ماذا درس الوزراء وأين؟
بعد مراجعة السير الدراسية المتاحة للوزراء أعضاء مجلس الوزراء خلال تاريخه الذي يمتد لسبعين عامًا بعد التكوين الإداري (1373-1443)، ولأعوام تقترب من المئة ابتداء من تسمية أول وزير عام (1349)، سوف نجد أن عددًا كبيرًا من الوزراء قد درسوا في أرقى الجامعات والكليات والمعاهد المحلية والعربية والعالمية، وحصل بعضهم على مراتب متقدمة في الثانوية، أو عقب نهاية دراسته الجامعية والعليا، ومنهم من احتفت به جامعته، ومن المؤكد أن فيهم من يستحق أن يُحتفى به جامعيًا، وأن يستفيد منه الطلبة في تخصصه وغيرهم.
ولن تخطئ عين الفاحص المنصف مشاهدة البرامج التطويرية والدبلومات التي درسها وزراء السعودية قبل تعيينهم في مناصبهم الوزارية، وهي ذات كم كبير في عدده، ومبكر في تاريخ الالتحاق به، ولافت في كيفيته سواء من خلال عناوينه الجذابة، أو في أماكن تدريسه، وتدل على أنهم تعبوا على تهيئة أنفسهم وإعدادها للمسؤولية، والفرق كبير بين دارس قبل تسنم المنصب مثلهم، أو بعده مثل آخرين، حسبما قال د.القصيبي الذي لا يثق كثيرًا في شهادات جاءت عقب إقبال الدنيا على حاملها!
دع عنك هذا، وتعال معي إلى قصة التخصصات الجامعية، ولسوف نرى أن مئة واثنين وخمسين وزيرًا (152) من أعضاء مجلس الوزراء تخرجوا في الجامعات وحصلوا منها على شهادة البكالوريوس، وبناء على هذا فنسبتهم من المجموع الكلي (81%) وهي نسبة عالية. وهذا العدد الكبير درس في تخصصات متنوعة، يأتي على رأسها الهندسة التي يحمل شهادتها بأفرعها تسعة وعشرون وزيرًا (29)، فأقسام الإدارة التي درس فيها تسعة عشر وزيرًا (19)، ثمّ القانون الذي تخصص فيه سبعة عشر وزيرًا (17)، فالاقتصاد من خلال ستة عشر وزيرًا (16) بعضهم انصرف لدراسة الاقتصاد الزراعي، أو الاقتصاد داخل كلية الشريعة.
ويتساوى عدد الوزراء دارسي الشريعة ودارسي السياسة؛ إذ يبلغ عددهم لكل علم ثلاثة عشر وزيرًا (13)، ثمّ المحاسبة التي حاز على شهادتها اثنا عشر وزيرًا (12). ونجد في هذه القائمة تسعة وزراء (09) وفقهم الله لنيل الشهادة في اللغة العربية، وثمانية من الوزراء الأطباء (08)، وسبعة وزراء معهم شهادات بكالوريوس من كليات عسكرية (07) محلية ودولية، وعقب ذلك تحضر تخصصات بأعداد قليلة مثل الكيمياء، والجيولوجيا، والحاسب.
أما مكان دراسة هؤلاء الوزراء فيخبرنا أن أربعة وسبعين وزيرًا (74) درسوا داخل المملكة، وأكثر من نصفهم تخرجوا في جامعة الملك سعود ثمّ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ويتوزع البقية على جامعات وكليات عسكرية محلية أخرى. ومنهم ستة وثلاثون وزيرًا (36) جلّهم من الوزراء القدامى درسوا في جامعات مصر، وفيهم تسعة وعشرون وزيرًا (29) تخرجوا في الجامعات الأمريكية، وتظهر في القوائم دول أخرى مثل لبنان وألمانيا وبريطانيا.
