ويسألونك عن بوتين!
تركت المقروء الذي بيدي وأنهيت العاجل منه بسرعة، وفزعت إلى كتاب اشتريته فيما سبق عنوانه: بوتين رؤية مغايرة للسلطة، تأليف: هوبرت سایبل، نقله من الألمانية إلى الفرنسية کلود هاينجلي، ونقله إلى العربية د.موریس شربل. صدرت الطبعة الأولى منه عام (2018م) عن جرس برس ناشرون، ويقع في (286) صفحة مكونة من مقدمة بعنوان إمبراطورية الشر والأمم، يعقبها اثنان وعشرون مقالًا فملحقان فيهما جدول زمني ثمّ المراجع فالفهرس. والكتاب فيه أخطاء مطبعية، وترجمة عسرة في بعض المواضع.
يقف الكتاب على أهم آراء بوتين التي يعلنها أو فهمها المؤلف منه أو قيلت عنه، كما يستعرض التهم الغربية للقيصر الروسي بالديكتاتورية، ومحاربة حقوق الإنسان، وجنون العظمة، وشهوة السلطة، ويلصقون به أي نقيصة مثل الاختلال العقلي أو النفسي بمجرد أن يغيظهم. وقد ألّف الكاتب كتابه بعد مرافقة لبوتين في حضوره وسفره، وفي عمله ومنزله، وعقب مصاحبته في مكان عزلته أو عند ممارسته الرياضة، وطبعًا خلال جولاته البرية والبحرية والجوية، ولم تخلُ تلك الفرص من نقاش وحوار بينهما.
أما مبادئ بوتين وملامح شخصيته التي تتضح لقارئ الكتاب بلا ريب فمنها ولعه بالتاريخ والرياضة، واعتزازه باستقلال بلاده عن الغرب وقيمه التي يحتقر بعضها. ومنها كذلك إيمانه المطلق بأولوية مصالح روسيا، وشكه الدائم بأمريكا ووعودها ونواياها، وفقدانه للثقة بالغرب ومعاهداته. وفيها أنه يعزل عمله السياسي عن حياته الشخصية، ويسعى لاسترضاء مواطنيه والمؤسسة الدينية والتاريخية في بلاده، ويكمن همه الأعظم في استعادة قوة روسيا ومكانتها، وحماية أمنها القومي.
وسوف أستعرض أدناه أهم أفكار الكتاب دون أن أنسبها جميعها، وهي من أقوال بوتين أو المؤلف أو محبي سيد الكرملين أو مبغضيه وناقديه، وربما أني سأختصر بعض كلماتها أو أتصرف في الصياغة تصرفًا يسيرًا، وربما يكون في بعضها تكرار، ومن المؤكد أنها لا تعني تزكية الرجل أو طريقته، فمنها:
- بعد أن شغل غيابه في مارس (2015م) العالم قال بوتين: لم أقدر ظاهريًا الاهتمام المعطى لشخصي حق قدره.
- لم يُكتب في الغرب عن سياسي آخر بقدر ما كتب عن بوتين، ولا يمر يوم دون قراءة أمر متعلق به، وغالب التعليقات حوله غير إيجابية.
- هناك شك في الغرب بأن لدى بوتين غايات مهلكة.
- ساهمت أحداث أوكرانيا عام (2014م) في جعل ظاهرة بوتين مثالًا للشر.
- استأثر فلاديمير بوتين بالاهتمام الإعلامي حتى أضحى موضع جدل عند الكثيرين.
- لأنه سياسي: يؤدي بوتين كل الأدوار التي تعود عليه بفائدة.
- يقول بوتين: ليس لبناتي أي مهمة سياسية وعلاقاتي الشخصية لا تتعلق بالأمور السياسية.
- تعلم بوتين كيفية الإمساك بمحركات السلطة خلال عمله القصير مع يلتسن.
- حاول بوتين بعد أن أصبح رئيسًا إعادة منح أمته الشعور بقيمتها الخاصة.
- لأجل الاعتزاز بالذات عرف تاريخ بلاده واستوحى العبر من دروس ماضيه.
- يمثل امتداد الحلف الأطلسي باتجاه الحدود الروسية امتدادًا متعمدًا لصراع الحرب الباردة.
- بعد أن دعم الغرب المتظاهرين لقلب نظام الحكم في أوكرانيا بادر بوتين بضم القرم.
- سعى بوتين مع شركائه في الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا إلى تأسيس مصرفين للوقوف في وجه البنك الدولي وصندوق النقد.
- ليست الوطنية في حب السلطة بل بمحبة الوطن.
- يحرص بوتين على تأكيد هوية بلاده والتذكير بأحداث تاريخية حتى لو غاب زعماء الغرب عن المشاركة في الاحتفالات.
- ليس لقيم الغرب أي قيمة لدي؛ ويجب أن أكون كما يريد شعبي.
- تريد غالبية الروس دولة ديمقراطية بتصور روسي بدون مساعدة الخارج أو نصائحه.
- أتباع الغرب في روسيا يعانون من عقدة الدونية.
- يستفيد الرئيس الروسي من المؤتمرات والمناسبات بجعلها منصة لمخاطبة الآخرين.
