شريعة وقانون عرض كتاب

العقد في الفقه الإسلامي

العقد في الفقه الإسلامي

عنوان هذا الكتاب: العقد في الفقه الإسلامي: تعريفه، وأركانه، وآثاره، وشروطه والشروط فيه، وآثار الإخلال بالشروط، وفسخه وأسباب الفسخ. صدرت طبعته الأولى عن دار ابن الجوزي عام (1445=2023م). يقع الكتاب في (350) صفحة، ويتكون من مقدمة ومدخل، فثلاثة مباحث، ثم الفهرس، وأخيرًا قائمة بمؤلفات المؤلف وأبحاثه التي بلغت أربعين عنوانًا، منها كتب عن التحكيم، والوكالة، والسيرة والتاريخ، والفقه، والقانون، وغيرها، وقد سبق لي استعراض بعضها.

أما المؤلف فهو أ.د.زيد بن عبدالكريم الزيد، عميد المعهد العالي للقضاء بالرياض، وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد سابقًا. كذلك فإن المؤلف مستشار شرعي، ومحكم دولي، وخبير بعلمي الفقه والقانون خبرة علم ومعرفة، وخبرة تطبيق ومزاولة، وخبرة بحث وتباحث، وخبرة ترافع وحجاج، وخبرة كتابة وتأليف، وخبرة تعليم ومحاضرة، وخبرة فتيا واستشارة. لذلك يُعد هذا الكتاب زادًا علميًا وتطبيقيًا واضحًا غير متشعب، ينتفع به الفقيه والقانوني، ويستفيد منه التاجر المتعاقد ولابد.

إن تقريب علوم الشريعة السمحة واجب على المستطيع من العلماء والباحثين، القادرين على الكتابة والتأليف؛ كي لا تغدو هذه العلوم الشريفة، وتلك الفنون السامية، غريبة على الأجيال، بعيدة عن الذهن والخاطر، مستغلقة على الفهم والاستيعاب. مثل هذا الواجب يتعاظم كلما ابتعد الناس عن منابع هذا العلم الأسنى، أو حين تنقص الأنصبة الشرعية من المناهج الدراسية؛ فالمسلم مرتبط بدينه ولا مناص، ولا مفر من تقريب العلوم للكافة له، وجعلها في متناول ذي الذهن الجاد، مع الحرص على كونها في متناول اليد، وحينها يستطيع المربي والمعلم شرحها لآله وطلابه، ويقوى القارئ على فهم أكثرها دون إغفال أهميد دراسة المتون، والجلوس إلى المشايخ ومعلمي الناس الخير.

صدّر المؤلف كتابه بمقدمة نفيسة، ذكر فيها أن غاية هذا التأليف الأولى هي بيان كمال الشريعة وعظمتها، ثمّ أشار إلى أن رعاية المقاصد الخمس الرئيسة لحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال تبرز واضحة في مجال العقود أكثر من غيرها، فهو المجال الذي يستهدف المصلحة، ووسيلته إلى ذلك العدل، والمصلحة والعدل غاية أولى، ووسيلة أصلية، في المقاصد الخمس المذكورة آنفًا.

شرع عقب ذلك الشيخ البروفيسور الزيد في توضيح ما أجمله في الفقرة السابقة، وأشار إلى عناية الشريعة بفكرة التوازن بين طرفي العقد منعًا للغش وبخس الحقوق وحصول التنافر، ومن هذا الباب دخلت النيابة في العقود بالولاية أو الوكالة أو الوصاية. ولم يغب عن براعة المؤلف وحسن تدبره ربط هذه الخصائص بالتكافل الاجتماعي حماية لحقوق الضعفة ومصالحهم، وهي سمة لديننا، ومبدأ في مجتمعنا.

