حقًا إنه ليوم عظيم حين تصبح لغتك محط الأنظار، وعلى درجة من درجات الارتقاء إلى حيث يجب أن تكون. وحقًا كذلك إن في سرد تلك الحكاية من الاعتزاز والفخر ما يتجاوز حدود متعة السرد، ولكل سرد متعة إما لجمال السبك، أو لجمال السارد! أقول ذلك وقد قضيت أصيل هذا اليوم مع كتاب عنوانه: حكاية اليوم العالمي للغة العربية، تأليف: زياد الدريس، صدرت طبعته الأولى في فبراير عام (2018م) عن دار مدارك للنشر، ويقع في (97) صفحة من القطع الصغير حجمه، الكبير محتواه.
حفظ لنا هذا الكتاب المختصر قصة انطلاقة اليوم العالمي للغة العربية من مقر اليونسكو في باريس، وهو اليوم الذي اعتمد في الثامن عشر من شهر ديسمبر كل عام، ابتداء من عام (2012م). بدأت المسيرة الموفقة نحو هذا اليوم كما يروي المؤلف والكاتب د.زياد بن عبدالله الدريس حينما زار الأمير سلطان -رحمه الله- باريس عام (2006م)، وهو العام الأول الذي مثّل فيه الدريس بلاده السعودية في اليونسكو؛ فتبرع الأمير الجواد بثلاثة ملايين دولار لتأسيس برنامج داعم للغة العربية في اليونسكو.
كان من بركة ذلكم السخاء، ومن حسن العمل، وصدق النيات -بإذن الله- أن تواصلت الجهود العربية وتآزرت بقيادة د.زياد الدريس سفير المملكة العربية السعودية المعين حديثًا لدى اليونسكو، حتى قررت المنظمة الاستجابة لطلب السعودية والمغرب باعتماد يوم للعربية، وهو الطلب الذي ساندته المجموعة العربية وغيرها، وخصص له اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر؛ لأنه يوافق اليوم الذي جعلت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة العربية إحدى لغاتها الرسمية، وربما أنها اللغة الوحيدة التي لم يكن لها يوم سنوي من اللغات الدولية الست!
جاء ذلكم الاعتماد في شهر أكتوبر، فلم يتوان الفريق العربي، وعلى رأسهم زياد الدريس، بل شرعوا في الإعداد لإقامة أول احتفالية بعد شهرين فقط، ومن بعدها توالت الاحتفاليات السنوية، وحدد لكل عام مجال يختص به، وازداد التفاعل العربي والدولي مع هذا اليوم عامًا إثر عام. من البركة والإخلاص والإتقان أن هذا اليوم مستمر حتى بعد مغادرة فرسانه الأوائل لعملهم في اليونسكو، وأن الذي تحقق أكثر من المأمول كما كتب الدريس، والمأمول أن تتوالى النجاحات والتطوير، وهو ما عبّر عنه مثقفون ومسؤولون ثقافيون كتبوا كلمات مثبتة في الكتاب.
دعوني قبل الختام أن أخبركم: هذا اليوم صنعة سعودية أصيلة، ولا غرو فنحن مجتمع عريق. هذا اليوم ولد باجتهاد مثقف أصيل متمسك بجذوره ومنابته السعودية العربية والإسلامية، ولا ريب فهو نجل أديب ورمز كبير -رحمه الله-. هذا اليوم تمّ تمامه بكرم من الأمير سلطان، ثم تابعه أولاده، ومؤسسته الخيرية الذين تواصوا بهذا المشروع خيرًا حتى بعد رحيل الأمير. هذا اليوم يؤكد لنا أن البداية بنجاح يسير مع الصبر والإصرار والإدامة ستقود لنجاحات أكبر. ها اليوم يدلنا على أن صاحب المشروع يفكر به مبكرًا كما صنع الدريس حينما أصبح سفير بلاده لدى اليونسكو، وبلاده هي مهد العروبة وموئل العربية.
حقًا وصدقًا إنه ليوم جليل مبارك ذاك الذي يحتفى فيه بالعربية، ولأجل ذلك خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأمتع به- المستمعين من على منبر اليونسكو عام (2014م) قائلًا: “أثمن بكل تقدير تخصيص احتفالية (اليوم العالمي للغة العربية)، مما يعني الوعي بقيمة اللغة العربية وأهميتها الحضارية”، وهي كلمات ذات دلالة من محب للعربية وحريص عليها. هذا وإن الرهان على شيء يمتلك مقومات النجاح لمن الحكمة وكمال التدبير، وهكذا هي لغتنا العربية بما لها من ارتباط مقدس، وإرث ضخم، شريطة ألّا نركن كما كتب الدريس لكثرة مديح العربية، وإنما ننشغل بكثرة استخدامها في كل محفل ومجال وميدان، ولا ندع للعجمة إلى اللسان العربي سبيلًا قدر المستطاع.
الرياض- الأربعاء 10 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1446
11 من شهر ديسمبر عام 2024م