دماءٌ طاهرةٌ وأيدٍ نجسة
للتاريخ شهادةٌ معتبرةٌ أو مستصحبة؛ وعبرُ التاريخِ توسعُ آفاقَ التفكير، وتقودُ لاستشراف المستقبل مِن أحدِ سُبله الرئيسة. وقد بُليتْ أمةُ الإسلام بأزمنةٍ عجافٍ ظهرَ التشيعُ فيها بغلو، وسادت الباطنية على عددٍ من البقاع، واستطارَ شرهم واستطالَ كيدهم؛ حتى ضجَ منه عوامُ الناس بَلْهِ خاصتهم. وكان لهذا الظهور والاستعلاء الباطني سماتٌ لاتخطئها عينُ قارئِ التاريخ والناظر فيه ببصيرته قبل بصره.
فمن هذه السمات – على سبيل المثال-: مهادنةُ النصارى واليهود هدنةً أبدية أو تكاد أن تكون، باستثناء ما تقتضيه أحوالٌ خاصة لا يُبنى عليها. ومن سماتِ حكمهم تخريبُ المساجد، وحجز الناس عن العبادة، كما حدث منهم إبَّان قطعهم طرق الحجاج وقتلهم، والاعتداءات الآثمة على المسجد الحرام- زاده الله منعة وعزة-. ومن سماتهم القبيحة ظهورُ السكين، وانتشارُ القتل الجماعي أو الفردي، وفي أيامهم القبيحة نجمت البدعة وعلت، وخفت ضوء السنة واختفت معالمها، وساد الملاحدة والزنادقة وعلا أمرهم، وغير ذلك مما لايجرؤ على مقارفته مسلم ألبته، ولا تُصدَّق معه دعوى الإسلام.
وأقصرُ الحديثَ هنا على سمةٍ واحدة من سماتهم البغيضة، وهي اغتيالُ أكابرِ المجتمع الإسلامي من علماءَ وملوكٍ، وسلاطينَ وأمراءَ، وقضاةٍ ووزراءَ وقادة، معرضاً عن جرائمهم ضد عامة الناس – وما أكثرها –؛ لأنها أكثرُ شهرةً ومثيلاتها الحاضرة لا تخفى على الناس، ويكفي أنهم صدوا الناس عن المسجد الحرام وأداء فريضة الحج؛ ولذا لم يحج الإمام ابن حزم وخلقٌ كثيرٌ معه في ذاك الزمان، واستقبلوا حجاج العام الماضي من العراقيين بالرصاص والسكاكين والحصار، بدلاً من الدعاء بالقبول. ومما يلاحظ أن عمليات الاغتيال قاسم مشترك بين الباطنية واليهود، ولهم فيها براعة ومكر وتدبير وتاريخ، ومن يدري فربما لو بحث باحث عن بعض تلك الجرائم، ودرسها وفحصها، لتبين له ولوغ اليد الباطنية واليهودية فيها معًا!
وبلغ من عِظَمِ خطرهم أنْ لبسَ الخلفاءُ الدروعَ تحصناً كما في ترجمة المستظهر بالله؛ وقد قتلوا من الوزراء مَنْ اعتنى بالعلم وطلابه، وبالمدارس والكتب، كما فعلوا مع الوزير نظام الملك الذي قال عنه ابن عقيل: ” كانت أيامه دولةَ أهل العلم” وقد قتلوه غدراً وهو صائم في رمضان؛ كما اغتالوا الوزير عضد الدين في أثناء خروجه للحج، وكان محباً للعلم والعلماء.
وممن قضى على أيديهم الخليفة المسترشد، حيث قتلوه وقتلوا بعد ثلاث سنوات ابنه الخليفة الراشد، وكانوا حينها يعملون في خدمته! وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي أكثر من مرة، ولم ينحصر شرهم على هؤلاء فقط؛ بيد أن الغاية التمثيل فقط، وقد سرد بعضاً من جرائمهم الأستاذ محمد الناصر في كتابه ” الجهاد والتجديد عند نور الدين وصلاح الدين “ وكذلك الشيخ محمد العبدة في كتابه ” أيعيد التاريخ نفسه؟ “.
