سياسة واقتصاد شريعة وقانون عرض كتاب

الانتخابات وأحكامها الشرعية

الانتخابات وأحكامها الشّرعية

أحياناً، لا يفرق بعض الناس بين “الديمقراطية”، وبين آلياتها وأدواتها، وكم من مرة يتحدثون عن الديمقراطية ومقصدهم الأكبر منها الانتخابات، أو بدرجة أقل حرية الرأي، والمساواة في الواجبات والحقوق، وحقوق المرأة والأقليات، وغيرها من الموضوعات الشبيهة بها، التي باتت حديثاً متداولاً، وعلى أساسها تُحاكم الدول والأحزاب؛ خاصة المنطلقة من توجهات إسلامية.

ويجهد بعض الكتاب والمؤلفين نفسه؛ ليثبت شرعية الانتخاب كآلية، ولو أنه في بحث في المكتبة الإسلامية؛ لوجد فيها رسائل علمية محكمة عن الانتخابات، والاستفتاء الشعبي، وغيرها من آليات عرفها الناس مرتبطة بالنظام السياسي الغربي، وقد تكون قديمة في حضارات أخرى، أو أصيلة في تطبيقات ديننا الإسلامي، بيد أن بعد الناس عن المصدرين الأصيلين-الكتاب والسنة-، وعن السيرة العطرة للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وتاريخ الخلفاء الراشدين، يجعل من الغريب على بعض الأسماع؛ إيراد خبر انتخاب في عصر النبوة، أو رواية ترشيح في العصر الراشدي، والعلة تكمن في ترك البحث، والجري مع تعميمات بعض الكتَّاب.

وحيث أننا على وشك انتخابات بلدية محلية مقبلة، والآمال متجهة صوب انتخابات “برلمانية”  كلية أو جزئية على أقل تقدير، فمن الحسن استعراض رسالة ماجستير، نوقشت وأجيزت من كلية التربية، في جامعة الملك سعود بالرياض، مع التوصية بطباعتها، وتحمل عنوان: الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي، تأليف فهد بن صالح بن عبدالعزيز العجلان، صدرت الطبعة الأولى منها عام (1430=2009 م)، ضمن سلسلة الدراسات الفقهية، التي تبنى نشرها الصندوق الخيري لنشر البحوث والرسائل العلمية، ودار كنوز إشبيليا، بتمويل سخي من مؤسسة الشيخ سليمان الراجحي الخيرية، ويتكون الكتاب من مقدمة فتمهيد، ثم ستة فصول بمباحث متعددة، ويعقبها خاتمة بالنتائج والتوصيات، ثم فهرسان للمراجع والموضوعات.

ذكر الباحث في التمهيد بأن الانتخابات إما أن تكون رئاسية، أو برلمانية، أو بلدية، أو استفتاء شعبياً-للدكتور ماجد الحلو كتاب عن الاستفتاء الشعبي والشريعة الإسلامية-، وأشار إلى أن اختصاصات المجلس النيابي متنوعة ما بين تشريعية في سن القوانين، ومالية في الموافقة على الميزانية، وسياسية في مراقبة الحكومة، وبالتالي يتبين أن غياب هذه الاختصاصات عن أي مجلس ينزع عنه الصفة النيابية، وربما يفقده صفة الولاية العامة.

وأول دولة طبقت النظام التمثيلي النيابي هي إنجلترا، وكان الاقتراع مقيداً بمن يملك مالاً وثروة؛ لأنه سيكون أكثر ارتباطاً بوطنه، وأشد حرصاً على مصالحه! ولم تكن المرأة تشارك في انتخابات الأنظمة الديمقراطية القديمة، وأول مشاركة لها كانت في إحدى الولايات الأمريكية عام(1880م)، ثم عممت التجربة على جميع الولايات الأمريكية عام(1920م)، وشاركت النساء في بريطانيا عام(1928م)، وفي فرنسا عام(1944م).

