موسوعة الدنانير الإسلامية في المشرق
بعد أن أصدر موسوعته الأولى عن الدنانير والدراهم الأموية، لم يضيع المؤلف الوقت، ولم يثنه العناء البحثي، وقلة المعين، وتكاليف العمل والطباعة والتسويق عن مواصلة الحرث في حقله العلمي الخصيب، ولذا عكف على أوراقه ومحفوظاته، حتى أظهر للقراء المختصين وغيرهم موسوعة حافلة أخرى عنوانها: موسوعة الدنانير الإسلامية في المشرق من سنة 132ه حتى سنة 922ه، وهو من تأليف علي بن إبراهيم العجلان، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام (1445=2024م).
يقع الجزء الأول من الموسوعة في (569) صفحة من القطع الكبير، بينما تبلغ صفحات الجزء الثاني منها (541) صفحة، والمجموع للجزءين يصل إلى (1110) صفحات، بطباعة فاخرة جدًا وجذابة في ألوانها، وحرفها، وصورها فضلًا عن مضمونها وجهد الباحث فيها. ثمّ ازداد الجمال بأن أهدى أبو إبراهيم كتابه لوالديه رحمهما الله، فمنهما تعلّم، وعلى أيديهما الكريمة تربى، ومن خصالهما النبيلة اقتبس.
تحتوي هذه الموسوعة على جميع الدنانير التي نشرت في المراجع المعتمدة، أو عرضت في المتاحف والمزادات حسبما استطاع المؤلف الوقوف عليه، وتسير بنا هذه الموسوعة الضخمة سيرًا مكيثًا جميلًا من سنة (132) إلى عام (922)، وتعرض أكثر من ثمانية آلاف دينار غير مكرر، علمًا أن هذه الدنانير قد سكت في مئتين وتسع وأربعين مدينة إسلامية، وفي عصور دول مختلفة، وعهود خلفاء وأمراء أشارت إليهم هذه الموسوعة، وإنه لصنيع جليل وثيق الصلة بعلوم التاريخ والبلدان، ولكأني أسمع صوت الدنانير في صررها جذلة بهذه العناية الفائقة!
وقد شملت هذه الموسوعة جميع الدنانير المسكوكة خلال سبعمئة وتسعين عامًا تحت خمس وأربعين خلافة وإمارة، وتتبعت أخبار الولاة الذين سكت هذه الدنانير في أيامهم، ووصفت حال المدن التي خرج منها الدينار المسكوك. وتتبع المؤلف ذو الهمة ما كُتب على هذه المسكوكات من آيات وأدعية وأسماء حكام وأمراء، وهذا باب من العلم يتجاوز علم المسكوكات، وأخبار التاريخ والبلاد، إلى صورة حقيقة عن الحضارة ومبلغها، والثقافة وآثارها، والعراقة ورسوخها، والقوة وحقيقتها، وفيها شيء عن عظمة الاستقلال في صناعة الأموال وإدارتها وتدبيرها، وفي تنشيط التجارة.
كما أولى الأستاذ العجلان عناية خاصة لما يُعرف عند أرباب هذا العلم بدنانير “الصلة”، وهي دنانير تسك بأوزان وأحجام أكبر من المعهود، ويستعملها الحكام في الإهداء للخاصة والمقربين، وأشبه ما تكون بالنقود التذكارية. ولم يبخل المؤلف على قارئه بمعلومات مختصرة كافية عن الأوضاع المالية والسياسية حسب الزمان والمكان، وسرد لأجل تحقيق هذه الغاية أسماء الخلفاء والأمراء في الجزء الأول منذ عهد الخليفة العباسي السفاح، إلى نهاية عصر الخليفة العباسي القائم بأمر الله عام (467)، وأما الجزء الثاني فأكمل فيه السنوات السالفة مباشرة بدءًا من عهد الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله، إلى نهاية دولة المماليك البرجية عام (922)، واستعرض بعدها النقود الصليبية التي ترافقت مع الحملات الصليبية ضد عالمنا، وهذا التسلسل مفيد في المراجعة، وتسريع الاستحضار الذهني للتاريخ وأشخاصه.
إن هذا الكتاب الموسوعي المستوعب لمفخرة من مفاخر التأليف السعودي، ودرة من درر المكتبة العربية والإسلامية؛ ولأهميته ومرجعيته احتفت به المؤسسات العالمية الكبرى المعتنية بالعملات والمسكوكات، وعرضته مع الكتاب السابق عليه في متاجرها ومواقعها الإليكترونية، وقمين بنا أن نفرح بهذا الإنجاز المستحق، الذي جاء بعد سنوات من المتابعة والشغف، وبعد تركيز شديد وتخصص دقيق، حتى غدا الأستاذ علي بن إبراهيم العجلان واحدًا من أئمة هذا الباب، وما أحراه بالتكريم والإشادة، والله يعينه لإتمام بقية مشروعه العلمي والحضاري الفريد.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت غرة شهر رجب عام 1445
13 من شهر يناير عام 2024م
One Comment
عمل فردي يستحق الاحتفاء فعلا
لو حصل على جائزة علمية تعتبر قليلة في حقه