مواسم ومجتمع

  متضامنون من أجلها …!

 متضامنون من أجلها …! 

لسنا بحاجة لتكرار الحديث عن مكانة المرأة أو تكريمها في كتاب ربنا وسنة نبينا-عليه الصلاة والسلام-، الذي كانت ذريته الباقية من البنات، وأول من آمن به زوجه، ومات بين يدي امرأته، وأوصى بالبنات خيرا، فضلاً عن تنزل الوحي بسور كريمة؛ وآيات شريفة تخص المرأة في كافة مراحل عمرها وجميع شؤونها الحياتية، إضافة إلى مشاركتها الرجل في أكثر نصوص الوحيين الشريفين وأحكامهما.

ومع كثرة ما تخطه الأقلام، وتتناوله المنابر، وتزدحم به التغريدات عن المرأة وحقوقها وواجباتها، وما يراد لها ومنها، وما يحاك ضدها أو يخطط لها، إلا أنه يجب علينا عدم الاكتفاء بما مضى من جهاد وبيان، والاستمرار في العمل قولاً وفعلاً حتى تكون المرأة في الحال التي أرادها الله لها أمراً كما هي قدرا، وحتى لا تقع النساء في المستنقعات الآسنة؛ التي يجرها إليها مَنْ يصنعون لها من الوهم أو الحالات الشاذة قضية كبرى، أو يحتالون عليها بتضخيم الصغائر وخلخلة ترتيب الأولويات.

“وقد كتب الكثير عن المرأة.. أنصاراً وخصوماً، ومن مختلف النواحي، إلا أن القلم يجب ألا يجف حتى تعود المرأة إلى طبيعتها وإلى وظيفتها في الحياة، وحتى تعرف المجتمعات وضعها السليم” ( نقلاً عن :عبدالله التّليدي، المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة، ص6، دار ابن حزم، الطبعة الثالثة 1417).

ومن المتعين على خيار الأمة أن يربطوا الحديث عن حقوق المرأة وواجباتها بالنصوص الشرعية المقدسة، إضافة إلى مقاصد الشريعة وكلياتها، فهي الأساس الذي ينبني عليه شأن المسلم رجلاً كان أم امرأة، وإن توافقت المواثيقُ والعهودُ الدولية مع هذه النصوص والمقاصد، وتلك الحقوق والواجبات، فذاك شرف لواضعيها، وتقبل على أنها تابعة لأمر الله منقادة له، وإذا عارضتها فعرض الحائط أولى بها! فنحن قوم لا نعطي الدنية في ديننا.

وربط شؤون المرأة المسلمة وقضاياها بنصوص دينها أمر تقتضيه العبودية لله رب العالمين، حتى لا تكون نساء المجتمع المسلم كحال بعض النساء الكافرات: “صواحب الشوارع، يستسلمن لكل مغرض، يُخاللن من الرجال ماشئن، ساقطات وقحات ذاهبات الحياء، أمهات لقطاء، مفصولات عن أولادهن، منهكات بالجري وراء العمل، تعيسات شقيات”( نقلاً عن: عبد الله التّليدي، المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة، ص151، دار ابن حزم، الطبعة الثالثة 1417)، وحتى لا نسمع في مجتمعات المسلمين عن “الأمهات العزباوات” و”بنات الهوى”، ويالها من تسميات تقشعر لها أبدان ذوي المروءة والشهامة.

إن العمل الذي ينوء به المصلحون من الجنسين لأجل بنات حواء لا يستثني أحداً من النساء، فهو للمرأة الكبيرة كما هو للفتاة الشابة، وهو للمريضة والصحيحة، وللجدة والأم والزوجة والبنت والأخت، وللعجوز الهرمة كما هو للطفلة الصغيرة، وللجميلة وغير الجميلة، وبذلك يتفوق هذا الجهد الصادق على الدعوات المريبة التي يطلقها مَنْ في قلبه مرض، ويحصرها في المرأة الشابة الجميلة، ليخرج بهذا الحصر مَنْ عداها ممن لا تشتهيها نفسه!

“إن الإصلاح الإسلامي المحمدي يقضي بأن يكون لكل امرأة كافل شرعي يكفيها كل ما يهمها لتكون بنتاً مكرمة، فزوجا صالحة، فأما مربية، فجدة معظمة، ومن حرمت الزوجية أو الأمومة، لم تحرم الكفالة والكرامة…”(نقلاً عن: محمد رشيد رضا، نداء للجنس اللطيف في حقوق النساء في الإسلام وحظهنّ من الإصلاح المحمدي العام، ص 147، دار الحديث).

لقد حاول فئام من أبناء جلدتنا العبث بعالم المرأة من خلال قواعد لا يقرها دين ولا منطق، وبنوا مآربهم على قاعدة المساواة التي تأباها الفطر السليمة، وتنسفها الطبيعة الحيوية لخلق الرجل والمرأة، فضلاً عن الفروقات المعنوية بين الجنسين، وقد حسم القرآن الكريم هذه المسألة على لسان امرأة صالحة من بيت إصطفاء ونبوة حين قال سبحانه:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} [آل عمران: 35، 36].

