مواسم ومجتمع

جوائزٌ للإنصافِ الغربي

Print Friendly, PDF & Email

جوائزٌ للإنصافِ الغربي

تحرصُ كثيرٌ منْ المؤسساتِ الثقافيةِ والعلميةِ في أمريكا وأوروبا، على تبنّي جوائزَ سنويةٍ لتكريمِ المبدعينَ في الجوانبِ العلميةِ والأدبيةِ والفكرية، ومعْ قلَّةِ أعدادِ المسلمينَ الفائزينَ بالجوائزِ العلميةِ والتقنيةِ وندرةِ ابتهاجِ المجتمعِ بها يضمحلُّ أثرُها؛ وبالمقابلِ فما أكثرَ الاحتفاءَ بالمنحرفينَ فكرياً منْ أبناءِ العالمِ الإسلامي في المحافلِ الدَّوليةِ، والتتبعُ خيرُ شاهد.

فالكاتبُ الهنديُ سلمان رشدي حصلَ على أكثرِ منْ إحدى عشرةَ جائزةً عالميةً إضافةً إلى عددٍ منْ الأوسمةِ؛ وتُرجمتْ كتبُه إلى أربعينَ لغةً، وحظيَ بمقابلةٍ خاصَّةٍ معْ الرَّئيسِ الأمريكي، ونالتْ الطبيبةُ البنغاليةُ تسليمه نسرين تكريماً منْ اليونسكو، واهتماماً فرنسياً حيثُ مُنحتْ شقةً كبيرةً شرقَ باريسَ، وخُلع عليها لقبُ مواطنةِ شرف! كما فازتْ بجائزةِ نادي القلمِ السويدي ثاني أهم جائزةٍ سويدية بعدَ نوبل.

واختارتْ مجلَّةُ تايمْ الأمريكيةِ النائبةَ الهولنديةَ منْ أصولٍ صوماليةٍ إيَّانْ هيرسي علي منْ أكثرِ مئةِ شخصيةٍ نفوذاً في العالمِ؛ وقدْ منحتها فرنسا جائزةَ سيمون دوبوفوار، وهذهِ النَّماذجُ الثلاثةُ تعبِّرُ عنْ أكثرِ مَنْ تختارُهم دوائرُ الثقافةِ الغربيةِ منْ أبناءِ جلدتِنا للفوزِ بجوائزِها، ومَنْ أرادَ البحثَ عنْ تاريخِ هذهِ الأسماءِ ومثيلاتِها فسيجدْه سجِّلاً مريباً لا يرضاه شريفٌ أبيٌ لنفسهِ ولوْ كانَ بلا دين، ونظرةٌ فاحصةٌ للكتبِ والرِّواياتِ التي فازوا لأجلِها تصفُ الحقيقة.

وقدْ أثارَ الكاتبُ الألمانيُ المسلمُ منْ أصلٍ إيراني نافيد كرماني أزمةً بينَ كنائسِ ألمانيا ومسلميها، على خلفيةِ التراجعِ عنْ منحهِ جائزةَ الثقافةِ في ولايةِ “هيسن” بسببِ مقالٍ ذكرَ فيه الصَّليبَ بصورةٍ سلبية، ووصفَ المجلسُ الأعلى للمسلمينَ في ألمانيا ردَّ فعلِ الكنائسِ على منحِ الجائزةِ بأنَّه “غيرُ ناضجٍ بلْ طفولي”.  يحدثُ هذا بينما تمنحُ نوبل جائزتَها في الأدب للرِّوائي التركي أورهان باموك الذي أدانَ بلاده المسلمةِ بارتكابِ إبادةٍ جماعيةٍ ضدَّ الأرمنِ النَّصارى، كما منحتْ جائزتَها للرِّوائي المصري نجيب محفوظ على روايةٍ مستهجنةٍ تنالُ منْ الذَّاتِ الإلهيةِ، ولمْ ترفعْ نوبل رأساً بمعارضةِ العالمِ الإسلامي!

وبالمقابلِ أينَ نحنُ منْ نعوم تشومسكي الذي يقفُ بصرامةٍ ضدَّ الاعتداءاتِ الأمريكيةِ واليهوديةِ على العالمِ الإسلامي؟ وماذا فعلنا للصَّحفيةِ الأمريكيةِ ألسون وير مؤسسةِ جمعيةِ “لو عرف الأمريكيون” (http://www.ifamericansknew.org), وهيَ جمعيةٌ غيرُ حكوميةٍ تُعنى بالنِّزاعِ العربي-الإسرائيلي، وبالسياسةِ الخارجيةِ لأمريكا في الشرقِ الإسلامي؛ وفيها إنصافٌ كبيرٌ لقضايانا؟

وهلْ أبرزنا الكاتبةَ الإيطاليةَ الكبيرةَ ريتا دي ميليو حينَ نشرتْ كتابَها: “الإسلام.. ذلك المجهول في الغرب”؟  أوَ شكرنا الرَّاهبةَ والمستشرقةَ والكاتبةَ الإنجليزيةَ كارين آرمسترونج التي دافعتْ عنْ النَّبي محمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- في كتابِها: “محمد نبي هذا العصر”؟ وأيُّ شيءٍ فعلناه لبول فندلي الذي دعاه مهرجانُ الجنادريةِ- مشكوراً- فتكلَّم بحرقةٍ عنْ نظرةِ الغربِ للإسلامِ وضرورةِ تشبُّثِ المسلمينَ بمعتقدِهم حتى قالَ محدِّثي منْ الحضورِ ما معناه: ظننتُه –واللهِ- سيقومُ ليصليَ العشاءَ معنا! لقدْ كانَ حديثهُ كما لوْ أنَّه مفكرٌ مسلمٌ كبير؟ وكيفَ شجعنَا الكاتبةَ الأمريكيةَ التي صرختْ في وجهِ الحركةِ النَّسويةِ: أينَ أنتنَّ عنْ نساءِ فلسطين؟

