إلاقة الدواة لأجل القراءة والكتابة
كتابنا هذا صغير الحجم، كثير الفوائد. يمكن للمستعجل أن يختصر بعض موضوعاته لتقديم مادة ثقافية جيدة حول بعض شؤون القراءة مثل أخبار المكتبات، والمخطوطات، وجهود المؤلفين، وأصناف التأليف، وبعض أخبار الثقافة وأهلها. جمع الكتاب روايات غير قليلة من حضارتنا الإسلامية والعربية، وفيه منقولات عن أعمال وأسماء سعودية. هو كتاب من صميم نسيجنا الثقافي مع تطعيمه ببعض ما لدى الآخرين، خاصة أن القراءة والكتابة في عصرنا الراهن مما تفوقت به الحضارة الغربية على أمم الدنيا، وليس بحسن ترك الإفادة منها.
عنوان الكتاب: إلاقة الدواة… رؤى وأفكار حول القراءة والكتابة: الحقائق والأوهام والخرافات، تأليف د.محمد وفيق زين العابدين، صدرت الطبعة الأولى منه عن مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر عام (1443=2021م)، ويقع في (232) صفحة. يتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول ثم خاتمة وثبت المراجع. جاء الفصل الأول بعنوان الكتاب وتعرض له من منظور حضاري، ثم عقد مقارنة بيننا نحن والغرب. تبعه فصلا الكتاب الأهم، فالفصل الثاني عن القراءة، والفصل الثالث عن الكتابة وهو الأطول؛ إذ يستغرق من صفحة (109) حتى صفحة (219).
سوف أستعرض أدناه أهم الفوائد التي رأيتها في الكتاب، جريًا على ما اعتدته في المؤلفات عن الكتابة خاصة العربي المتقن منها حتى لو لم يكن لي بالمؤلف وكتبه سابق معرفة. أشير قبل الاقتباس إلى أني اختصرت بعض الجمل، وأن في الكتاب فوائد جديرة بالاطلاع عن مهارات التلخيص، واستعراض الكتب، والفهرسة، واستخدام علامات الترقيم، وحتمية الوضوح مع الإيجاز؛ فهذا الكتاب مثلما وصفه مؤلفه يصنف بأنه مذكرات قارئ وكاتب جمع فيها بعض أخبار المكتبات وقصص المؤلفين وأهم أقوال الكتّاب وغرائب عالم الكتاب.
هنا بعض ما راق لي تاركًا أكثره للقارئ والكاتب ذي العناية، داعيًا المولى للجميع بالفوز بالحقائق، والنجاة من الوهم والخرافة:
- القراءة والكتابة من توابع العمران وتوابع التعقل، وهما أثر من آثار الحضارة وسبب من أسباب استمرارها.
- كلما كانت القراءة والكتابة أرشد كانت الحضارة أقوى وأقدر على الاستمرار والازدهار.
- أفضل أنواع القراءة هي القراءة لأجل الكتابة.
- الذي يعطي الأهمية للكتابة هي القراءة وما الكتابة في الحقيقة إلّا تتويج للقراءة، فإذا ضعفت الكتابة أصيبت القراءة في مقتل، وأقول: إن العكس صحيح فضعف القراءة يؤدي إلى ضحالة الكتابة.
- القراءة الصحيحة تبنى على التأني والتدقيق، وأثرها اللازم هو الفهم كليًا أو جزئيًا. إن المقصود الأساس من القراءة هو الفهم والاستيعاب وليس الإنجاز أو السرعة.
- المستحق في القراءة إعادتها و تكرارها وإدامة النظر فيها، وهناك من اشتغل بكتاب قراءة وإقراءً. في دراسة حديثة تبين أن إعادة قراءة الكتاب تعود على القارئ بفوائد صحية وعقلية لا تمنحها له القراءة الأولى.
- لدى القارئ المتمرس قدرة على توليد أسئلة داخلية تمكنه من القراءة بفهم حتى كأن عقولهم باتت مبرمجة على القراءة الفعالة.
- تكوين القراءة للمعنى يتفرع عن محددين هما: قصد المؤلف وطبيعه العلاقة بين النص والقارئ، وهو ما يعرف بمكان الذات القارئة من النص المقروء.
