شريعة وقانون عرض كتاب قراءة وكتابة

دليل سعودي لمراجعة مشروعات الأنظمة واللوائح

دليل سعودي لمراجعة مشروعات الأنظمة واللوائح

مثل ما سبقه وما لحقه من أدلة سعودية، صدر هذا الدليل المباشر والواضح عن المركز الوطني للتنافسية “تيسير” بعنوان: مراجعة مشروعات الأنظمة واللوائح وإبداء الرأي بشأنها. يقع الدليل في في عشرين صفحة خالية من الاسترسال، بريئة من الغموض، وما أحسن التوسط والاعتدال؛ إذ التطويل ليس دليلًا على جهد أو عمق، والاختصار لاينقص من قيمة العمل المفيد المتقن.

يستهدف هذا الدليل الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية، دون قصر الفائدة عليهم؛ فهي متاحة لمن شاء. مع ذلك فقد وردت في أول هذا الدليل كلمة بارزة تشير إلى أنه دليل إرشادي لا يغني عن الرجوع إلى الأنظمة واللوائح والقواعد والسياسات والإجراءات ذات الصلة. وقد نشر دليلنا هذا في موقع منصة استطلاع التي نِشأت بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر الآمر بأن يؤسس المركز الوطني للتنافسية وحدة لدعم الأنظمة واللوائح وما في حكمها. من غايات هذه الوحدة أيضًا إجراء استطلاعات إلكترونية لآراء العموم؛ تنفيذًا لمقتضيات رؤية المملكة (2030)، وتحقيقًا لمبادئ العمل المنضبط من حوكمة، ومشاركة، وشفافية، وإفادة من الممارسات الناجحة.

يتكون الدليل من مقدمة ومراحل الدليل وعددها خمس مراحل. هذه المراحل متوالية تقود كل واحدة منها لما بعدها، والثمرة المرجوة في النهاية هي إبداء الرأي في مشروعات الأنظمة واللوائح؛ منعًا لحدوث أي تعارض أو إشكالات في أنظمة قائمة، وتطبيقات مستقرة، واتفاقيات ملزمة، وكي يزداد المشروع المقترح إحكامًا وصلابة تحول دون كثرة التعديل فيه والتغيير، أو حدوث النقص البين فيه؛ ولا غرو فغاية مراد هذه الأدلة هو مساعدة الإدارات القانونية على تطوير أعمالها، وأدائها بدقة واتساق وفعالية.

المرحلة الأولى هي تحديد الأحكام الواردة بالمشروع ذات العلاقة باختصاص الجهاز الحكومي المراجع وتصنيف المشروع. لتحقيق ذلك لابد من تسلّم المشروع من قبل الإدارة القانونية فهي صاحبة الشأن والعلم والخبرة، ثم قراءة المشروع قراءة أولية لتحديد موضوعاته الرئيسية والفرعية تمهيدًا لتقرير وجود اختصاص للجهاز المراجع، وتقاطع مع أعماله، من عدمها. إذا تبين وجود الاختصاص والتقاطع فلا مناص حينها من تكوين فريق عمل للدراسة وكتابة الرأي القانوني وربما الفني.

لذلك فالمرحلة الثانية هي اختيار الكفاءات البشرية بعد تحديد الاختصاصات القانونية والفنية ذات الصلة، ومنها يتكون فريق العمل، ويمكن الاستعانة بخبرة خارجية من قبل أفراد أو شركات عند الحاجة إليها، علمًا أن المسؤولية عن هذا الفريق تؤول إلى الإدارة القانونية غالبًا. ولأن الحكم الصحيح على الشيء فرع عن تصوره الدقيق، فمن مهام هذا الفريق عقد اجتماع أو أكثر مع الجهاز الحكومي الذي اقترح التشريع والنظام.

مثل هذا الاجتماع يوضح الصورة لدى الفريق المراجع، ويقرب وجهات النظر بين الجهازين؛ مما يجعل قبول المقترحات الواردة أدعى. هذه الوسيلة المباشرة أنفع من مجرد المكاتبة، وقد أضحت الاجتماعات أيسر عن طريق الانترنت تجنبًا للزحام، وضياع الأوقات، والبحث عن موقف قد يكون في حكم العدم. ينبغي على هذا الفريق بحث الجانب الفني للتشريع المتصل بتاثيراته الاقتصادية والاجتماعية وألّا يكتفى بالدراسة القانونية، ويجب مقارنة كلفة التشريع مع الأدوات الحكومية البديلة.

