سياسة واقتصاد شريعة وقانون عرض كتاب

مصطلحات دستورية في الفقه والقانون

مصطلحات دستورية في الفقه والقانون

كتب المصطلحات وتعريفات العلوم من خير ما يضاف إلى المكتبة الشخصية، ذلك أن الصحبة الثقافية والمعرفية مع كتب المصطلحات تمنح من الفائدة العاجلة والعميقة ما يجعلها أهلًا للتصدر في المكتبة والمقروء، ويتعاضد مع ذلك ما فيها من إمتاع بالغ. وإذ اجتمع مع هذا كله علم المؤلف وخبرته وبراعته فالمغنم أكيد، والربح بيّن، وهو ما حفزني لاقتناء هذا الكتاب بعنوان: الزاد المقنع في المصطلحات الدستورية ومن منظور الفقه الإسلامي، تأليف: الدكتور محمد بن عبدالله بن محمد المرزوقي، الذي صدرت عن مكتبة التوبة الطبعة الأولى منه عام ( 1439=2018م)، ويقع في (559) صفحة.

يتكون هذا الكتاب من مقدمة ثمّ حديث عن المصطلح في ستة عشر مسألة، وبعدها يبدأ سرد المصطلحات وما تحويه من مسائل على اختلاف في عددها وحجمها بين مصطلح وآخر، وبعدها يختم كل مصطلح بالحديث عنه من منطور الفقه الإسلامي؛ وعليه فالكتاب يحوي التعريفات اللغوية والاصطلاحية في الفقه والقانون، مع دراسة أشبه ما تكون بالموازنة المختصرة التي تجعل من العلوم المرتبطة بالشريعة أصلًا وأساسًا يحاكم غيره من علوم ويعلو عليه، فما ورد في تلك العلوم البشرية يرجع إلى معالم الهدى في الشريعة المطهرة، ويتقاصر دونها، لا كما يفعل بعض المغبونين بالتقازم أمام منتجات غربية وشرقية، وهي في حقيقتها بشرية وضعية عرضة للخلل والتغيير مهما بلغت من عمق وإحكام، وحتى لو راجعها أساطين ودهاقنة وحكماء ألف مرة.

وقد درس د.المرزوقي في هذا الكتاب عددًا من المصطلحات تصل إلى العشرين ابتداء من الدستور فالدولة ثمّ الشعب والأمة والإقليم. وبعدها بحث المؤلف موضوعات السلطة والسيادة والحاكمية فالديمقراطية وما يتبعها من مسألة الفصل بين السلطات. وإن جهد الدكتور المرزوقي مع هذه المصطلحات غير مقتصر على التوضيح فقط، بل إن كل عنوان يرد في فهرس الكتاب يناله من الإشباع ما يفيد القارئ، ويعين الباحث للارتواء من المعلومة الآمن مضمونها، الجلي معناها، المكتمل محتواها.

كما يأخذنا الكتاب في جولة علمية متينة مع أعمال السيادة والحاكمية والتعددية، ويصل بنا إلى مؤسسات المجتمع المدني حتى يقف بنا أمام البرلمان الذي يعقبه حديث تفصيلي عن الشورى في الإسلام، ووظائف البرلمان على تنوعها من تمثيلية، وتشريعية، ورقابية، ويواصل البيان بتوسع ملائم أو بإيجاز مناسب مع التألق في الحالين إلى أن نتبع مفردات هذا البحث النافع إلى الانتخاب، والبيعة، وأنظمة الحكم، مع التوسع عن نظام الحكم في الإسلام، وينتهي بنا قبل الخاتمة عند الحكومة وما يختص بها.

أما الخاتمة ففيها استحثاث من قبل المؤلف لجمهرة المختصين وأهل العلم؛ لإغناء هذه المادة المصطلحية بالقراءة والبحث والتأليف والنشر، فلربما أن مواصلة هذا المنهج سيؤول برجال أفذاذ من أمتنا إلى السك ونحت المصطلحات وفق أسس علمية رشيدة، وبناء على تطبيقات عملية راشدة، وإنه لمسلك غير عسير بناء على إرثنا العلمي المتناسل، ومسيرة أمتنا الطويلة، وإن اعتراها من القصور والخلل ما اعتراها إن في التنفيذ، أو في الفهم والتأويل، وربما نالها شيء من التحريف والتغيير المخرج عن الأصل.

ويرى القارئ في آخر الكتاب مئة وواحدًا وستين مرجعًا أثبتها د.المرزوقي من باب الأمانة العلمية حتى لو لم ينسب كل معلومة لموضعها من المصادر؛ لعسر هذا الأمر، ولأن المادة المكتوبة تقوم على الفهم الشخصي بناء على الاطلاع والنظر والحوار والتجربة، ومن الصعب إرجاعها لمكان واحد وردت فيه كما هي. وهذه المراجع تؤكد على غزارة المادة التشريعية والقانونية المرتبطة بالفقه الإسلامي، وهو أمر لا مناص من لفت نظر المسلمين خاصة دارسي القانون وممارسيه إليه؛ كي ينعموا بالنهل من هاتيك المصادر العذبة النقية، وينعموا النظر فيها اعتزازًا بدينهم وعلومه، واستمساكًا به، وإنعاشًا لعلومهم القانونية التي يجب ألّا تنحصر في آراء بشرية، أو مستجلبات من حضارات الآخرين.

إن للمصطلحات وظيفة دلالية لا تخفى، وفيها تكثيف للمعاني التي تختصر على الكاتب والمتحدث، وهي تعين المتحاورين على الفهم والتوافق والانطلاق من قاعدة معرفية مشتركة. وإن تحرير المصطلحات يكون بحسن فهمها وتوجيهها، ثمّ بتنقيتها من الدخيل والهجين قدر الإمكان، وصولًا إلى البحث عن الأصيل أو صنعه، وإظهاره وإحيائه بالاستعمال والإعلان. وإن هذا المنهج الأمين السامي لمن سبل التحرر من التبعية المقيتة التي تشعر أهلها بالدونية، وفي تلك السبل الكريمة نجاة من غوائل الاستيراد؛ فلكل استيراد عقباته وعقابيله وحمولته التي قلّما ينجو منها مستورِد حتى إذا نصح وحذق وحرص، ومهما كان أمينًا وغيورًا.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأحد 17 من شهرِ جمادى الأولى عام 1444

11 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)