ثم تطرق للانتخابات في عهد النبوة، والعصر الراشدي، وذكر أمثلة عليها صحيحة صريحة، ونقل تطبيقات انتخابية بعد عهد الخلفاء الراشدين، ومنها وصية ابن هبيرة لأحد عماله قائلاً: عليك بعمال العذر، وهم الذين يختارهم أهل البلد؛ فإن أحسنوا فذاك المأمول، وإلا فالملامة تقع على من اختارهم. وحدد المؤلف المسائل النازلة في الانتخابات المعاصرة بما يلي:

  • الرجوع إلى عامة الناس في اختيار الرئيس.
  • إعطاء كل مواطن صوتاً واحداً، وحساب تلك الأصوات لتحديد الأغلبية.
  • وجود أكثر من مرشح ينافس على البيعة.

وأما ماعدا ذلك كتقسيم الدوائر، وطريقة الانتخاب، والدعاية، فأمور إجرائية، وليست نوازل تبحث، ومدار الأمر فيها على تحقيق المصالح الشرعية ودفع المضار. وسرد الباحث عدة طرق للانتخابات وشرحها باختصار، فمنها عام ومقيد، ومباشر وغير مباشر، وانتخاب أفراد وانتخاب قوائم، وانتخاب بالأغلبية أو بالتمثيل النسبي، وانتخاب شامل وانتخاب بالدوائر، وانتخاب فردي أو جماعي، وسري أو علني، واختياري أو إجباري.

عنوان الفصل الأول تخريج الانتخابات وحكمها شرعاً، حيث يرى بعض القانونيين أن الانتخاب حق، وبعضهم يجعله وظيفة عامة واجبة، وثمرة الخلاف بين القولين؛ أنه إذا كان حقاً، فلا يجوز للحكومة منع أحد منه، وإذا كان واجباً فللسلطة تقييد أداء هذا الواجب، ومنع بعض المواطنين منه لمصلحة راجحة.

وأما التكييف الشرعي للانتخاب-وعليه مدار الحكم لا على رأي القانونيين-فهو أنه تزكية وشهادة في قول، والقول الآخر أنه وكالة. ولذا لم يجز بعض الفقهاء مشاركة عامة الناس، إلا في الانتخابات البلدية؛ لأن الناس يعرفون من يرشحون، بخلاف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فلا قدرة لجميع الناس على تمييز الصالح من الأصلح. ويرى الباحث بأن الانتخاب المقيد-الذي تشارك فيه النخبة فقط-يخرَّج على أنه تزكية وشهادة بالمفهوم العام، وأما الانتخاب العام، فتخريجه أنه اختيار وإرادة من الناخب.

ثم فرق المؤلف بين الانتخابات والبيعة، من وجوه هي:

  • الانتخابات وسيلة تنافس وطريق لتحديد المبايع، والبيعة عقد للمختار.
  • تشمل الانتخابات الرئاسة وغيرها من الولايات، وأما البيعة فللرئاسة فقط.
  • الانتخابات تكون من عامة الناس، وأما بيعة الانعقاد فمن أهل الحل والعقد، وبيعة الطاعة من العامة.
  • عدد المرشحين في الانتخابات غير محدد، وأما البيعة فمقصورة على شخص واحد فقط.

وتوقف عند الفروق بين الانتخابات والشورى، وحصرها في:

  • الانتخابات طريق للولاية، والشورى طريق لمعرفة الآراء.
  • الانتخابات معنية باختيار أشخاص أو الموافقة على مسائل فقط، وأما الشورى فنقاش، وحوار وتداول للرأي، في الموضوعات والشؤون العامة.
  • الانتخابات مقصورة على الولايات، والشورى شاملة لشؤون الحياة.
  • نتيجة الانتخابات وثيقة الصلة بعدد الأصوات، وليس الأمر كذلك في الشورى كما يرى الباحث، وغيره يخالفه.

واتفق العلماء على جواز الانتخابات مادامت محصورة في أهل الحل والعقد، واختلفوا في حكم الانتخابات بصورتها المعاصرة على قولين، وبعد عرض الأدلة ومناقشتها، يرجح المؤلف جواز الانتخابات المعاصرة، مستنداً على عدة أدلة نقلية وعقلية، منها أن الشريعة لم تحدد طريقاً لاختيار الإمام، ولذا تولى كل خليفة من الأربعة الراشدين رضوان الله عليهم، الإمامة بطريقة مختلفة عمن سبقه أو لحقه، ومنها صعوبة تحديد أهل الحل والعقد في زماننا، وانتقال الشوكة منهم إلى عموم الناس، فضلاً عن أن تحديد أهل الحل والعقد يُرجع فيه للأمة، وبما أن قول الأمة مقبول فيهم؛ فهو مقبول في اختيار الإمام ومن دونه، وقيَّد العجلان ترجيحه بأمرين هما: ظهور مصالح الانتخابات على مفاسدها، وأن تكون هي الطريقة الأفضل لتحقيق المصالح الشرعية.