- القراءة العقلية تعتمد على التمحيص وإعمال الفكر لاستخلاص المعاني أولّا، ولملء الفراغات التي يتركها الكاتب ثانيًا وهي العملية الأصعب.
- كلما تعمق القارئ في فعل القراءة تمكن من الوصول للمناطق المهمشة والمساحات المهملة.
- يقول علي عزت بيجوفيتش: القارئ الجيد هو الذي يبذل جهدًا فكريًا كأنه يسهم إسهامًا شخصيًا في تأليف النص المقروء.
- الكتابة زفرة كما قال الدكتور عبد الرحمن بدوي.
- الكتابة معركة بين الكاتب وعقل القارئ.
- الكتابة سلطة احتلال لعقل الكاتب، وجرأة على أكثر مساحات القارئ خصوصية.
- تساعد الكتابة الكاتب على تكوين خط فكري محدد غير عشوائي حتى تصنع منه عالمًا أو مفكرًا.
- في الحكمة الألمانية من يكتب يبقى.
- تعزز الكتابة القدرات الفكرية على طرح الأسئلة الجديرة بالبحث، وتعزز صقل الأفكار.
- الاستغراق في الكتابة يخفف الأحزان.
- يرى ابن خلدون أن الكتابة أهم الصناعات وأشرفها.
- الكتابة هي تعلم مهارة توقع احتياجات الآخرين ورغباتهم.
- الكتابة تؤهل إلى التفكير الفعال المرتبط بالإسهام الفاعل في رقي الأمة وتقدمها.
- خيانة الكاتب حين يؤمن بالفكرة ثم يقف على الحياد منها، أو أن يعرف الحقيقة ثم ينكرها رغبة أو رهبة.
- بدايات الكتابة صعبة ثم تهون مع الوقت فتصبح أسهل وأمتع وأكثر حيوية.
- يجب أن يكون للكاتب ورد يومي أو شبه يومي من القراءة والكتابة.
- أكثر الكتاب غير راضين عن كتاباتهم الأولى؛ لأنهم بعد المران صاروا أكثر إجادة وأبصر بعيوب الكتابة.
- يفضل أن يحافظ الكاتب على تدوين تجاربه ومذكراته الخاصة.
- يجب أن يكون الكاتب مستعدا دوما لتدوين أفكاره فلا تغيب عنه أدوات الكتابة – الورقية أو الإلكترونية- حتى وهو مقبل على النوم.
- من الأمور التي تساعد على تنمية مهارة الكتابة الاختلاط بالكتّاب والمفكرين ومعرفة تجاربهم الشخصية، وطريقة عملهم، وأسباب تأليفهم الكتب، والمعوقات التي اعترضتهم، وكيفية تغلبهم عليها، وكيف تعاطوا مع الواقع واحتياجاته.
- تقول أستاذة الأدب الإنجليزي “ماري كار”: أغلب الكتاب العظماء يعانون وليس لديهم أي فكرة إلى أي مدى هم رائعون، أما الكتاب السيئون فهو واثقون جدًا في أنفسهم.
- قال لي الدكتور محمد يوسف عدس: الكتابة في حد ذاتها متعة لا تقل عن متعة القراءة، وهي نعمة من الله تستوجب الشكر؛ فبالنسبة لي أشعر إنني أحصل على جائزتي بمجرد الكتابة.
- التعليم الرسمي لا يعتني بموهبة الكتابة أو بتنميتها، وربما أنه من أهم معوقات الكتابة.
- الاهتمام بعنصر الزمن ضروري للكاتب، ولذلك جزم الأديب الفرنسي “شارل بودلير” بأن أي قوة في العالم لا تستطيع أن تهزم فكرة جاءت في وقتها.
- بعض الكتب لا يمكن أن تفهم أو تفسر إلّا بمعرفة السياق التاريخي أو الثقافي أو الاجتماعي.
- يجب على الكاتب الاعتناء بما لم يسبق إليه.
- أعظم أنواع الكتابة هي التأسيسية المتعلقة بالفكر، وهذا النوع قد يبقى وقتًا طويلًا حتى ينتشر في الناس، لكنه حين ينتشر يبقى في الناس وقتًا طويلًا.