ولا يعني فجور المفسدين في الخصومة أن نغمض أعيننا عن واقع المرأة المسلمة وما تحتاجه، فالمرأة في بعض المجتمعات تقع أسيرة عادات ما أنزل الله بهامن سلطان، أو تلزم بفهم خاطيء لنصوص الشريعة الغراء، وفي المقابل قد تقع المسكينة تحت تسلط مَنْ يريد بها السوء من جميع أطرافه، وقد تحرم من حقوقها الطبيعية في الزواج والأمومة، والمال والمشاركة الاجتماعية، إضراراً بها أو حمقاً ممن يتولى أمرها؛ ثم لا تجد نصيراً لها تأمنه، وقد يطول بها الطريق إلى أن تنتزع حقها الشرعي، وفي الحديث الحسن عند ابن ماجة مرفوعاً: “اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة“، وفي هذا التحريج من التحذير والزجر ما يكفي لأن يمتنع الرجال عن ظلمها، وأن يحتسب الأخيار في الدفاع عن حقوقها الشرعية.

وعلى كل قادر واجب تجاه هذا الأمر بحسبه، فعلى المفتين والعلماء والدعاة العناية بموضوع المرأة وحقوقها، وتصحيح الفهم الخاطيء لبعض الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة كالشهادة والميراث، حيث تتساوى المرأة مع الرجل في بعض الصور، وتصير نصفه في صور أخرى، وليس في هذا الحكم الشرعي انتقاص منها، وإنما مراعاة لحكمها القدري، وحكم الله القدري للمرأة صفة كمال لها؛ لأن الله أعلم بها؛ ومن أراد إخراجها من هذه الخصوصية فقد أضر بها وبالغ في العدوان عليها. ومما نأمله من المجامع الفقهية ولجان الفتوى أن تعيد النظر في مستجدات المرأة، بما يجعل الفتوى الشرعية الخاصة بالنساء واضحة ومراعية للمتغيرات دون تمييع أحكام الشريعة أو تغيير ثوابتها.

وفي عنق خطباء الجمعة الذين تشرئب لهم أعناق الناس كل أسبوع واجب حتمي القضاء تجاه المرأة، وذلك بالخطابة عن حقوقها وواجباتها والأحكام المتعلقة بها، وتصحيح مفاهيم الناس حول القوامة التي طاشت إفراطاً أو تفريطا، وحث الرجال على الرفق بالمرأة، وتسهيل زواج الفتاة، وإحسان تربية البنات، وإن الحرائر قعيدات البيوت ليتقن إلى سماع الخطباء وهم يتحدثون عنهن، ويوصون المسلمين بهن خيرا، كما فعل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع.

ومن الجهاد العملي أن يشارك الحقوقيون الشرفاء في تطوير الأنظمة المحلية المتعلقة بالمرأة بما يتوافق مع أحكام الإسلام، إضافة إلى الدفاع عن المرأة المسلمة في المحافل الدولية التي تضغط على بلاد المسلمين لفرض أحكامها المتعلقة بالمرأة والأسرة والطفل وتبديل حكم الله فيها. ومن العناية بالمرأة أن يتكفل الأغنياء بإنشاء كراسي ومراكز بحثية تدرس أمور النساء من منطلقات شرعية، وأن تتولى الجامعات والجوامع الكبرى إقامة الدورات العلمية المكثفة للنساء في شتى العلوم الشرعية، حتى يتخرج منها قيادات نسائية علمية ودعوية وفكرية، وأن ينصرف أثرياء المسلمين نحو المشروعات الاستثمارية التي تصنع بيئة آمنة للمرأة العاملة والمتسوقة.

ومن نافلة القول ألا نقصر جهودنا على الجانب الديني البحت من قضايا المرأة مع أولويته وأهميته، فللنساء مطالب وحاجات يمكن تلبيتها دون مساس بأحكام الشريعة، وبضمان مآلاتها الحميدة وسد أي منفذ للذرائع المشينة، ومن ذلك حاجة المرأة للتعليم، والعمل، والعلاج، والتجارة، والمشاركة في الأعمال الخيرية والاجتماعية، والترفيه البريء الملائم، فضلاً عن قيام الثقات بإنشاء مؤسسات الإعانة على الزواج، والاستشارات الأسرية والنظامية، وغيرها مما يمس حياة المراة، وتخشى أن تتناوله بنفسها بما يمس شرفها خاصة حين يقوم على هذه المصالح مَنْ لا يُرتضى دينه ولا أمانته.

ومع الثورات العربية، تحطم أنموذج “السيدة الأولى”؛ الذي كانت تتولى كبره زوجات وبنات الزعماء الآفلين، وبمباركة وحماية أولئك النسوة النافذات عبث مرضى القلوب بشؤون المرأة، وعاثوا فساداً في البلاد وأنظمتها، والمرجو مع زوال هذه الغمة أن يصلح الحكام الجدد ما شانه سابقوهم، وأن تتعظ نساء الحكام الباقين من مصير أسلافهن، ويتركن حمل هذه الراية الجاهلية التي لا مستقبل لها إلا التنكيس ثم السقوط.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

  ahmalassaf@

الاثنين 08 من شهرِ صفر عام 1433

Please follow and like us:

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)