الأحكام المتعلقة بالمنتخِب هو عنوان الفصل الثاني، وابتدأ الباحث بجواز المشاركة في الانتخابات الشرعية التي لا يوجد مخالفة فيها، ونقل القول بأن إلزام الناس بالمشاركة في الانتخابات لا يخلو من مفسدة ظاهرة؛ اذ يجعل التصويت عشوائياً ولغير إرادة. وأما المشاركة في الانتخابات غير الشرعية التي تجري في بلاد إسلامية لا تحكم بالشريعة، فملخص حكمها أن عامة أدلة الفريقين-المانعين والمجيزين- سائرة في مجرى تقرير المصالح والمفاسد، ولذا يرى الباحث أن الأصل هو وجوب التمسك بالحكم الاصلي في هذه القضية، وهو حرمه المشاركة فيها؛ مالم يتأكد أن مصلحة المشاركة أعظم من المفسدة، على أن تكون المشاركة حينها على قدر الحاجة، مع بيان المآخذ الشرعية بلا مواربة، ونبه إلى أن المنع من المشاركة والدخول في الولايات والمجالس التي لا تحكم الشريعة، لا يلزم منه المنع من المشاركة في التصويت والانتخاب. وأما المشاركة في انتخابات الدول غير الإسلامية، فنقل الباحث قول جمع من المعاصرين بالجواز، وسرد أدلتهم، ولم يتعرض لأي قول آخر.

بدأت بعد ذلك المباحث التي يكثر الضجيج حولها، وأولها مشاركة المرأة في الانتخابات كناخب، وذكر القولين بأدلتهما مرجحاً الجواز لأنه الأصل، وبمناسبة الحديث عن المرأة، فللباحث مجيد أبو حجير رسالة علمية بعنوان: المرأة والحقوق السياسية في الإسلام، وسأحاول الحديث عنها لاحقاً، وللشيخ عبد الرحمن الشثري بحث عن المرأة والولايات السيادية لم أطلع عليه، ويوجد عدة كتب في السياسة الشرعية، عن هذا الموضوع الذي يزداد إلحاحه، مع تعاظم الغرب علينا، وتصاغرنا عند أنفسنا، وهواننا على الناس.

ثم بحث مشاركة المواطن غير المسلم في الانتخابات، ونقل القولين وأدلتهما، ورجح الباحث تفصيل الحكم، فإذا كان لأصواتهم أثر في ترجيح الكفة فيرى منعهم من التصويت، وأما إذا كانت أصواتهم بلا تأثير فيميل إلى الجواز، ويسوق الباحث رأياً هو المثال المنشود؛ ومختصره أن النظام الإسلامي لن يمكن فاقد الأهلية من الترشح، وبالتالي فصوت غير المسلم لن يذهب إلى غير مستحق، بيد أن هذه الصورة مثالية الآن، والله يجعلها واقعية بعدل ورحمة، وللباحث الشيخ نمر بن محمد الخليل النمر رسالة ماجستير منشورة، عن أهل الذمة والولايات العامة، وهي أوسع من موضوع الانتخابات.

وأما أهل البدع الذين لم تجرح بدعهم عدالتَهم، فيجوز لهم المشاركة في الانتخابات، ليختاروا المرشحين؛ مع أهمية مراعاة جلب المصالح ودرء المفاسد في مشاركتهم، فلو أدت مشاركتهم لنشر بدعهم فإن منعهم أولى. ويجوز مشاركة الفاسق في الانتخابات؛ حيث لا دليل يدل على المنع، وأما الجاهل الذي لا يميز فمن الطبيعي أنه لا يصلح ناخباً، وليس من شرط الناخب أن يكون عالماً، وإنما يكتفى بقدرته على الفهم، والتمييز والمعرفة. وختم هذا الفصل بشروط المنتخِب وهي: الاسلام، العقل، السن، العلم بالولاية، انتفاء الحال التي يغلب على الظن أن الناخب سيقع بسببها في محرم لعصبية أو رشوة؛ وشرط عام سادس يدخل فيه النظام الانتخابي كل ما يحقق المصلحة الشرعية.

