سير وأعلام عرض كتاب

مفتاح مسيرة جميل الحجيلان!

مفتاح مسيرة جميل الحجيلان!

هذا المفتاح استهلال لا يعهد مثله كثيرًا؛ إذ جعل الشيخ جميل الحجيلان ابتداء مسيرته مفتاحًا لا مقدمة كالمتبع. وظيفة المفتاح فتح الباب فقط، ثم يدع الداخل وشأنه. لم يثقل أبو عماد على قارئه بشرح أسباب الكتابة. هذا الشرح يغدو بعض الأحيان من الحشو واللغو دون جدوى. إن الكتابة فعل ذاتي صرف، لاحاجة لافتعال الأسباب له، حتى لو كانت كتابة عن الذات. ترك المؤلف -وهو القانوني العتيق- التسبيب تركًا لا يشوب عمله بالقصور. لم يتهرب الكاتب من مواجهة القارئ بافتعال دعوى تخصيص الكتابة لفئة. إن الشيء المكتوب، مثل الشيء المنطوق، ملك مشاع متاح للكافة أن يتعاطوا معه دون اعتداء. هذا المفتاح فيه صراحة، ومباشرة، وتحدٍّ لذائقة القارئ وتقديره.

في البدء شرح المفتاح للقارئ سياسة المملكة القائمة على حميد التأثير وحكيم التفاعل، بعيدًا عن الإثارة وصناعة التوتر. في نهاية مفتاح الكتاب اعترف المؤلف للقارئ أنه يكتب بقلم مسؤول سعودي ظلّ يعبر طيلة عمله الرسمي عن نهج بلاده، وعن مواقفها وسياستها التي أسلف الحديث عنها، وخلاصتها التحفظ والحذر والعمل دون ضجيج. أيًا كان موقف القارئ من محتوى الكتاب بجزئيه؛ فلا مناص له من اعتبار هذين الملمحين الواردين في مبتدأ المفتاح ومختتمه إذا كان منصفًا.

كذلك عدّد المؤلف في مفتاحه محطاته الوظيفية باختصار. هذه المحطات هي مفتاح هذه السيرة وما فيها من ذكريات ومذكرات. هذه المحطات متنوعة في المكان والزمان والتخصص والأحداث. هذا التنوع سيجعلها حافلة جاذبة للقارئ مهما كان اهتمامه. هذا التنوع سيمنح السيرة مزية على كثير من أخواتها، كما أن معاصرة المؤلف لسبعة ملوك وعهودهم تعطيه فرادة عن أقرانه. هذه المحطات تشبه أسنان المفتاح، ومن طبيعة الأسنان التمايز والاختلاف، وبعضها يكون أحدّ من بعض وأهم. ما على القارئ سوى التنقل السلس بن محطة واخرى، وعند الصباح يحمد القوم السرى.

بين هذه وتلك أبان المؤلف عن بصيرة وتفهم للواقع، فهو الذي تعلّم في كتّاب عند شيخ ضرير، وفي مدارس وجامعات تقليدية، وعاصر الصحافة والإذاعة والتلفاز في أوجها،  وكتب وتحدث وناقش، وخبر الدهاليز وما فيها، والتفسيرات وما يعقبها، والتكتم ونتائجه، لكنه آمن بأن العصر عصر انفتاح، ومعلومات، تنكمش معها مساحة الأسرار، وتزداد رقعة المعلن، ولا ينبئك مثل خبير. أما التأويل فمداه سيبقى واسعًا كما بين أطراف الكرة الأرضية من سعة، وقد يكون تأويلًا قريبًا قرب موضع النظر، أو بعيدًا بعد المجرة.

لم يضِع المؤلف وقت القارئ بعبارات اعتذار أو ثناء. إن القارئ حسن الظن لا يحتاج لهذه الزيادات، أما غيره ممن تمور في داخله الظنون مورًا، فربما لا تقنعه شهادة بشر خاصة إذا كان من جيله، أو قول إنسان من بيئته، ولو كان بعدالة جبرائيل عليه السلام! إن القارئ اللماح سيعرف الأسماء التي تستحق الشكر في المسيرة الحجيلانية من خلال سياق السيرة التي تستأهل الشكر. تأخرت هذه السيرة في الصدور سنوات عددًا هذا صحيح، وصحيح أيضًا أنها تأخرت في العرض لرواد معرض الكتاب بالرياض، مع ذلك ربما يصح هنا الاستشهاد بقول الأول: تمشي رويدًا وتجئ في الأول!

بسم الله يدلف القارئ المحظوظ إلى ساحة الكتاب الرحبة، ويطوف بين أرجائه، وينتقي الأطايب من موائده. على بركة الله سيجول الناظر في رحاب ألف وأربعمئة صفحة مكتوبة ومصورة وموثقة، وسوف يسافر عبر مئة عام. ليس مهمًا – أيها العزيز- أن توافق المؤلف أو تخالفه. ليس مطلوبًا الحكم على كل قسم. المهم الاستمتاع بالحكاية أولًا. ومحاولة استخلاص الفوائد ثانيًا. أما المواقف والتصورات فهذه آخر ما ينتهي إليه القارئ بعد أن يتلذذ بالمادة الشهية، ويبرع في التنقل بين أركانها. هنيئًا مريئًا لك ياقارئها، بلا ريب عندي ولا شك!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

السبت 25 من شهر ربيع الأول عام 1446

28 من شهر سبتمبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)