فروق في القانون بين التكييف والطبيعة
قرأت هذا البحث المختصر بعد أن سمعت عنه في محاضرة للدكتور فهد السيسي ألقاها في جامعة الأمير سلطان، وعنوان البحث: أهمية الفرق بين التكييف القانوني والطبيعة القانونية في تحديد نطاق تطبيق القانون المختص، كتبه: د.محمد سليمان الأحمد، ونشر في مجلة الرافدين للحقوق الصادرة عن كلية الحقوق بجامعة السليمانية في العراق، السنة التاسعة، عدد (20)، سنة (2004)، ويقع في (31) صفحة من المجلة بين صفحتي (87-117).
وقد رجع الكاتب إلى ستة وثلاثين مرجعًا منها بعض كتبه وأبحاثه، وجعل دراسته المختصرة هذه في أربع فقرات، وهذه أبرز فوائدها:
- يعطي بعض الباحثين معنى التكييف القانوني للطبيعة القانونية والعكس مع وجود فارق بينهما.
- يظهر الفارق بين هذين النمطين حينما نحدد نطاق القانون المراد تطبيقه على الواقعة؛ لارتباطه بالتكييف والطبيعة.
- كل علاقة قانونية ينشأ عنها نزاع معين، تحتاج إلى قانون محتص بالتطبيق عليها، وهو القانون الموضوعي الذي يحتوي على الحكم الخاص بفرضية الواقعة.
- يختلف القانون المختص بالتطبيق عن القانون الواجب التطبيق في القانون الدولي الخاص لحسم النزاع بين قانون الدول المعتمد في الحكم على علاقة مشوبة بعنصر أجنبي.
- قواعد الإسناد تحسم الخلاف في القانون الواجب تطبيقه على العلاقة المشوبة بعنصر أجنبي، وقواعد الإسناد هي قواعد قانونية ترشد القاضي إلى القانون الواجب تطبيقه على المراكز القانونية ذات العنصر الأجنبي، وهذا هو القانون بمعناه العام ( العراقي والفرنسي… الخ).
- القانون المختص بالتطبيق هو القانون الذي يحتوي على قاعدة قانونية فيها فرضية الواقعة والحكم الموضوع لها، وهذا هو القانون بمعناه الخاص ( المدني والجنائي والتجاري…الخ).
- القاضي دومًا هو المعني بإثبات القانون أيًا كان.
- قد تتعدد فقرات الواقعة فيختص كل قانون بالتطبيق على فقرة من فقرات هذه الواقعة، وعليه قد لا تنحصر الواقعة بقانون واحد فقط.
- التكييف في القانون يقابله تشخيص المريض في الطب.
- التكييف القانوني عمل قضائي أولًا، ثمّ عمل فقهي ثانيًا، ويضيف البعض تكييفًا تشريعيًا وهو محل نظر.
- التكييف فعل من خارج الواقعة، به تتفاعل الواقعة لتدخل في حيز القانون.
- يقتصر دور التكييف القانوني على إعطاء الوصف السليم للواقعة.
- يتصف التكييف القانوني بأنه عمل قانوني يدرج به القاضي أو الفقيه الواقعة في قالبها القانوني الصحيح الذي وضعه المشرع.
- تتحول الواقعة عن طريق التكييف من مجرد مسألة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية إلى مسألة قانونية مؤهلة لتطبيق القانون عليها.
- التكييف عملية ممهدة لتطبيق القانون وهي أول خطوات التطبيق.
- التكييف عملية حتمية ولا بدّ منها سواء أكان في المسألة لبس أم لا.
- لا تكييف لواقعة غير معروفة بطبيعتها القانونية.
- تحديد نوع المسؤولية، ونوع العقد، وسبب الالتزام، ليس تكييفًا.
- ينعقد التكييف على مرحلتين، الأولى: إلحاق الواقعة بوصف قانوني يجعلها تخضع لنمط قانوني معين، وهو “التكييف التوصيفي”، والثانية توظيف الواقعة لصهرها في فرضية القاعدة القانونية، تمهيدًا لتطبيق حكم القاعدة عليها، وهو “التكييف التوظيفي”، ففي الأول نلحِق الواقعة بنظامها القانوني، ونلحقها بواسطة الثاني بحكمها الخاص بها.
- عندما يعرّف القانون فهو يعرف بناء على موضوعاته المدرجة تحته، وعليه فالقانون هو الذي يحدد طبيعة الوقائع من وجهة النظر القانونية.
- إذا حدد القانون الطبيعة القانونية للأشياء فإنه يحاكي الواقعة ذاتها في نظره وليس بناء على الواقع أو حسبما يراه الآخرون؛ فالقانون هو الذي ينشئ الطبيعة القانونية للوقائع.
- يُكشف عن الطبيعة القانونية من خلال “الإسناد القانوني”، وهي عملية نسبة الواقعة إلى قانون يطبق عليها، وهذا الإسناد الكاشف للطبيعة القانونية يستخدم في الوقائع التي يُشك في طبيعتها القانونية، ولأي قانون تخضع، خلافًا للتكييف القانوني الذي لا يطبق إلّا على واقعة قانونية.