ويأتي الفصل الثالث بعنوان: الأحكام المتعلقة بالمنتَخَب، وعرَّف في مستهله الولاية العامة، بأنها ما يشمل نظر متقلدها أمور الدين، إلى جانب أمور الدنيا؛ كالخلافة، والوزارة، وولاية المظالم، والإمارة على الجند، وإمارة الأقاليم، وولاية الحسبة والقضاء.

وابتدأ بولاية المرأة، وقرر بعد نقاش مستفيض منعها من تولي الرئاسة العامة، ثم بعد عرض طويل لأدلة المانعين والمجيزين، رجح د. العجلان منع المرأة من تولي الولايات العامة، وأما عضوية المجالس النيابية فهناك من يرى الجواز؛ لأن عمل المجالس البرلمانية يقوم على المشاركة الجماعية، بما يجعلها مختلفة عن الولايات العامة، وأسهب المؤلف في ذكر الفروق التي يراها المجيزون مع الإجابة عنها، وخلص إلى أن عضوية المجالس البرلمانية، من الولايات العامة التي لا يجوز إسنادها إلى النساء؛ لما في مهام هذه المجالس من سلطه و ولاية عامة-نظراً لقلة ترشيح النساء تعمد بعض الدول “للكوته” كي تدخل المرأة في مجالسها، وهو ما انتقده نائب أردني في مقطع لطيف تداوله الناس-، فإن اقتصر دور هذه المجالس على تقديم الرأي والشورى، ودراسة الأنظمة ونحو هذا مما يكون مندرجاً تحت الرأي والاجتهاد، فلا مانع من ترشيح المرأة المسلمة لهذه المجالس، كما هو الحال في مجلس الشورى السعودي، شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية.

ولا يجوز تولي غير المسلم ولا ترشيحه للرئاسة أو للولايات العامة، وعلى النظام الاسلامي أن يمنع ترشح غير المسلمين لأمثال هذه الولايات، كما ترجح لدى الباحث حرمة تولي غير المسلمين للولايات التنفيذية ذات الصفة العامة، ويظهر لدى المؤلف قوة الأدلة المانعة من تولي غير المسلم عضوية المجالس النيابية، وقد نص الإمام الشافعي على أن المترجم الذي يترجم للقاضي لغات المتخاصمين، لابد أن يكون مسلماً عدلاً، وإذا كان غير المأمون من المسلمين لا يجوز توليته، فحرمة تولي غير المسلمين للولايات التنفيذية التي لها صفة العموم والشمول من باب أولى.

ويفصل المؤلف القول في حال أهل البدع، ويرى منع الداعي الى بدعته من تولي الولايات، ولا يجوز أصلاً قبوله مرشحاً؛ فضلاً عن انتخابه، ومثله من حكم عليه بالفسق بسبب البدعة. وأما من كان معذوراً في بدعته، فيجوز أن يكون من ضمن المرشحين، وهو أمر مصلحي يختلف بحسب الحال، ويرجع لقاعدة جلب المصالح ودفع المفاسد.

وأسهب الباحث في دراسة حكم طلب الولاية؛ لتعلقه بموضوع الانتخابات، وذكر الأقوال في الموضوع مع أدلتها ومناقشتها، فبعض الطلب متعين، وبعضه جائز أو مكروه، ومن طلبها لغرض محرم فطلبه حرام، وكذلك الحال في حكم إجابة من طلبها. وأطال النفس في مسألة ولاية المفضول، والراجح هو القول بصحة ولاية المفضول مع وجود الفاضل، لما في القول بانعقاد مثل هذه الولاية من مصالح كثيرة، ودرء لمفاسد عظيمة.