كما جزم المؤلف أن أي باحث يريد أن يقدم دليلًا على رعاية الإسلام الفريدة لحقوق الإنسان فسوف يجدها في العقود بشروطها وضوابطها، وقواعد الإعذار، وضمانات التنفيذ، وهذه اللفتة تقنع المنصف وربما يستفاد منها في الدعوة إلى الله، فالنفوس المعتدلة ترنو للمصلحة، وتهفو للعدل، ولايأباهما إلّا منكوس مضطرب. كذلك نبه أ.د.الزيد إلى أن النصوص الخاصة بالمعاملات الواردة في الوحيين الشريفين لاتقل من ناحية العدد عن نصوص العبادات، بل إن أطول آية قرآنية وردت عن الدين وهو معاملة مالية عقدية أحيانًا. ويقف فقه العقود سدًا منيعًا دون وقوع المتعاملين بالبيع والشراء في المحرمات، وهو فقه واجب تعلمه على المكلف قبل أن يبيع ويشتري، والوجوب آكد على التجار؛ فالجهل بأحكام العقود يجر أطرافها جرًا إلى أبواب المحاكم.

ولأن مؤلفنا يجلّ علماء الإسلام السالفين، وينزلهم المكانة اللائقة بهم، وضح أن دراسة العقد لم تغب عن مصنفات الفقهاء السابقين، بل كانت حاضرة عندهم في أبواب البيع والإجارة والشراكة والرهن والقرض وغيرها، واندرجت لديهم تحت أصول عامة اشتمل عليها كتاب البيع الغزيرة مادته الفقهية، وبه تلتحق سائر العقود المالية. إن هذا البيان والتحرز لمما يؤكد عراقة أمتنا التي تحفظ لأوائلها الفضل، ولا يتسلّق منها لاحق كريم على انتقاد سابق عظيم.

كذلك حرص الشيخ المؤلف على إضافة تطبيقات معاصرة، واختيار الرأي الأقرب للدليل، والمتوافق مع مقاصد الشريعة الرافعة للحرج عن الناس، ولم يخف ميله لآراء الحنابلة لا تعصبًا، وإنما باجتهاده الذي رأى فيه المذهب الحنبلي هو الأنفع والأكثر مرونة وتوافقًا مع المستجدات، وكي لا يسارع عجل أو نزق للاتهام بالتعصب للمذهب السائد في بلاد المؤلف، نقل رأي شيخين فقيهين كبيرين بصيرين بالفقه والمذاهب والقانون، هما الشيخ مصطفى الزرقا من سورية، والشيخ محمد أبو زهرة من مصر، رحمهما الله. وعقب ذلك لفت المؤلف النظر إلى أهمية التأليف في موضوعات عقدية مثل: صياغة العقد، وتفسير العقد، وتكييف العقد، وتنفيذ العقد، وعسى أن يبعث الله لها من الفقهاء والدارسين من يفعل بتوفيق وإحكام.

أما مباحث الكتاب الثلاثة فأولها عن حقيقة العقد، وفيه مسائل من أهمها أركان العقود وشروط كل ركن وآثاره، وهذا المبحث هو الأطول في الكتاب. المبحث الثاني درس الشروط في العقد، وتحته عدة مسائل عن الشروط والجزائي أو الباطل منها وآثارها. وختم الأستاذ الشيخ المباحث بثالثها عن زوال العقد بالفسخ والانفساخ. وفي كل مبحث توخى المؤلف السير على نهج الكرام الأوائل، والاقتباس منهم، ذلك أنه “لم يزل العلماء يستمد بعضهم من بعض”  كما قال المعلمي -رحمه الله-، ولم يخل الكتاب من إضافات واجتهادات فتح الله بها على المؤلف أ.د.الزيد كي يزداد إرث المسلمين وإسهامهم في هذا الحقل العلمي والعملي الذي لا يستغنى عنه كل لحظة.

أسأل الله أن يبارك في الجهود العلمية والعملية لتوضيح علوم الشريعة، وتيسير فهمها، وبيان مواطن الكمال والجمال والجلال فيها، ذلك أن هذا العمل الرشيد، والصنيع الحميد، تزدحم فيه الفضائل العلمية والتأسيسية، إضافة إلى تثبيت عباد الله على دينهم، ورفع اعتزازهم به، فديننا أصوله سماوية عليا راسخة لا تقبل ركائزه التبديل والتحريف، وهي قابلة للإجابة عن أيّ سؤال جديد مهما كانت المتغيرات والنوازل، إذا وجد من أهل العلم والقدرة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومضوا راشدين غير ملتفتين لأي شأن أرضي، أو لأي قوة بشرية.

 أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 08 من شهرِ صفر عام 1446

12 من شهر أغسطس عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)