- الطبيعة القانونية ثابتة في الأشياء، وهذا الثبات مصدره القانون، وقد يكون نسبيًا لأن القانون يغير من طبائع الأشياء، وهو موضوعي لثباته في الموضوع وإن لم تصل هذه الطبيعة لعلم الآخرين.
- تتعلق الطبيعة القانونية بإدراج الواقعة ضمن مجموعة معينة من القوانين.
- يقصد بالمجموعة القانونية نصوص القانون التي تحكم حقلًا من حقول الحياة الاجتماعية المتسمة روابطه بوحدة في طبيعتها.
- تحديد مفهوم الطبيعة القانونية مرتبط بإدراك الكليات الخمس في علم المنطق، وهي: الجنس والنوع والفصل والعرض الخاص والعرض العام.
- العلاقة بين التكييف القانوني والطبيعة القانونية هي علاقة بين الذات والتفاعل مع مفرداته؛ فالطبيعة القانونية هي الذات للواقعة القانونية، وجواب لسؤال “كيف” عن جوهر الذات، وهو كيفٌ من القانون وإليه، أما التكييف فهو عمل القانوني بأدوات قانونية للتعامل مع مفردات ذات الواقعة حتى يجعلها قضية قانونية تتطلب حلًا قانونيًا.
- التكييف القانوني فعل مرتبط بفعل يأتي من خارج ذات الواقعة ليضفي عليها وصفًا قانونيًا تمهيدًا لتطبيق حكم القانون عليها.
- إن محل كل من التكييف القانوني والطبيعة القانونية هو الواقعة بالمعنى الواسع لها.
- الواقعة القانونية هي كل حدث حاصل بإرادة أو بلا إرادة وقابل للحكم عليه مهما كان، وبالتالي يترتب عليها حكم قانوني.
- لا تقبل الواقعة حكم القانون ما لم تكن محلًا للإثبات، وإذا كانت محلًا للإثبات صلحت أن تكون محلًا للتكييف القانوني والطبيعة القانونية.
- يستخدم القانوني أدوات قانونية ومنطقية لإضفاء الطبيعة القانونية على الواقعة وتوضيح التكييف القانوني لها بعد تحليل العناصر الجوهرية للواقعة.
- لا يكفي تحديد القانون الواجب تطبيقه فقط -المقصود قانون أيّ بلد-؛ بل لا بد من تحديد نوعية القانون المطبق على الواقعة وهذه هي الطبيعة القانونية، وتحديد نوع الواقعة وهذا هو لب التكييف القانوني، فالتكييف هو تحديد الوصف السليم للرابطة القانونية المطروحة أمام القاضي، أما الطبيعة القانونية فهي تحديد القانون المختص.
- ينبغي معرفة الوصف الدقيق للواقعة قبل تكييفها قانونيًا.
- يقترب التكييف أحيانًا من القياس، والقياس هو أحد أدوات التكييف لأن الواقعة قد لا يمكن إعطائها الوصف القانوني الصحيح إلّا بقياسها على واقعة أخرى منصوص عليها.
- التكييف غير محصور في دائرة الأوصاف المنصوص عليها، بل يشمل الأوصاف التي وضعتها المصادر غير النصية أيضًا.
- يوصي الكاتب بإجراء دراسات معمقة لتحديد ماهية المصطلحات القانونية مثل: الأساس القانوني، والمركز القانوني، والتكييف القانوني، والإطار القانوني، وغيرها.
- يوصي د.الأحمد باستخدام الأدوات المنطقية للتمييز بين الأنماط القانونية المختلفة.
- من المهم وضع منهج جديد في كليات القانون تحت عنوان: أصول الفقه القانوني، ومن أبرز موضوعاته التكييف القانوني، والطبيعة القانونية.
- تحتاج ملكة رجل القانون إلى تركيز في قراءة:
- فلسفة القانون.
- مبادئ القانون المقارن.
- أصول الفقه.
إلى هنا انتهى هذا البحث المفيد الماتع المختصر، والحقيقة أنه يفتح شهية القراءة صوب هذه الموضوعات النابضة بالحياة غير الناضب معينها، وإذا زادت القراءة في باب فمن الطبيعي أن تكثر الكتابة فيه، والغاية لفت النظر الكريم للقارئ العزيز خاصة القانوني منهم، لا مجرد الاكتفاء بالمقروء على اختصاره، أو بالمكتوب على علاته، وبالتالي فالإحالة إليهما هي إشارة للخطوة الأولى فقط، وهي مقدمة في الأهمية على الصياغة التي تعتمد على التكييف. وعسى أن يكون في هذا النهج فتح باب للإثراء والإضافة؛ ذلك أن الدراسة الرسمية في كليات القانون والحقوق لا تستطيع أن تلمّ بكل شيء، مع أنها -أحيانًا- تنشغل بمواد يمكن إبطالها أو دمجها في مقرر واحد، كي ينفسح المجال لما هو منها أولى وأهم.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأحد غرة شهر شعبان عام 1445
11 من شهر فبراير عام 2024م