ثم التفت إلى مسألة ولاية غير المؤهل، وهو أمر يختلف بين حالي السعة والاضطرار، والراجح لديه ما ذهب إليه جماهير العلماء من اشتراط العدالة للرئاسة العامة، وعدم اشتراط الاجتهاد في الحاكم، وأن شرط النسب القرشي خاص بالإمامة العظمى؛ وليس في الرئاسة العامة للأنظمة المعاصرة التي تشبه ولاية الأقاليم-للدكتور عبد الله الدميجي رسالة ماجستير فريدة عن الإمامة العظمى وسأحاول الكتابة عنها-، وأكد الشيخ العجلان أن حال الضرورة لا تسقِط شروط الإسلام، والعقل، والبلوغ، والله المستعان.

وعليه فلا يقر الكافر على حكم بلاد المسلمين، ويجب دفعه ما أمكن، والخروج عليه قدر المستطاع، فإن عجزوا عن دفعه؛ جرى الأمر على أحكام الضرورة ودرء المفاسد الكبرى، مع أهمية التخطيط للتغيير، والاجتهاد في سبيل ذلك. وما دون الرئاسة من ولايات يجري عليها من الأحكام ما يجري على الرئاسة، وإن اختلفت بعض الشروط، مع أهمية اجتماع شروط الولاية فيمن يترشح وينتخب، وتقدر الضرورة بقدرها، على ألا تستكين إليها الأمة، وتترك العمل لرفع حال الضرورة، فالضرورة الشرعية مؤقتة في الأصل وليست دائمة، وليست حجة لترك إنكار المنكر، وتغييره باليد.

الفصل الرابع يتحدث عن الأحكام المتعلقة بالمنتخَب فيه، ويرى المؤلف أن الرجوع في اختيار الرئيس إلى الناس مباشرة، كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية المعاصرة، يعد من الطرق المباحة للوصول إلى الحكم، ويرجح بأن لزوم بيعة أهل الاختيار لعامة الناس، أمر عرفي مرده إلى العادة وما تعورف عليه؛ فللناس الحق في قبول أو رفض من يختاره أهل الحل والعقد، إذا كان هو عرفهم. وإذا بنيت الانتخابات وفق أسس شرعية، فإن الانتخابات الرئاسية أولى بالجواز وتحقيق المصلحة، من بقية أنواع الانتخابات، كما يجزم بذلك الشيخ فهد العجلان، الذي يرجح بعد بحث ومناقشة، جواز تحديد مدة الولاية؛ خاصة إذا تحققت المصلحة الشرعية بالتحديد.

ثم ناقش المؤلف مسائل في الاستفتاء الشعبي، وأكد حرمة الاستفتاء الشعبي على المسائل القطعية الواردة في الوحيين، ومنع الاستفتاء في المسائل الاجتهادية التي تحتاج لعلم وتخصص؛ سواء كان علماً شرعياً أو غيره، وأما شؤون الناس العامة، وما يتعلق بمعاشهم ومصالحهم؛ فيجوز الاستفتاء فيها. وإذا كان الاستفتاء متجهاً إلى معرفة حال الناس قبل تطبيق حكم شرعي، فلا بأس لأن الغاية منه إدراك المصلحة والمفسدة.

وخصص المؤلف مبحثاً عن الانتخابات الفرعية؛ كالانتخابات البلدية أو المهنية، وقسمها إلى نوعين، أحدهما انتخابات فرعية من قبيل الولاية؛ مثل الانتخابات البلدية وهي انتخابات جائزة، والثاني انتخابات فرعية من قبيل الوكالة، مثل انتخاب الجمعيات، والنقابات، والاتحادات، وحكمها الجواز مادامت منحصرة في إطارها، فإذا تجاوز أثرها للشأن العام؛ فيجب حينها تحقيق المصالح الشرعية فيها. ومن لطائف الكتاب، أن تاريخ ظهور الحركات النقابية يرجع إلى عام (١٧٢٠ م)، في بريطانيا، حيث اجتمع الخياطون ورفعوا ظلامتهم للبرلمان؛ ثم تنادوا لتكوين جمعية تطالب بحقوقهم.

