سير وأعلام

حصة البسام وطيب المنبت والمآل

Print Friendly, PDF & Email

حصة البسام وطيب المنبت والمآل

كانت حصة بنت محمد بن سليمان البسام (1356-1443) طفلة في حجر والديها تنعم بحسن التربية على يديهما، وتترقى نفسها بالكمالات المتدرجة من توجيههما بالقدوة والبيان. ولوالدتها مضاوي السليمان البسام فضل إضافي بتعليمها القرآن الكريم حتى ختمته في بواكير عمرها، وذلك في زمن لم يكن فيه مدارس منتشرة، ولا حلق علم وحفظ، ولما يفشو القلم بعدُ، فالكتبة والحفظة من الرجال قليل؛ فكيف بغيرهم؟

ولأنها عاشت في مكة إلى أن تزوجت، فقد نالت نصيبًا تعليميًا أرفع من المتعارف عليه عند جيلها من الجنسين، وأثمرت تلك الحصيلة العلمية في الفتاة فصار لها نصيب من اهتمام ثقافي وشعري استمر معها بل تزايد حتى في شيخوختها المتأخرة، وبان أثره على لطيف كلامها، وجميل فعالها مع الضعفة قبل غيرهم، وثاقب رأيها خصوصًا فيما أنشأته من مبرات وخيرات حسان، وما أحكم من يغترف من الحسنات وهو حي يسمع ويرى، ثم يجعل لها ديمومة بعد وفاته فلا تنقطع منه الصالحات برحيله، ولربما ارتفعت درجاته عند مولاه وهو ثاوٍ في رمسه مع أهل القبور.

ثمّ بعد أن تشربت الشابة النقية من المكارم في بيت أهلها آل البسام؛ فنهلت حتى ابتلت عروقها وارتوت نفسها، شاء الله لها أن تقترن برجل له ولأسرته اسم حاضر في إمارة بلدتهم، وموقع سنيٌّ في صنائع المعروف منذ القدم، وقدم راسخة في التجارة، وسبق لافت إلى الوقف، فلكأن الله جعل لهذه النسمة الطاهرة بيئة منزلية حاثة على الخير وكريم الخصال مع الأبوين ثمّ مع الزوج وآله، فهما بيئتان تشتركان في أصالة المحتد، وعراقة التاريخ، والمسارعة إلى الخيرات، والبراعة في أنواع التجارات.

ومع ما تحمله هذه النبتة الطيبة من جذور راسخة، وأوراق عطرية، وثمار يانعة، وشموخ باهر، ثمّ ما أضافت لها مؤسسة الزواج المقدسة من نور على نور، إلّا أنها لم تقتنع بهذا الحد وتكتفي به على أن به كفاية، وإنما أعانها الله فأوقفت من مالها ما شاء الله لها أن توقف، وأوصت بالصدقات الجارية في محياها وبعد وفاتها، والله يتقبل منها صدقاتها ووقفها، وينميه لها، ويوكله للخيرة من خلقه كي يبقى أثره، ويدوم أجره لأم حمد إلى أن تجده مرصودًا في صحيفتها يوم أن تتطاير الصحف، وإنه ليوم يحتاج فيه المرء الحسنة فما فوقها، والمحروم من جاءته الفرص تسعى فرفضها أو دفعها بالتسويف والظنون.

كما أنه من خبر هذه المحسنة الموفقة أنها عاشت في كنف زوجها الشيخ محمد العبدالله الجميح (1333-1425) منذ أن اقترنت به عام (1373)؛ فوجدت حولها عن اليمين والشمائل عدة رجال ونساء وأبناء وبنات لهم جميعًا يد طولى بالإحسان والعمل المجتمعي والوقفي إن مشاركة أو إدارة أو نظارة أو بها كلها، وذلك فضل الله حين يكتب للإنسان الانتقال في مراحل حياته كافة من موضع عطاء وهبة وفضل ومسابقة نحو الأجور إلى موضع مثله أو أعظم منه، فتستوثق صلته بهذه الأعمال الجليلة. وفي سيرتها ثمت ملمح تربوي في اصطفاء الأولياء الزوج المناسب للبنات والأخوات، ولقد كان والدها خبيرًا بزوجها، بصيرًا بشؤونه، حتى قبل أن يكون بينهما مصاهرة ونسب.

أيضا أشير إلى ملمح آخر لطيف يخلو من العصبية بإذن الله؛ ففي كل بلادنا محاسن ومناقب نعرفها ولا ننكرها ونحمد الله عليها؛ بيد أن هذه المرأة الصالحة، والحصة الثمينة المضيئة- وكل حصة لها من اسمها نصيب-، قد جمعت في حياتها بين بلدين نابهين في المحيط النجدي من خلال عراقة أسرهما، وحفظ تاريخهما، وكثرة علمائهما ومدارسهما، وانتشار التجارة بين أهلهما، ومبادرة بعضهم لوقف قسم من أموالهم، وأعني بالبلدين عنيزة الجوهرة -ديار أهل حصة-، وشقراء الآسرة -بلاد زوجها وبنيها-، وفي كل بقعة من أرضنا الغالية مآثر وحسنات لا تحصى.

أسأل الله لفقيدتنا التي توفيت يوم الأحد السابع عشر من شهر شعبان الرحمة والمغفرة، ولأنجالها وكريماتها وأحفادها وجميع آلها الصبر وحسن العزاء. والله يتقبل منها أحسن ما عملت، ويجعله لها من الذخر الباقي المتنامي الذي تنتفع به في آخرتها هي وأسلافها وزوجها وذريتها. ولقد كانت أم حمد في حاضرنا خفيّة بشخصها، معروفة بمنحها، ومشكورة بإنفاقها على المحتاجين، وعون جمعيات النفع العام، ومساندة المؤسسات الخيرية، وأيّ ثناء لذي مال أحسن من أن يُقال في حقه: “نعم المال الصالح للعبد الصالح”!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الثلاثاء 19 من شهرِ شعبان عام 1443

22 من شهر مارس عام 2022م

Please follow and like us:

4 Comments

  1. رحم الله وغفر للسيدة المحسنة حصة البسام . وكما تفضلت الكاتب الفاضل احمد . لكل حصة لها من اسمها نصيب .وجعل مثواها جنة الفردوس . ولعائلتها الصبر والسلوان على فقيدتهم . وبارك الله لها في اولادها واحفادها
    اخت لها في الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)