أوقاف طويلة العمر!
هي حكمة لا تغيب عن ذوي الألباب حين يجتهدون في تطويل حياة آثارهم، وزيادة أعمارها، وذلك بالنية الصالحة، والعمل المتقن، والمتابعة الحثيثة مع الضراعة للمولى بالقبول والحماية من المؤثرات. ومن الحنكة المرتبطة بهذه الحكمة أن يكون المرء أو الكيان سببًا من أسباب الدلالة عليها؛ ولذا قال الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لبنك الجزيرة أ.نايف العبدالكريم في مستهل هذه الدراسة إن بنك الجزيرة يهديكم هذا الإصدار من باب نشر العلم والمعرفة ودعم الأوقاف والصناعة المصرفية الإسلامية.
عنوان هذه الدراسة الصادرة في كتاب هو: الأوقاف المعمرة: سماتها وعوامل استدامتها… دراسة حالة لعدد من الأوقاف في المملكة العربية السعودية، صدرت طبعته الأولى عام (1443=2022م) بالتعاون بين بنك الجزيرة واستثمار المستقبل المتخصص في الأوقاف والوصايا. وأشرف على الدراسة التي أعدها الباحث أ.ياسر بن صالح الصقير فريق مكون من د.فهد العليان، ود.عبدالمجيد الدهيشي، وأ.رشود الكلثم، وأ.عبدالله الجاسر، وراجعها علميًا أ.باسل الرشود و أ.عبدالله البسام، وأدار المشروع برمته أ.مصعب بن خالد الهدلق، وصمم الكتاب وأخرجه أ.معاذ عبدالخالق، ولراقمه مشاركة في تحرير النص.
يتكون الكتاب من (109) صفحات، ويشتمل على مقدمة وتمهيد، ثمّ فصلان أحدهما عنوانه سمات الأوقاف المعمرة من خلال ست حالات دراسية، والثاني عن عوامل استدامة الأوقاف المعمرة من خلال ست حالات دراسية، فخاتمة يتلوها الملاحق التي فيها مقارنة بين الأوقاف المعمرة عبر مطوية ملحقة، ثم مواقع الأوقاف “مبركدة” على الخارطة، يتلوها صور لصكوك الوقفية والأوقاف والنظار. أما رابع الملاحق ففيه عوامل استدامة ذكرت في دراسات أخرى وعددها أربعة وعشرون عاملًا وهذا من تمام الإحسان للدراسة وموضوعها وقارئها، والخامس عن طلب توثيق الأوقاف المعمرة.
وقد بنيت منهجية الدراسة على معايير واضحة لتحديد الوقف المعمَّر هي:
- أن يتجاوز عمر الوقف مئة سنة.
- أن يكون في السعودية.
- أن تكون أصول الوقف قائمة.
- توافر مصادر أولية للبيانات يمكن الوصول إليها.
أما الأوقاف الستة محل الدراسة فهي:
- وقف المغاربة “وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه” بمكة، وعمره (838) سنة.
- وقف صبيح بأشيقر، وعمره (696) سنة.
- وقف الشيخ عبدالله العمير بالأحساء، وعمره (276) سنة.
- وقف الشريف غالب بمكة وجدة والطائف، وعمره (277) سنة.
- وقف المدرسة الصولتية بمكة، وعمره (152) سنة.
- مدرسة العلوم الشرعية ليتامى خير البرية بالمدينة، وعمره (102) مئة وسنتان.
كما تنوعت عوامل استدامة هذه الأوقاف المعمَّرة ما بين عوامل متعلقة بالواقف ونيته وقيامه على وقفه، إلى عوامل متعلقة بالأصل في حسن اختياره وصيانته وتعاهده وتنويع أعيانه. وفيها عوامل مرتبطة بالتوثيق من خلال صياغة محكمة ومراعاة المتغيرات، ومنها عوامل متعلقة بالمصرف في مرونته ومشاركة المتأثرين بالوقف في متابعته وتوسيع أفق المصارف وتنويعها. وكذلك عوامل متعلقة بالولاية على الوقف مثل وجود آلية لاستخلاف النظار ووضوح المعايير والضوابط. ومن المنطقي أن يكون منها عوامل قانونية مثل القضاء المستقل، والتكيف مع المتغيرات، واستقلالية الأوقاف، وجاءت أخيرًا عوامل عامة (متنوعة) مثل دعم المجتمع والتطوير المستمر، وهذه العوامل كما نصّت الخاتمة بعضها ظاهر في الأوقاف محل الدراسة كافة، واستبان بعضها في أوقاف دون غيرها، ولا شكّ في صعوبة إثبات بعضها، ومن المتيقن أن اللجوء لله عامل حسم في التوفيق والعون.
إنه لمن البصيرة التي يلقيها الله على قلب الموقف وعقله عندما يهديه لأن يحرص على حماية وقفه من التعطل، وجعله وقفًا دائمًا غير منقطع، لأن الوقف من أجلّ الأعمال وأقربها للقبول والأثر المبارك المستمر خاصة بعد مغادرة الحياة الدنيا إلى عالم برزخي بانتظار المبعث وما أغلى الحسنة فيه مع أختها. ولهذا فما أجدر الواقف والموقف بأن يجعل آثاره الوقفية أوقافًا طويلة العمر، فأيّ وقف طويل عمر يفيد صاحبه بذاته، وينفعه بانتصابه قدوة للمراقبين، ويخدم الدولة بأطرافها الحكومية والمجتمعية والأفراد، وربّ وقف عاد على منشئه بحسنات مثل الجبال لم يحتسب لها أيّ حساب من كثرة المقلدين والمتبعين والداعين والمستفيدين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 25 من شهرِ شعبان عام 1443
28 من شهر مارس عام 2022م
2 Comments
ما شاء الله تبارك الله
نبذة مختصرة وافية عن الدراسة، شكر الله لك وكتب أجر مساهمتك فيها، ودلالتك عليها بهذا المنشور الجميل.
جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
وكتب الله أجوركم