القرآن يستقبل رمضان
شهر شعبان الجميل من أخف شهور السنة وأسرعها مضيًا، وهو يقع بين شهرين عظيمين هما رجب الحرام ورمضان المبارك فنغفل عنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أغلبه استعدادًا للموسم الميمون بلغناه مولانا على خير حال. وقد ارتبط القرآن العظيم بشهر رمضان ففيه نزل وروجع، وفيه يكثر الناس من تلاوته وتدبره، ولربما أن العلاقة تجاوزت الشهر إلى الفعل؛ فغدا الصيام والقرآن قرينان من صالح الأعمال، والله يجعل لنا منهما الحظ الوافر والنصيب المتقبل.
وهاهنا بعض الأفكار التي يمكن وصفها بأنها من حسن استقبال شهر رمضان، وذلك بالاستعداد له فيما يخص ميزته الكبرى وهي الحياة مع القرآن الكريم سواء أثناء شهر رمضان أو قبله من باب التهيئة، وسيغدو من علامات القبول الاستمرار فيها حتى بعد نهاية الشهر الحبيب؛ فمنها:
- الزيادة في تلاوة القرآن الكريم عن القدر المعتاد.
- تنويع التلاوة ما بين تلاوة للختمة، وأخرى للتدبر، وهكذا.
- مراجعة المحفوظ وضبطه، وهو في رمضان سنّة مشتركة بين محمد وجبريل عليهما الصلاة والسلام.
- قراءة كتاب تفسير كامل أو قسم منه سواء من طوال الكتب أو مختصراتها. وأذكر أن أحد الزملاء قرأ خلال شهر رمضان تفسيرًا كاملًا فوهبه والده تلك النسخة النادرة إكرامًا له. وقد يعين على ذلك جعل القراءة متوافقة مع آيات صلاة التراويح، أو مع البرنامج الشخصي للتلاوة أو الحفظ.
- القراءة في كتب علوم القرآن حتى يعرف المرء شيئًا عن أحكام النسخ، وأسباب النزول، والقرآن المكي والمدني، وغيره من مفردات هذا العلم، وهذه الكتب فيها الواسع ومنها المختصر الذي لا يصعب على القارئ العادي.
- الاستماع لعدة قراء متقنين ذلك أن للسماع أثر في الفهم والتفاعل ودمع العين ووجل القلب.
- تدارس معاني السور إجمالًا وفوائدها على التفصيل مع الأسرة، ولو أن تقرأ الأسرة تفسير الفاتحة وقصار السور وآية الكرسي وأواخر البقرة.
- تصحيح التلاوة للصغار وكبار السن والعمالة مع الحرص على أن يحسنوا قراءة سورة الفاتحة.
- تحري أحد المعاني في القرآن الكريم أو إحدى الكلمات وتتبع تفسيرها مثل: فعل (قل)، وكلمة (لعلكم) و أنواع (الرزق)، وافتراء الأقوام والملأ على الأنبياء والمصلحين، وعقوبات الظلمة، وآيات النصر، والأماكن في القرآن، والأسماء الأعجمية، وغيرها فكتاب ربنا لا يخلق على كثرة الترداد، ولا تفنى فرائده.
- القراءة في غريب القرآن ونشر معاني تلك الكلمات الفصيحة الرفيعة واستخدامها، ولهذا العلم العزيز كتب مختصرة وأخرى مطولة.
- البحث عن لطائف التفسير إن في كتب التفسير أو في شروح الأحاديث وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، أو في بعض ما صنّف في هذا الباب.
- التخطيط الجازم لختمات المصحف الشريف سنويًا، وتمييز المواسم مثل رمضان، وعشر ذي الحجة، وأيام شدّ الرحال إلى مكة أو المدينة أو القدس، وقضاء الجوار النفيس فيها.
- منح العناية لكل ما يتصل بالقرآن الكريم مثل إذاعات القرآن، والتطبيقات القرآنية، وطباعة المصحف، ورسمه، والبرامج المرئية المرتبطة بالكتاب المجيد، والكتب التي تصدر تباعًا حوله.
- المشاركة المالية أو الفكرية أو البدنية أو الوجدانية في أي مشروع يعتني بالقرآن العزيز طباعة ونشرًا وحفظًا وتلاوة وفهمًا، ولو بأقل قدْر من المشاركة.
- رفد المكتبة المنزلية بالمواد المطبوعة والمسموعة والمرئية في القرآن وعلومه كي تكون أمام عيون أفراد الأسرة.
وكما ارتبط القرآن الكريم بشهر رمضان الميمون؛ فكذلك للسنة النبوية المطهرة علاقة وثيقة بالصيام ورمضان وبجميع الأحكام والمواسم، ففيها تفصيل وبيان لما أجمل في القرآن ذكره أو حتى لم يرد عنه شيء هناك. وإنه لمن تمام العناية بالقرآن الكريم أن يلتفت المسلمون إلى سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهي وحي يوحى، فلم يكن الرسول الخاتم ينطق عن الهوى، وتلك مسألة واضحة لدى المسلمين حتى مع محاولات صرفهم عن معينها العذب الصافي؛ فسبحان من جعل في رمضان ترسيخًا وتثبيتًا لهذا المعتقد عند العباد؛ فأكثر أحكام الصيام مستقاة من السنة، ويسعى الناس -محسنهم ومسيئهم- لترطيب أفواههم وتليين قلوبهم بقراءة القرآن الذي يؤكد على حتمية اتباع النبي الأكرم وطاعته، ومرجعية سنته المطهرة.
فاللهم آتنا من لدنك رحمة إثر رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا يتبعه رشدًا، واجعلنا دومًا من السباقين لكل ما يرضيك، المسارعين للتوبة والأوبة، والخروج من الآثام والذنوب كبيرها وصغيرها، العام منها والخاص، على الوجه الذي يرضيك عنا، وإن في رمضان لفرصة سانحة لمن وفقه الله لاغتنام هذه المزية التي ورد التأكيد عليها في السنة المحمدية الطاهرة الخالدة حينما روي لنا أشياخ الحديث أن رغام الأنف يستحقه من أدرك رمضان فلم يغفر له!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الجمعة غرة شهر شعبان عام 1443
04 من شهر مارس عام 2022م