وخصص الفصل الخامس عن الأحكام المتعلقة بكيفية الانتخابات، فلابد أن يأذن الإمام بالانتخابات لما دون الرئاسة العامة، فإذا عدم الإمام أو تعذر الوصول إليه، جاز القيام بها تخريجاً على الضرورة. وأما الانتخابات الرئاسية فيجوز القيام بها إن لم يعهد الإمام السابق لأحد بعده، فإن عهد الإمام السابق لغيره، ورضيه الناس لاجتماع الشروط الشرعية فيه؛ فبها ونعمت، فإن لم يرض الناس بالمعهود إليه، جاز لهم إجراء انتخابات رئاسية، ويبطل عهد الإمام السابق، ثم بحث المؤلف حكم تغيير نتائج الانتخابات سواء كانت رئاسية أو ما دونها، وفرَّق بين أحوال التغيير وأحكامه.

وعرج الباحث على الدعاية الانتخابية وأحكامها، وابتدأ بحكم تزكية النفس الملازم لطبيعة الانتخابات، حيث تجوز تزكية النفس، أو تزكية الآخرين للمرشح، إذا كانت التزكية صادقة، ومحققة للمصلحة الشرعية، وخالية من المبالغة والكذب، ومن الرياء والقدح في الآخرين، أما إذا وجدت هذه الأمور؛ فيدور حكمها بين الكراهة والتحريم، ويجوز إقرار مبدأ التزكية في النظام الانتخابي؛ شريطة وجود المصلحة ومنع التجاوزات. ويرى المؤلف أنه من الواجب على النظام الإسلامي منع إنفاق الأموال في الحملات الانتخابية؛ لغلبة الإسراف فيها، ولكونه سبباً في تولية من لا يستحق الولاية. وأكد العجلان حرمة شراء الأصوات، وأنها من الرشوة والغش، على أنه يرى جواز الدعاية الانتخابية الخالية من المحظورات والمخالفات.

وتنتهي فصول الكتاب عند سادسها المعنون بالآثار المترتبة على الانتخابات، وعد من المصالح المترتبة على الانتخابات ما يلي:

  • منع الحكام من الظلم والاستبداد.
  • تنمية الوعي السياسي العام وإدراك الحقوق.
  • الاستقرار السياسي والحماية من الفتن والثورات.
  • وصول من يرضاه الناس إلى الحكم أو الولاية.
  • احترام القرارات والتنظيمات لأنها صادرة عن إرادة شعبية.
  • تكسب الدولة شرعية وقوة.
  • ترفع من درجة اهتمام المسؤولين بالمواطنين.
  • تبعث في الأفراد حمية تجاه وطنهم.
  • تحقيق مبدأ الشورى.

كما تحدث عن مفاسد الانتخابات المحتملة؛ من قبيل وجود الأحزاب المتضادة، وزيادة الإثارة، وإشغال الناس بالمشاركة والتصويت والنقاش، وإثارة العصبيات، والاضطرار لتحالفات غير شرعية، أو الرضا بضوابط علمانية، وسعي المرشحين فيما يرضي العوام، وحدوث الغش والتزوير أحياناً، ثم قسمها المؤلف بما يلغي ارتباط بعضها بالانتخابات فقط، ويضبط ضرر بعضها الآخر بتطبيق نظام شرعي للانتخابات، وختم الباحث دراسته بالنتائج والتوصيات.

وإن تقريب فقه السياسة الشرعية، ومقارنته بالنظم العصرية، وتنزيله على الواقع دون تمييع لحكم الله، مما يحمد لثلة من الباحثين الذين خدموا هذا العلم خلال العقود الأخيرة على وجه الخصوص، وكم من قانوني كسر الحاجز الذهني والنفسي، ودرس أحكام الشريعة فبهرته في جلالها، وكمالها وجمالها. وإذا كانت مسؤولية العلماء في البحث والتأليف، فعلى الكتاب والمفكرين مسؤولية في المناقشة والتعريف؛ حتى تتضح الصورة لشباب المسلمين، الذين عانوا كثيراً ممن يحاولون تزييف الوعي، أو خطف العقول، وعلى الله قصد السبيل حتى تجد مثل هذه الدراسات الموفقة من يلتفت إليها ويطبقها قدر المستطاع، لتصبح في حياة المسلمين علماُ مسطوراً، وواقعاً منظوراً.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

  ahmalassaf@

الاثنين 30 من شهرِ صفر عام 1436

22 ديسمبر 2014 م

Please follow and like us:

3 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)