وبما أنَّ العالمَ الغربيَ معنيٌ بعالمِنا؛ حيثُ صدرَ في العامِ الفائتِ خمسةُ الآفِ كتابٍ عنْ العالمِ الإسلامي والعربي، غيرَ المقالاتِ والنَّدواتِ والأبحاثِ العلمية، ونظراً لتأثرِّنا بنظرةِ هذا العالمِ الغالبِ إلينا، فلا محيدَ عنْ محاولةِ كسبِ منصفيهِ وعقلاءِ مفكريه وكتَّابِه، وهو أمرٌ تكادُ تخلو منه جوائزُ المسلمينَ التي تلتفتُ للبارعينَ في العلومِ التطبيقيةِ، وتنسى المنصفينَ منْ المفكرينَ والكتَّابِ مع عظمِ أثرهم على القرارِ في بلدانِهم، ومنْ المقترحاتِ الممكنةِ لردمِ هذه الفجوة:

  • تخصيصُ جائزةٍ سنويةٍ مستقلةٍ بعدَّةِ فروعٍ لمَنْ ينصفُ الإسلامَ ديناً ومقدَّساتٍ وقضايا ورجالات؛ وتمنحُ لكتَّابٍ أوْ باحثينَ غربيين، وما أحرانا بإكرامِ عقلاءِ الغربِ بمثلِ تفاعلِهم معْ سفهائِنا.
  • إضافةُ فرعٍ إلى الجوائزِ الإسلاميةِ القائمةِ لمَنْ ينصفُنا منْ مفكري الغرب؛ كجائزةِ الملكِ فيصل، والشيخِ زايد، والعويسِ والبابطين، وجائزةِ الدَّولةِ في مصر وغيرِها؛ ولو اقتضى ذلكَ تعديلَ لوائِحها.
  • استضافةُ المنصفينَ منْ الغربِ في المهرجاناتِ الثقافيةِ ومعارضِ الكتابِ والجامعاتِ والنَّوادي الأدبية؛ وكمْ هو جميلٌ أنْ تكونَ الاستضافةُ ذاتَ طابعين: رسميٍ وشعبي.
  • ترجمةُ كتبِ ومقالاتِ ومواقعِ هؤلاءِ الكتَّابِ إلى اللغةِ العربيةِ وغيرِها منْ لغاتِ المسلمين.
  • إهداءُ نتاجِهم الفكري إلى مراكزِ البحثِ الغربيةِ ولبعضِ “كتَّابِنا” عسى أنْ يخجلوا!
  • الافادةُ منْ هؤلاءِ المنصفينَ في مراكزِ الدِّراساتِ والبحوث.
  • إشراكُ الكتَّابِ والمفكرينَ العقلاءِ في حلقِ النِّقاشِ الخاصَّةِ باستشرافِ مستقبلِ أمتنِا أوْ التخطيطِ للعملِ المثمرِ في الغرب.
  • طلبُ رأي المنصفينَ في القضايا الإسلاميةِ التي يثيرُها الإعلامُ الغربي.
  • تخصيصُ أوراقِ عملٍ لهم في المؤتمراتِ والحواراتِ التي ترعاها بلادُ المسلمينَ في الغربِ أوْ معه.
  • عقدُ لقاءاتٍ معهم ضمنَ جدولِ أعمالِ الوفودِ الإسلاميةِ الزَّائرةِ على مستوى الرؤساء فما دون.
  • تيسيرُ زيارةِ الباحثينَ المعتدلينَ للبلادِ الإسلاميةِ لتوثيقِ العلاقةِ معهم.
  • تمويلُ المراكزِ ووسائلِ الإعلامِ التي يمتلُكُها أيُّ منصفٍ لأمتنا.
  • إشهارُ جوائزِنا الخاصَّةِ بمفكري وكتَّابِ الغربِ إعلامياً حتى تكونَ حافزاً للبحثِ المنصف.
  • التغاضي عنْ بعضِ المواقفِ لهؤلاءِ المنصفين، فالكمالُ منتفٍ معْ المسلمِ فكيفَ بغيره؛ وهذهِ المسألةُ تحتاجُ ضبطاً شرعياً لهُ أهلهُ الذينَ يقدِّرونَ المصلحةَ الشرعية.

فما أحوجَنا إلى تشييدِ الجسورِ معْ مَنْ يدافعُ عنَّا منْ الأمريكيين والأوربيين؛ عسى أنْ يكونَ ذلكَ خطوةً باتجاهِ إسكاتِ مَنْ يتجرأُ على ديننِا وأمتنِا منْ مفكرينَ وساسة، كما فعلتْ يهودُ معْ الزَّعيمِ النِّمساوي يورج هايدر لمّا جنَّدتْ العالمَ الغربيَ ضدَّه وحاصرتْ النِّمسا في زاويةٍ ضيقةٍ حتى اضطرتُه للاستقالةِ أولاً ومفارقةِ الحياةِ بغموضٍ ثانيا.

أحمد بن عبدالمحسن العسّاف-الرياض

الأربعاء 07 من شهرِ شعبانَ عامَ 1430

ahmadalassaf@gmail.com 

 

Please follow and like us:

3 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)