ولقائل أن يقول : إن هذه الحوادث التاريخية قديمة، وقد تغير الأمر الآن خاصة مع كثرة دعاة التسامح والتقارب واللين؛ ونظرةٌ عجلى على القرون المتأخرة تبينُ أن شيئاً لم يتغير؛ فالعداءُ متوارثٌ متأججٌ في نفوسهم؛ ومن الحوادث المتأخرة قتل ثاني أمراء الدولة السعودية الأولى، الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وهو ساجدٌ في صلاة العصر إماماً بالناس؛ واغتيال الشيخ إحسان إلهي ظهير، إضافة إلى عدد من علماء أهل السنة في إيران، كالدكتور علي مظفريان، والشيخ قدرة الله الخراساني؛ بينما يأمن ملالي الباطنية في جل البلدان السنية.
ولهذه الاغتيالات خصائص تميزها عن غيرها هي:
- أن هذه الجرائم كانت بأمرٍ من كبار الباطنية إنْ ساسةً أو ملالي؛ فالدولُ ترعى وتمول، والعمائمُ تبارك وتساند.
- أن هذه الاغتيالات كانت تقع في أثناء عبادة، أو في الطريق إليها، أو في زمان فاضل، أو مكان مبارك، لتؤكد على أن المعركة دينية بحتة.
- لم يستنكر أي باطني معتبر -عند قومه- هذه الخزايا ولم يتبرأ منها أحد منهم؛ وأكثر ما يكون منهم تلفيقاتٌ لايُفهم منها براءةٌ أو استنكار.
- كثير من القتلة الخونة أظهر الخير والصلاح حتى تمكن من فريسته الطاهرة.
- بعض عمليات الاغتيال كانت بالاشتراك “والتنسيق” مع جهات أخرى خارجية أو داخلية!
- أنهم استهدفوا كلَّ مَنْ وقفَ في طريق نشر زورهم أو فَضَحَ بهتانهم؛ وخصوا بالاستهداف السُعاةَ لنشر العلم، والقائمين بأمر جهاد الصليبين.
وحتى نتوقى شر هؤلاء المجرمين فلا بد من تدابيرَ مهمةٍ خاصة أو عامة مثل:
- الدعاء بحفظ أكابر أهل الإسلام وأولي الشأن منهم.
- حماية المستهدفين بالطرق الأمنية المحكمة.
- مراقبة كلِّ باطنيٍ مشكوك في أمره سواءً كان من الظاعنين أو المقيمين.
- تغليظ عقوبة مَنْ يحاول القيام بهذه الأعمال الماكرة أو يساعد عليها أو يكتمها حتى نشرِّد به مَنْ خلفه.
- دعم ومؤازرة وتنشيط الدعوة إلى الإسلام والسنة داخل المجتمعات الباطنية.
- محاربة الدعوة للتشيع المغالى فيه التي تشتكي منها عدة أقطار إسلامية في المغرب والمشرق الإسلاميين.
- تفريقهم من داخل صفوفهم، وتحزيبهم حتى لا تجتمع لهم كلمةٌ أو قوة؛ ولو أن الدوائر اللبنانية فعلت ذلك مع شيعتها لما قامت لحزب الله قائمة؛ وفي كل بلدٍ مبتلىً بهم “حزب الله ” فلنتفطن.
- عدم تركيز فضحهم وبيان خطرهم في جهة واحدة حتى لا يُسهل عليهم استهدافها؛ والواجب أن تشارك كلُّ وسائل الثقافة والإعلام والتوجيه في التحذير منهم.
- الحذر من الروابط الخفية بين الباطنية والملاحدة وأهل الكتاب.
- وهو مهم للغاية: منع الرد على تهور الباطنية من قبل أي فرد أو مجموعة؛ إذ العقوبة منوطةٌ- فقط- بالحكومة المسلمة، التي يجب عليها حفظ رجالاتها، وعقوبة من يسيء إليهم أو يعبث بالأمن ومصالح الناس.
ولا ينبغي أن تلقي هذه الأحداث الرعب أو التشاؤم في نفوسنا؛ فمن مضى من خيارنا في سبيل الله بعد أن بلَّغ ونصح، فحقه على الأمةِ الدعاء بالرحمة وعلو المنزلة؛ ومَنْ أبقاه الله فله علينا حقُ المؤازرة والدعاء، مع ضرورة إفشاء التفاؤل وحسن الظن بالله، فما تكالب الخطوبِ إلا تمحيصُ ما قبلَ الفرج الكبير والفجر الصادق، والأمر كله لله الحكيم الخبير القادر- سبحانه-.
أحمد بن عبد المحسن العساف-الرياض
الخميس 06 من شهر الله المحرم 1428