أحمد بن حمد اليحيى وحكايات راقية
بين يدي كتاب يحوي مئة وخمسًا وسبعين حكاية شخصية عاشها صاحبها عبر سنوات عمره، أو تقاطع معها باعتبارها من وقائع حياة أبويه؛ فهما أصوله وهو لهما فرع. وتمتاز هذه الحكايات بالتنوع، فمنها الجاد وفيها الطريف، ومنها المحزن والسعيد، وبعضها وقع في القديم أو الحاضر، وقسم منها جرى داخل المملكة أو خارجها، وحدثت تفاصيلها في الأرض والبحر والجو، وهي خاصة وعامة، وشملت أحوال الدنيا وصروفها بما فيها من حاجة وكفاف واستغناء، ورهق وعناء، وإنجاز ومحاولة، ولن يعدم القارئ منها الفوائد إن من الحكاية ذاتها، أو مما يحيط بها من معلومات تاريخية واجتماعية وأدبية يوردها المؤلف الذي كتب على غلاف كتابه الأمامي ما يفيد أن المعلومة قوة ميدانها الإدارة، والحكاية معلومة سيدها القلم.
عنوان هذا الكتاب: حكايات حول مواقف ومشاهد في حياتي، تأليف السفير أحمد بن حمد اليحيى، صدرت طبعته الأولى في الرياض عام (1443=2021م)، وعدد صفحاته (488) صفحة، ويتكون من مقدمة ثم الحكايات حسب التسلسل الزمني، ولكل حكاية عنوان معبر وبعضها لافت، ثمّ الختام والفهرس وتعريف مختصر بالمؤلف الذي ولد بالمجمعة عام (1361=1940م)، ونال شهادة الماجستير من أمريكا في العلاقات العمالية، وتدرج في عدة وظائف إدارية، وشورية، ودبلوماسية، وخدم في مؤسسات المجتمع المدني، وله عضويات محلية وإقليمية ودولية، ومشاركات كتابية وثقافية، مع عدة كتب أحدها عن أحوال جزيرة العرب قبل النفط، إضافة إلى جائزة فريدة غير مسبوقة خصصها الشيخ اليحيى للتفوق العلمي والمهني.
يمتاز هذا الكتاب بمزايا عدة، على رأسها انتفاء التكلف في السبك، أو الادعاء في السرد، أو التعسف في التفسير، وهذه المزايا من الصدق والوضوح واليسر التي وجدت في كتاب اليحيى تجعل القارئ في سلامة من النفرة حين القراءة؛ ذلك أن تشبع الكاتب بما لم يعط، وانتفاخه مثل الورم، وكثرة انتقاده لغيره، وتوالي تزكيته لنفسه، وتلبسه بالحكمة والصواب الدائم، تضر الكاتب قبل غيره، وتصرف عنه القبول وحسن التلقي، ولا خسارة لكاتب أعظم من جفول القراء عنه، والحمدلله أن المستمتع بهذه الحكايات لا يجفل، ولا ينقطع.
كما أن الكتاب يحفظ لنا معالم من التاريخ الاجتماعي، والاقتصادي، والإداري، والأسري، وأحوال العمل الحكومي إبان نشأته، إضافة إلى طرائق السفر، والمناسبات الاجتماعية، ونظم الدراسة والعمل، ثمّ يأخذنا في رحلة التطور التي عبرت بهذه الشؤون كافة، وتلك يد من أبي إسلام على تاريخنا الثقافي والمجتمعي بمجمله، وما أحوج الأجيال لمعرفة كيف كان الحال، ثمّ كيف صار المآل، رجاء أن يديم الله آلاءه ونعماءه، ويزيدنا تمسكًا بمعاقد ما يرضيه عنا بالحمد والشكر، وبالطاعة العلنية والبعد عن المجاهرة بالسوء، وبالالتفاف حول ولاة الأمر، والأنظمة المرعية.