- إن إرادة فرض نموذج خاص من طرف واحد على كل العالم يؤدي إلى نتيجة معاكسة.
- ترى الطبقة السياسية في روسيا أن العقوبات الغربية على موسكو تضع البلد على السكة الصحيحة.
- بالنسبة لنا الأمر دائمًا واضح: لا يجوز أن يتوسع الحلف لأطلسي نحو الشرق.
- أي وعد لا يثبت كتابيًا ضمن معاهدة عالمية فلا قيمة له لأن الوعود تكون كاذبة أو تنسى.
- روسيا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأوكرانيا، ليس تجاريًا فقط، بل أيضًا تاريخيًا وشعوريًا.
- جزء من مهمة السياسي محاولة جعل الخصم مسؤولًا عن تصعيد النزاع.
- لم يكن فلاديمير بوتين بخيلًا في تحذيراته خلال خطاباته التي يلقيها.
- يتخذ الغرب قراراته دون أن يستشيرنا ويريد منا أن نثق بنواياه.
- لم نتعلم حتى الآن أن نثق ببعضنا – أي روسيا وأمريكا وأوروبا-.
- يفسر بوتين أحاديث البيت الأبيض عنه وعن الشأن الروسي على أنها فعل عدائي وتدخل في الشؤون المحلية.
- أقسم بوتين والناس يشاهدونه على أن يحافظ على السيادة والاستقلال، والأمان وتكامل الدولة، وأن يخدم الأمة بكل أمانة.
- بوتين مثل العديد من الساسة قادر على تغيير سحنته تبعًا للانطباع الذي يريد منحه.
- يعتقد بوتين أن انقسام الكنيسة الأرثوذكسية أصبح تمزقًا أصاب كل المجتمع ولا مناص من تحقيق وحدة الكنيسة فنفع ذلك يعود إلى الروس كافة.
- يلح بوتين بدون توقف من أجل إيجاد اتفاق بين الإخوة في الدين.
- تمثل الكنيسة جزءًا من تاريخنا المشترك.
- بعد ثمانين سنة من العلمنة تبقى الحاجة إلى الفداء كبيرة.
- دون استكمال التقاليد التاريخية والدينية لا يوجد عندنا هوية وطنية، ووحدة الكنيسة تساعدنا في هذا الاتجاه.
- يمكننا ألّا نجعل للكنيسة ثقلًا أخلاقيًا فقط بل ذات ثقل اقتصادي كذلك.
- سلكنا على المستوى السياسي تجربة تعزيز الهوية الروسية بمساعدة الدين.
- ظهر في المدن الروسية الكبرى جيل جديد سوف يتمسك أكثر بإعادة اكتشاف الدين.
- لا يرضى بوتين بالقول إنه مسيحي فقط، بل يمارس دينه ويعي مسؤولياته كما يقول الأب الكاهن تيكون المرشد الروحي لبوتين.
- لدى دير هذا الكاهن رسالة للشعب مفادها تحذير موسكو من انحلال الغرب، ولديه رسالة لإخوانه الكهنة خلاصتها أهمية أن يربحوا المال بأنفسهم ليكونوا مستقلين عن الساسة وغيرهم.
- ليس تيكون صديقًا وكاهنًا لبوتين فحسب، بل هو مساعد أساسي له في إدارته لإعادة الكنيسة إلى الوعي الجماعي على أنها مكون كبير من مكونات التاريخ الروسي، فالكنيسة والدولة منذ زمن بعيد على طول الموجة نفسها.
- ليس لدينا سوى تاريخ واحد، وإذا لم نضطلع بماضينا فلن يكون لنا مستقبل.
- على روسيا الآن أن تجد مسارها الخاص.
- شكل التزام الأب تيكون بالله والوطن نوعًا من التوازن بين القومية الدينية وحب الوطن، وأصبح هذا التوازن جزءًا من السياسة الداخلية الإستراتيجية لبوتين.
- تحت حكم بوتين أعادت الأمة الروسية اكتشاف ماذا يعني أن تكون روسيًا.
- أحكم بوتين سيطرة النظام على المؤسسات غير الحكومية الناشطة سياسيًا والمدعومة من الغرب لزرع قيمه في المجتمع الروسي، ووضع بذلك حدًا لها يمنعها من تحقيق مرادها.
- أيقن بوتين أن الغرب تورط في حملات مسعورة ضده.
- ما يزعج بوتين هو سعي الغرب لفرض أخلاقه السياسية على روسيا.
- عندما قاوم بوتين الشذوذ (المثلية) بتأييد من الكرملين أجاب تعليقًا على غضب الغرب: إنه قرار يتعلق بمجتمعنا وليس بالآخرين.
- للغرب أنظمته الخاصة في السلوك وسوف نبقى دائما بآراء مختلفة كما أشار الأب تيكون.
- روى بوتين لمن حوله أنه لا يستطيع تبديل معتقداته.
