قادة التعليم في مجلس الوزراء
حدثان مهمان ميزا أسبوعنا الذي سينتهي قريبًا، أحدهما المراكز المتقدمة التي حققتها جامعات سعودية في تصنيف عالمي، وعلى رأسها جامعة الملك سعود التي احتلت موقعًا طيبًا قبل تمام المئة الأولى من الجامعات المصنفة، وهذا المركز من أهداف رؤية المملكة. الحدث الثاني هو بداية الدراسة للعام الجديد في جميع مراحل التعليم العام والعالي. قادني هذا الحدثان المبهج أولهما، والمبهج ثانيهما مع لوازمه المنهكة، إلى العودة للنظر في قوائمي الخاصة بتتبع سير أعضاء مجلس الوزراء الموقر؛ لربط الحدثين مع مجلسنا الأهم ربطًا منطقيًا تصدقه البراهين دون حاجة لاختلاق أو تصنع.
ففي تاريخ مجلس الوزراء الموقر، أصبح الأمير فهد أول وزير للمعارف بين عامي (1373-1380=1953-1960م) أول نائب ثانٍ لرئيس المجلس، وملكًا ورئيسًا لمجلس الوزراء فيما بعد. بناء على ذلك صار الملك فهد -رحمه الله- أكثر من ترأس المجلس الموقر بعدة اعتبارات إدارية. ويترأس حاليًا سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مجلس الوزراء، وهو رئيس لمجلس أمناء جامعة الملك عبدالله “كاوست”.
نجد أيضًا في تاريخ المجلس كذلك أن أصغر الوزراء سنًا من غير الأمراء، وأحد أكثر الوزراء في العضوية المجلسية المتصلة هو الشيخ حسن آل الشيخ -رحمه الله- ثالث وزير للمعارف، وأول وزير للتعليم العالي، الذي توالت عضويته في مجلس الوزراء بمنصبيه في التعليم العام والعالي بين عامي (1381-1407=1962-1987م). بل إن “عمادة” الوزراء تنصرف حينما تذكر للوزير د.عبدالعزيز الخويطر، الذي أمضى أربعة عقود متصلة في عضوية المجلس، نصفها وزيرًا رابعًا للمعارف، وثمنها وزيرًا مكلفًا للتعليم العالي مع وزارته للمعارف بالأصالة، علمًا أنه قضى قبلها عقدًا من الزمان وهو المسؤول الأول في جامعة الملك سعود. ومن لطيف ماذكره الوزير الشيخ جميل الحجيلان في حوار صحفي أنه يتمنى التدريس في الجامعة أو إدارتها. هذا الجواب له دلالته الباسقة حينما نستصحب معه المناصب الكبيرة التي تولاها الشيخ الكبير أبو عماد.
أما أعضاء المجلس الذين وصلوا إلى مناصب قيادية في مؤسسات تعليمية عليا، فبلغ عددهم حسب الإحصاء الذي أقوى عليه ما يقارب أربعين عضوًا. قسم منهم شارك مشاركات لا تنكر في تأسيس الكيان التعليمي الذي ربما ترأسه عقب ذلك. بعضهم عمل في أكثر من مؤسسة تعليمية عالية، بيد أن الكثرة الظاهرة تتجه صوب جامعة الملك سعود التي فازت بنصف الأسماء تقريبًا، وتلاها جامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك فهد، بخمسة أسماء لكل واحدة منهما. إن هذه النخبة قد عملت مع غيرها لخدمة التعليم العام والعالي، وتسريع حركته، وإنضاج تجربته.
كما تظهر في القوائم أسماء جامعات حكومية وأخرى أهلية، قديمة وحديثة، مثل اليمامة والفيصل والأمير مقرن، وبعضها جامعات خارج المملكة مثل جامعة الخليج العربي، أو جامعات محلية عالمية مثل جامعة الملك عبدالله. تبرز كذلك في قائمة المؤسسات التعليمية معاهد عالية متخصصة، ومؤسسات تُعنى بالتعليم الفني والمهني، أو مدن خاصة بالبحث في العلوم والتقنية ودعم الباحثين فيهما، أو مؤسسات غايتها السامية رعاية الموهبة والموهوبين من الطلاب والطالبات، إضافة إلى هيئة حديثة لتقويم التدريب والتعليم. إنها حلقة متكاملة من التعليم، والتدريب، والبحث، والاكتشاف، وحفز المواهب والقدرات، وفوق ذلك إسناد هذه العمليات المركزية بالمتابعة والتقويم، ورفدها بالمؤازرة المعنوية والمادية.
إن وجود الأوليات والسوابق تؤكد على الأهمية والمكانة المعطاة للتعليم، وتعضد فكرة هذا المقال. من ضمن الأسماء التي نالت العضوية في مجلس الوزراء، سوف نجد أول مدير أو رئيس لبعض المؤسسات التعليمية العليا، ومنهم أول وكيل لوزارة التعليم العالي بعد تأسيسها عام (1395=1975م)، وهو الوزير الكاتب د.محمود سفر -رحمه الله- الذي اختير وزيرًا للحج. ومنهم من شارك في بناء أول كلية طب في الجزيرة العربية مثل د.حسين الجزائري، أو في تأسيس جامعة طبية خالصة مثل د.عبدالله الربيعة، والأخيران من وزراء الصحة.
من الضرورة أن أشير إلى أن هؤلاء الأعضاء الكرام قد عملوا في لجان التأسيس، أو كانوا على رأس هذه المؤسسات إبان تأسيسها، أو في بدايات نشأتها، وفيهم من أضحى رئيسًا لمجلس أمناء الجامعة، أو مديرًا للكيان التعليمي أو الجامعة، أو وكيلًا، أو عميدًا. لم يتطرق البحث هنا للوزراء الذين مارسوا التدريس في الجامعات فقط؛ إذ سبقت الكتابة عنهم في مقال خاص عن الأكاديميين في المجلس الموقر.
إن حضور قادة التعليم اللافت سواء بالعدد، أو بأسماء واردة في هذه القائمة، وفيهم ملك وولي عهد ورؤساء للمجلس، ووزراء كثر أصحاب تاريخ وأوليات ومزايا، إضافة إلى ما يخصص للتعليم من موازنات وأوقات وجهود، ليؤكد على أن البلاد بحمد الله ثم بحكمة كبارها يمنحون هذا المجال الحيوي الذي لا مناص من وجوده جلّ الاهتمام؛ لأنه مؤثر في الأمن القومي، والتنمية، والاقتصاد، والمستقبل. كيف لايكون ذلك كذلك ورؤية المملكة (2030) تعتمد على التعليم ومخرجاته، والمشروعات كلها -القديمة والحديثة- لن تقوم إلّا على أكتاف ذوي أهلية في التعليم والإدارة، وبصيرة في العلم والعمل، وأصحاب رسوخ في الإيمان والعراقة، مع صدق في الإخلاص وتحمل المسوؤولية، وأمانة تلتصق بالعلم ومدارسه.
هذا التاريخ والواقع من العلاقة بين التعليم ومجلسنا الموقر قمين بعد توفيق الله بأن يصل ببلادنا -المملكة العربية السعودية- إلى مستوى راقٍ منشود من جودة الأداء، وحسن التأثير، مع ضمان المنافع العامة طويلة الأمد، والمآلات الحميدة، خاصة مع التوجه العالي من قمة الهرم الإداري لالتزام الكافة بالحوكمة، والمتابعة، والوضوح، وفوق ذلك مكافحة الفساد بشتى أنواعه، ومن منافذه كلها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 18 من شهرِ صفر عام 1446
22 من شهر أغسطس عام 2024م