وفي هذه الحكايات ملامح لا تخفى من الجدية والكفاح إن في الدراسة، أو العمل، وفي داخل البلاد وخارجها، وفيها أسرار التحمل الباكر للمسؤولية، والتوفيق في التدبر والتأتي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ومع الجدية الظاهرة في الكتاب لا تغيب البسمة من مواقفه وقصصه على طرافتها وحراجتها، وهي أحداث مستلطفة بعامة، وربما أن بعضها كان في حينه مرعبًا أو يحبس الأنفاس؛ فمن الذي لا يخشى مجاورة الذئب في النوم، ومن لا تضطرب نبضات قلبه حينما تتحرك سيارته بلا قائد وفيها أطفال صغار بعضهم يهوى العبث ويتجرأ عليه؟!
كذلك نتوقف عبر هذا الكتاب بإجلال عند روايات المؤلف لطرف من سيرة والده ووالدته رحمهما الله، وعن شيء من أخبار أسرته ومجتمعه، وعن مناهج حكيمة وحميدة في التربية والتقويم والإعداد، وهي مرويات تؤكد لنا عراقة هذا المجتمع الذي أكرمنا الله بالانتساب إليه، وهو مجتمع المملكة العربية السعودية، وترسخ في الأذهان عراقة الأسر التي تعيش تحت سمائه وفوق أرضه، وتشير لعراقة الأسرة الملكية التي اختصها الله بالحكم والإدارة، والله يجعلنا ندور مع العراقة والأصالة حيث دارتا؛ ففيهما المأمن من الخلل والزلل، وفيهما سلم الوصول لكل مأمول.
كذلك من حسنات كتاب الأستاذ السفير أحمد الحمد اليحيى أنه يفتح الباب لنوع من التأليف السيري لا يستلزم حكاية الحياة كلها، ولا الإخبار عن الذات بكل دقائقها وخفاياها، بل يقتصر على المفيد الذي يمكن أن يروى، ويكتب له البقاء، ومن تبعات هذه الحسنة أن نص الكتاب ومحتواه قابل للتجزئة إبان القراءة، بل ربما يستطيع الموفق من الآباء والأمهات ذوي الأبعاد التربوية العميقة انتقاء بعض حكاياته كي يعرضها على العائلة في جلستها اليومية أحد أولادها من الأبناء أو البنات، وفي هذا المسلك محامد تربوية لا تخفى في التعويد على القراءة، والفهم، والنفع.
إن هذا الكاتب درس عملي محبوك بأسلوب أدبي، يفيد الناشئ والشاب، ويعين رب الأسرة وصاحب العمل، وينتفع به الدارس والممارس، والموظف الصغير والكبير، وعضو المجالس النيابية والهيئات الدبلوماسية، والمشارك في المؤتمرات الدولية والمنظمات المجتمعية، ومن المجزوم به أن الناظر فيه سيوقن أن صنائع المعروف تعود بخير وحفظ على أهلها، وأن العرف لا يضيع عند الله وعند خيار الناس، وأن حسن التعامل، وجمال الحديث، وعظمة التصرف، تجعل من المرء أحدوثة حسنة سواء حكى هو عن نفسه، أو غدا مثالًا بالخير سائرًا وسيارًا، أو قدوة طيبة للمنجزين، وإمامًا للمتقين ومنارًا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 12 من شهرِ ذي القعدة عام 1445
20 من شهر مايو عام 2024م
2 Comments
سعادة الاستاذ / احمدبن حمد اليحيى من خيرة من عملوا بوزارة العمل والشؤون الاجتماعيه وكلا للعمل وللشؤون الاجتماعيه بالنيابه وكان لى شرف العمل معه فكان خير الرايس والموجه لى ولكل من عمل تحت ادارته متعه الله بالصحه والعافيه وما اشتمل على كتابه ماهو الا شذرات قيمه من أفق واسع للخبره استفاد منه كل من عمل معه حفظه الله وامد بعمره وجزاه الله خير الجزاء على ماقدم من اعمال.
ضيف الله سليم البلوى
المشرف العام على المؤسسات والجمعيات الاهليه (سابق)
شكرا لكم أخي ضيف الله على التعليق بهذه الشهادة المستحقة.