من يماثلهم في طائفته مع أنه بهم أخبر، وليسواء برآء من الأخطاء، علمًا أني أشك بإطلاعه على تراث بعض من لمزهم بتجرد، وأخشى أنه أكتفى بالنقل عن الحوزة وتراثه الأول الذي وفق لتجاوز أكثر تراكماته! ومع أني أوافقه في انتقاد جماعات الغلو؛ إلّا أني تعجبت أنه لم يذكر واحدة من جماعات الغلو التي تنتسب لطائفته، وهي التي تكثر مع شرورها العلنية في بلاده وما جاورها! مع ذلك يبقى الكتاب ممتعًا، ويبقى الكاتب صادقًا ووفيًا.
الرياض- السبت 09 من شهرِ شعبان عام 1446
08 من شهر فبراير عام 2025م