- حتى لو أجبرت بعض الأوضاع بوتين كي يظهر مرونة مطلقة إلّا أن ذلك لا يبدل من قناعاته العميقة، ولذلك يصافح الشواذ-المثليين- ويجتمع معهم خلال زياراته للدول مع أنه يحتقرهم ويشمئز منهم ومن فعلهم.
- استخلص بوتين درسًا من الانتخابات محتواه أن وسائل الإعلام تصنع آراء عامة دون أن تكون معبرة بالضرورة عن الحقيقة.
- يمكن استخدام الإعلام في المجال السياسي فهو سلاح رهيب للغاية.
- بوتين نموذج للرصانة والاعتدال وقلة الكلام مع تقديم تقارير دقيقة وإجادة الوقوف على الحياد والمراقبة عن بعد. هكذا وصفه رئيس الأركان قبل أن يصبح رئيسًا للبلاد.
- الدروس المستفادة من تجارب سنة (1990م) وما بعدها هي أن تجريب النماذج المجردة المأخوذة من كتب الغرب لا تضمن أي نجاح لروسيا، فعلى كل بلد أن يجد طريقته الخاصة.
- لدى بوتين وصفته الخاصة في صناعة التحالفات والروابط وتقريب الرجال الذين يثق بهم حتى لو خالفوه في الرأي.
- يستطيع بوتين أمام الكاميرات أن يلعب أي دور.
- العمل العسكري هو اللغة الوحيدة التي يفهمها الغرب عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالح روسيا.
- أوصلت كونداليزا رايس رسالة من بوش إلى بوتين بخصوص جورجيا، فحمّلها بوتين جوابًا مختصرًا لرئيسها هو: أعرف ماذا يجب أن أفعل!
- لا يرتكز الضمان الوطني على وعود خصوصًا أننا سمعنا فيما مضى تطمينات وتأكيدات خالفها الواقع.
- ظهور كتلة عسكرية على حدودنا يعتبر تهديدًا لأمن روسيا.
- توسع حلف شمال الأطلسي يقوض الاستقرار.
- في السياسة يقول لك الناس وهم ينظرون إلى عينيك أشياء لا يعتقدون بصحتها.
- أحيانًا يعلّق بوتين على بعض الأحداث برسم إشارة الصليب.
- بعض الساسة بارع بإعادة تسخين النزاعات المجمدة.
- الولايات المتحدة ليست مهيأة ظاهريًا لاعتبارنا شركاء متساوين كما يقول بوتين.
- بوتين على قناعة تامة بأن أمريكا ليست محور الدنيا.
- للرياضة مكانة أساسية في حياة بوتين لدرجة أنه لا يعرف كيف ستكون حياته بدونها، وهو يمارسها بانتظام منذ خمسين عامًا.
- إذا أردنا أن نكون جديرين برحمة الله ينبغي ألّا ننسى أنه خلقنا كلنا متساوين.
- من الأهمية الأساسية أن نتعلم احترام مصالحنا الإستراتيجية المتبادلة وذلك بالأفعال وليس بالكلام فقط.
- الطريقة المستخدمة في السياسة هي أن تعطي كي تأخذ البدل.
- روسيا مستعدة للتعاون لكن ليس ضد مصالحها.
- أوكرانيا مهمة لبوتين؛ لأن روسيا بدون أوكرانيا قوة شرقية فقط، وإنما مع أوكرانيا تصبح قوة غربية أيضًا.
- يلح بوتين منبهًا على خطورة ألّا تؤخذ مصالح روسيا في الحسبان.
- استنتج بوتين أن كل تنازل من قبله يؤدي إلى تشجيع الغرب على زيادة الضغط.
- العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا مؤلمة لكنها تطال أوروبا بطريقة غير مباشرة.
- رفض بوتين توصية وزير المالية الروسي معللًا رفضه بأن تلك التوصيات سوف تحقق تقدمًا اقتصاديًا لكن ملايين الناس سيصبحون في الشارع بعد خسارة أعمالهم.
- رفض بوتين إرسال وزير الخارجية الروسي إلى مفاوضات في كييف عام (2014م) لأنه لم يرد إحراج وزيره الذي يمثل الدولة، ورأى إيفاد موظف من مستوى أقل بحجة أن أي اتفاق سيبرم فمصيره الرمي!
- يرى بوتين أن إدارة العلاقات الخارجية بواسطة وزراء الخارجية أفضل من أي خيار آخر.
هذا هو القيصر ورجل الدولة الروسي الذي أشغل العالم سلمًا وحربًا، ولا ندري هل سيكون الجنون هو سيد الموقف بعد الأحداث الأخيرة التي نشهدها هذه الأيام في أوكرانيا فتندلع حرب عالمية ثالثة بين الأقوياء، أو يرجع أولئك القوم إلى رشدهم الذي يستكثِر أن يرى غربيًا قتيلًا أو شريدًا أو لاجئًا، ويستعظم أن تُقصف مدن في ديارهم، أو تُراق دماء شعوبهم ويهان إنسانهم الغالي، وأيًا يكن فاللهم آمنا في الأوطان، وزدنا من فضلك والإيمان، وأجرنا من الشيطان، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين غانمين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 30 من شهرِ رجب الحرام عام 1443
03 من شهر مارس عام 2022م