- كلما كان الكاتب أقل استرسالًا وأكثر تركيزا كان كلامه أوضح في القراءة وأقرب إلى النفس.
- يستحب للكاتب استخدام أدوات القياس والتمثيل وافتراض الفروض فهي من أهم أدوات الإقناع والإثبات.
- المهارات اللغوية غير محدودة بحد؛ لذلك تزيد بكثرة القراءة والكتابة وخاصة قراءة كتب الأدب والشعر واللغة.
- من أهم ما يميز الكتابة الجيدة السلام من تنافر الكلمات.
- من الأساليب المهمة استخدام أسلوب الأسئلة التقريرية. يدخل هذا الأسلوب في باب علم المعاني.
- من أهم أساليب الأسئلة: التقريري بغرض تقرير القول أو الفعل على سبيل تثبيته والاعتراف به. والاستنكاري وغايته إنكار القول أو الفعل على سبيل التوبيخ أو الاستهجان. والمجازي بهدف بهدف إفهام المتلقى وله عدة أغراض منها الأمر والنفي والاستبعاد والتعجب. والتذكيري بغرض التذكير بحقيقة أو بديهية غير مختلف عليها.
- يقول الدكتور طارق البشري: أفضل أسلوب لطرح الموضوعات الشائكة وتفكيك الأفكار المشكلة أو المعقدة هو أسلوب السؤال.
- ينصح زكي مبارك بابتعاد الكاتب عن الزخرفة والتنميق فذلك الصنيع آفة البيان، ويحول القارئ إلى خصم للفكرة التي ينقلها إليه الكاتب.
- على الكاتب أن يفرض أسلوبه الخاص وذوقه المميز عند صياغة الأفكار فما يكبته هو في الحقيقة إنفعال خاص للفكرة.
- يقول “مارك توين”: النبرة الهادئة لغة تجعل الأعمى يقرأ والأطرش يسمع.
- في الكتابة: موضع التأكيد لا يجوز فيه الاحتمال، وموضع الاحتمال لا يصح فيه التأكيد، والعاقل من أنزل الألفاظ في مواضعها.
- أهم مرحلة في عملية الكتابة على الإطلاق هي المراجعة التي يواجه الكاتب فيها نفسه، ومن الخير له أن يكون شديد النقد لذاته.
- نصيحة كتابية من “كورت فونيجت”: إن لم تضيء الجملة مهما كانت ممتازة وموضوعة بطريقة جيدة ومفيدة فشطبها أولى.
- كلما ازداد الكاتب نضجًا وعلمًا كان أقبل للتغيير والتصحيح والنقد والنصيحة.
- هذا توجيه ثمين صائب من “آن باتشيت”: ابق متمركزًا، الجلوس إلى طاولتك هو وظيفة الكاتب الأولى، دائمًا يوجد شيء آخر لتفعله فلا تفعله!
- الكتّاب الذين انغمسوا بأفكارهم في المجتمع كانوا أكثر تأثيرًا من نظرائهم في الفكر الذين اعتزلوا الناس.
- جمعت الأمثال أربع سمات لم تجتمع في غيرها: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجود الكناية، واستخدامها في الكتابة مفيد جدًا.
- التلخيص مهارة كتابيه مهمة ومفيدة في البحث العلمي، وتحتاج إلى استيعاب المقروء استيعابًا ممتازًا بقراءة مركزة وبتكرار القراءة، ثم التعبير عن الأفكار بألفاظ الكاتب وليس بألفاظ صاحب النص الأصلي.
هذه شذرات لا تكفي؛ لأن الكتاب حوى جملة من الفوائد في شؤون كثيرة متصلة بالقراءة والكتابة، حتى كاد أن يكون لبنة في مشروع تأليفي عن تاريخ القراءة وتاريخ الكتابة والكتاب من منظور ملتصق بحضارتنا التي بها نفاخر الدنيا، وهو التصاق ضروري يشبه إلاقة الدواة التي تلتصق بالحبر والمحبرة، وتدور معهما وبهما، حتى ينير سوادها الأفق بعد خروج مادته إليه، وهكذا يفعل العلم، هكذا تفعل القراءة، هكذا تفعل الكتابة.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف -الرياض
السبت 27 من شهرِ صفر عام 1446
31 من شهر أغسطس عام 2024م
