برأيك على مَنْ يصدق هذا الوصف صدقًا مطلقًا إن بالاسم، أو الصفة، أو السيرة، أو الأثر، أو الجمال، أو الكمال، أو الأخلاق، أو البيان، وفي كل شيء وشأن من المحاسن والفضائل والشمائل؟ ألا إنه بإيمان القلب، ويقين النفس، وثمرة التفكير، ونتاج التفكر، لن يتفق المسلمون والمنصفون من غيرهم ويجمعوا على إنسان يستحق هذا الوصف دون استثناء، وفي جميع شؤونه بلا تفرقة، إلّا على الجناب الكريم، والمقام الرفيع، للنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهذا هو الذي ذهب إليه كتاب لطيف الحجم، فخم الطباعة، حديث الصدور، عنوانه: أحسن الناس: ثلاث وستون صفحة من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، تأليف: د.خالد بن محمد المعجل السبيعي، صدرت طبعته الأولى عن مكتبة الرشد عام (1444=2023م)، ويقع في (304) صفحات مكونة من المقدمة والخاتمة والفهرست، وبينهما ثلاث وستون صفحة تتوافق مع عدد السنوات التي عاشها نبينا عليه الصلاة والسلام.
بنى المؤلف اختياره البديع الجذاب لعنوان كتابه على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما، وفيه وصف الصحابي الخادم الأمين المبجل بأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس. وقد عاش المؤلف مع مادة كتابه عدة سنوات، وأكثر من الاستشهاد بأحاديث صحيحة في البخاري أو مسلم، أو اعتمد على أحاديث من تصحيح العلماء الثقات وإن وردت في غير الصحيحين، وهي تصبّ جميعها في أعظم سيرة، وأكمل شمائل، ولذا فلا عجب حين يصرح المؤلف بما وجده من أنس وطمأنينة، وسكينة وسلوة، وهي يطوف بين هذه الشمائل وتلك الأخلاق حتى وإن اختصر المجموع لديه في صفحات يسيرة منعًا للإطالة.
وتكاد أن تشتمل هذه الصفحات على كل ما يخصّ النبي عليه السلام، في نسبه، وأحواله اليومية والمعيشية، وفي العبادة والتأله، وفي المعاملات، وفي التعامل والأخلاق، وفي عشرته مع أزواجه، وفي التعليم والوصايا، وفي التيسير والتبشير، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن نصل إلى أكثر اللحظات حزنًا في التاريخ عندما قبضت روح الرسول الكريم، وصعدت إلى الرفيق الأعلى، في يوم معروف محدد، ومضبوط بالتاريخ والساعة، ومن الغريب أن يغيب الوعي عن فئام من المسلمين؛ فيحتفلون بهذا اليوم على أنه يوم المولد، مع أن المؤكد فيه وفاته، وهو موضع شك كبير في تعيينه يومًا لميلاد النبي عليه الصلاة والسلام، وينافسه في ذلك عدة أقوال؛ بينما ينفرد يوم الوفاة ويستقل بقول واحد بلا منازع.
فإذا ما أردت يا رعاك الله أن تعيش مع الأسوة والقدوة، وتستضيء بالنور والسراج، وتنعم بالروح والانشراح؛ فدونك هذا الكتاب وأمثاله، ذلك أنه من النصح للنفس والأهل والولد، أن يكون في مكتبة المنزل، ومن كتب البيت، كتاب أو أكثر، يروي لنا أشياء عن سيرة النبي الأمي المتبوع، فوالله إنه ما من شيء يشرح الصدر بعد القرآن الكريم، والسنة النبوية، مثل إمضاء وقت مع السيرة الطاهرة الزكية؛ ففيها العبر والعبرات، وفيها المبادئ الثابتة، والنماذج العليا، التي على هديها يجب أن نسير كي نصل إلى حيث نرجو.
وما أكثر الفائدة المنتظرة من مثل هذه الكتب والدراسات، الواسع منها والمختصر، ذلك أن أمة الإسلام وإن فرطت في أشياء كثيرة، فهي متعلقة أشد التعلق بنبيها الذي تسمع اسمه في اليوم والليلة مرارًا، وتؤدي أركان الإسلام وجميع العبادات والأخلاق أخذًا عنه بالرواية الصحيحة الثابتة التي لا يستطيع أحد أن يطعن فيها مهما اجتهد، وإذا كانت نضارة الوجه جزاء المبلغ عن رسول الله، فإن كدر الوجه وضيق النفس مصير عاجل لمن رام مناكفة السنة أو تحريف السيرة؛ فمن يجرؤ على محادة الله في الاعتداء على وحي يوحى؟!
وإن مثل هذا المشروع ليتكامل وتتزايد المنفعة منه حينما يتحول إلى صيغ كثيرة إلكترونية وصوتية ومرئية وتفاعلية، وإذا ترجم إلى لغات إسلامية وعالمية، وعندما يُعرض على هيئة أنواع منها الذي يناسب الطفولة الغضة البريئة، وفيها ما يتوافق مع سنوات الشباب والفتوة، ولن نعدم الكثير مما يرتبط بالمرأة والأسرة والمجتمع، أو يقبس منه السياسي والاقتصادي والمصلح؛ فسيرة نبي الله الخاتم ورسوله الشافع المشفع فيها من المحتوى الذي لا يُدانى سموًا ورفعة وتأثيرًا، والله يلهمنا العودة إلى منابعنا الأصيل أساسها، العذب المأمون مضمونها.
الرياض- الثلاثاء 03 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1444
27 من شهر ديسمبر عام 2022م
One Comment
جميل رضي الله عنكم، ما أجمله وما أروعه، مقال يتلألأ نورًا وجمالًا، ولا عجب فالله أعز رسوله ﷺ وكرمه ورفعه، وأوصيكم أن تجعلوا من سيرته العطرة الطاهرة الكريمة ﷺ وسنته ﷺ ومن كتاب الله قبل ذلك وقفات تكتبون عنها بين وقت وآخر، فوالله أنه البحر الزاخر بالكنوز والعبر، غفر الله لنا وهدانا وثبتنا على دينه ودين نبيه ﷺ.