كما نال شهادة الماجستير تسعة وتسعون وزيرًا (99) بنسبة تتجاوز (52%) من مجموع أعضاء المجلس عبر تاريخه، وهي نسبة مرتفعة. من هذه القائمة خمسة وعشرون وزيرًا (25) تخصصوا في الإدارة، وثلاثة عشر وزيرًا (13) حازوا هذه الدرجة في الهندسة، واثنا عشر وزيرًا (12) أكملوا مشوارهم العلمي في الاقتصاد، وتسعة وزراء (09) يمموا عنايتهم شطر قسم القانون، وتماثل العدد في فروع الشريعة والسياسة والحاسب من خلال سبعة وزراء (07) في كل واحد منها، وبقي للطب خمسة وزراء (05)، وثلاثة وزراء (03) للجيولوجيا.
لكننا نلاحظ أن أكثرية الحاصلين على شهادة الماجستير قد ظفروا بها من خلال الدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية التي خرجت اثنين وسبعين وزيرًا (72) من هذه المجموعة، وتتجاوز نسبتهم (73%) من جملة الحاصلين على الماجستير، بينما منحت الجامعات السعودية هذه الشهادة لثلاثة عشر وزيرًا (13)، ودرس أربعة وزراء (04) الماجستير في مصر، وتوزع البقية على ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا.
ثمّ إذا حصرنا الوزراء الحاصلين على شهادة الدكتوراة؛ فسنجد أن عددهم يصل إلى سبعة وستين وزيرًا (67) تتجاوز نسبتهم الثلث والثلث كثير إذ أنها تقترب من (36%). وفي هذه الثلّة أحد عشر وزيرًا (11) تحصلوا على الدرجة من أقسام الاقتصاد، وتسعة وزراء (09) في الإدارة، وثمانية وزراء (08) من المهندسين، وتساوت الشريعة والحاسب والقانون في العدد البالغ ستة وزراء (06) لكل اختصاص، وتماثلت السياسة مع الطب بخمسة وزراء (05). وقد جاء خمسة وأربعون وزيرًا (45) بهذه الشهادة من أمريكا ونسبتهم تفوق النصف، بينما حصل عليها عشرة وزراء (10) من بريطانيا، ونصفهم (05) وزراء من المملكة، والبقية من مصر وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا.
ومن لطيف ما قرأته أن بعض الوزراء درس كل مرحلة في بلد، وبعضهم درس المرحلة الجامعية وأكمل بعدها الماجستير والدكتوراة في البلد ذاته، ومنهم من انتقل داخل ولايات بلد الدراسة أو مقاطعاتها. ومن الجميل جدًا وجود جامعات وكليات عظيمة في الداخل والخارج مثل كلية الشريعة في مكة والرياض والأزهر، وكلية دار العلوم، وجامعة الملك سعود، والملك عبدالعزيز، والملك فهد، وجامعة هارفرد، وأكسفورد، وغيرها. ووجدت أن أحد الوزراء ابتعث لدراسة الصيدلة لكنه غير تخصصه إلى آخر من العلوم الإنسانية، فأصبحت ابنته الآن أستاذة في كلية الصيدلة عوضًا عن أبيها، وتسامت همة وزير قديم حتى نال شهادة البكالوريوس من بريطانيا بالمراسلة في شبابه المبكر، وحرص غير واحد على تعلّم اللغة الإنجليزية، وتطعيم تخصصه ببرامج إدارية ومالية وغيرها.
هذه إطلالة عجلى، تعطينا صورة بهيجة عن التأهيل المرتفع، والتخصصات المتنوعة، والخبرات الدراسية المحلية والإقليمية والعالمية. كما أنها تشير إلى وجود تميز لافت في عدد غير قليل من هذه الأسماء التي نالت شهادات كثيرة إضافية في جدية باهرة، وإصرار يُثنى على مثله، وعناوين مبهجة في الرياضيات والفيزياء، والذكاء الاصطناعي، والمعلومات والبيانات، والتسويق، والقيادة العليا، وإدارة الجامعات، وتطوير الهياكل والتعليم والمناهج، وإجادة اللغات، وغير ذلك، والله يوفقهم للصالح النافع الناجع.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف–الرياض
الخميس 29 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1443
28 من شهر يوليو عام 2022م