عقب ذلك تأتي المرحلة الثالثة وهي حصر المصادر الضرورية للتعليق على التشريع وإبداء الآراء، وتشمل الأطر النظامية السارية، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، والقوانين النموذجية والمعايير والمؤشرات الدولية، والأعمال التحضيرية، والمبادئ القضائية ذات الصلة، والقوانين المقارنة. الهدف من أعمال الحصر هو مراجعة هذه الأطر للتأكد من صحة الفهم، وللحيلولة دون الوقوع في تعارض مع الأنظمة السارية والمعاهدات الملتزم بها حين إبداء الرأي. كذلك من غاياتها التماشي مع المبادئ القضائية المستقرة، واستخدام المصطلحات المتداولة، والإفادة من الأنظمة القانونية المقارنة القريبة من واقعنا. إن هذه المرحلة تستوجب بناء مكتبة قانونية لدى الجهاز الحكومي سواء كانت ورقية أو إلكترونية، وتوجب على الإدارات القانونية وأفرادها إدامة المتابعة للمستجدات، وحضور الذهن القانوني عند دراسة المشروعات الجديدة.

أما المرحلة الرابعة فهي منهج الدراسة والتعليق على مشروع التشريع. بالجملة ينبغي أن يتضمن التعليق على مشروع التشريع آراء عامة، وتعليقات تفصيلية، يعني يكون فيها إجمال ثم تفصيل. هذا البناء المقترح لطريقة الكتابة القانونية منطقي يتوافق مع مناهج البحث العلمي. إن الكتابة القانونية بمعناها الواسع موضوع مهم للغاية، فللكتابة تأثيرها الكبير إن في الابتداء أو التعليق، وقمين بكليات القانون والحقوق أن تعطي لموضوعات الصياغة والكتابة ما تستحقه من عناية ضمن مناهجها الإلزامية لطلبتها قبل مرحلة الدراسات العليا.

في المرحلة الخامسة والأخيرة يصل بنا الدليل إلى المراجعة والاعتماد. إن المراجعة لب كثير من الأعمال، وسبب في إنضاجها وتمتينها، وما وجدت الثغرات إلّا من التعجل والمجاملة. إن المراجعة وإعادة الكتابة هي حقيقة الكتابة وسبب تفوقها كما يقرر عدد من أكابر الكتّاب. في هذه المرحلة ترسل مسودة الدراسة عن التشريع المقترح للمستوى الأعلى من الإدارة القانونية التي تولت إعدادها أو الإشراف على الإعداد. ويمكن عقد اجتماع مشترك للحوار والتنقيح قبل الاعتماد الذي يليه التدقيق اللغوي؛ فاللغة مظهر خارجي، وتماسك سبكها وحسنها يعطيان مؤشرات تزيد في الثقة بالعمل ومن وراءه. وبعد إرسال الدراسة بصيغتها النهائية لمن اقترح التشريع قد تدعو الحاجة إلى عقد اجتماع معهم للتوضيح حتى يكون الجميع على علم بمغزى المقترحات والتعليقات.

هذه الاقتباسات العجلى في هذا المقال لا تغني عن العودة للنظر في الدليل المختصر، وهو متاح بنسخة إلكترونية في موقع منصة استطلاع. من المناسب الإشارة إلى أن منهج العمل المدون في الدليل يفيد من سيكتب تعليقًا على مشروع نظام أو لائحة، خاصة أنها تتاح للعموم، ويمكن الاستفادة من المراحل وبعض ما فيها، حتى لو كان كاتب التعليق ليس له ارتباط وظيفي بإدارة حكومية، وإنما يعنيه النظام والتشريع لسبب أو آخر، ومن صرح برأيه الصادق بالطريقة الملائمة خلال الوقت المتاح فمرحبًا به.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 13 من شهر ربيع الآخر عام 1446

16 من شهر أكتوبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)