عرض كتاب مواسم ومجتمع

محمد العبدالله الجميح وبراعة الاستثمار!

محمد العبدالله الجميح وبراعة الاستثمار!

ليس بعسير تفسير استمرار عزاء الشيخ محمد العبدالله الجميح (1333-1425) لمدة تقترب من عشرة أيام خلافًا للمعتاد، وليس بغريب أن يتوافد على مكان العزاء الناس باختلافهم وفيهم الملوك والأمراء والعلماء والوزراء والوجهاء والفقراء والمثقفون وغيرهم، هذا غير البرقيات والرسائل والتعازي الصحفية، ذلك أن هذا الرجل العصامي كوّن مع أخيه الراحل مبكرًا الشيخ عبدالعزيز العبدالله الجميح (1323-1376) معلمًا تجاريًا وخيريًا وأسريًا لا يمكن تجاوزه لمن شاء دراسة هذه المحاور إن في زماننا أو في بلادنا.

تأملت ذلك وبين يدي التقرير السنوي (2021م) لمؤسسة محمد بن عبدالله الجميح الخيرية بعنوان: 1000 مشروع، وهو عنوان يعبر عن تجاوز مشروعات المؤسسة لهذا العدد منذ نشأتها الحديثة بهذا الاسم، وإن كانت بركات آل الجميح بعامة، وحسنات شيخنا في هذا المضمار قديمة راسخة، فهم من أئمة العطاء والإحسان، وما هذه الألفية خلال أربع سنوات إلّا أحد الأدلة لتعزيز هذا الرأي، ففيما بين عامي (2018-2021م) أقامت المؤسسة على التوالي من المشروعات ما يصل إلى (257) و (274) و (184) و (289)، وتقارير هذه السنوات بمشروعاتها متاحة إلكترونيًا عبر روابط (مبركدة) تظهر في أول التقرير المطبوع؛ فالخيرية نقيّة لا تتوارى، وليس فيها أو عليها مأخذ بإذن الله.

ابتدأ التقرير بصورة من صك الوصية، ثمّ صورة جميلة للشيخ مع أنجال أخيه الراحل محمد، وعبدالرحمن -رحم الله الجميع-، ومع الشيخ حمد بن عبدالعزيز العبدالله الجميح حفظه الله. وفيما بعد سُردت مصارف الوصية العشرة وكلها في مرضاة الله، ونفع عباده، مع المشاركة في حمل العبء الذي تتولاه الأجهزة الحكومية. وتنطلق المؤسسة في رؤيتها ورسالتها وأهدافها لأجل تنفيذ وصية الشيخ؛ فهي أمانة شرعية واجبة الرعاية والحياطة بما يحقق لها الغبطة، وبلوغ الغايات النبيلة، ولا ينحرف بها عن مراد شارطها، وإنها لمحمدة تحسب للمؤسسة والقائمين عليها والمتابعين لأعمالها؛ لأن وجود النموذج الصالح الناجح يشجع الآخرين على الاحتذاء، ويطمئن المترددين والحذرين، ويعلي من ثقة المجتمع بأثريائه ومؤسساته؛ وما أعظم ثواب من سنّ سنة حسنة باقية في الإسلام.

ونجد في مجلس النظارة على الوقف الذي يترأسه معالي الشيخ أ.د.صالح بن حميد خمسة أشخاص من خارج الأسرة العريقة، منهم أربعة مشايخ، ثلاثة منهم أئمة للحرمين الشريفين، واثنان من أعضاء هيئة كبار العلماء، والخامس شخصية رسمية وقورة من أهل الفضل والمعرفة ومن رجال الدولة الثقات. ومعهم أربعة من أنجال الشيخ، فحفيد وسبط، ويعاونهم مستشار قانوني، ومدير خبير بالشأن الخيري والإداري. وينبثق عن المجلس لجنة تنفيذية، وأخرى للاستثمار، وفيهما أصحاب خبرة وتجربة يُركن لمثلها بعد توفيق الله، وما أحرى هذه الأعمال بحسن الترتيب والتنظيم بما يضمن لها النُّجح واستقلالية القرار عن الهوى والمصالح الفردية، وهو الظنّ بمثل هذه المؤسسة وبالقائمين عليها.

ثمّ يتابع التقرير عرض سياسات المنح في المؤسسة، ويفصل في بيان مشروعاتها منذ بدايتها الرسمية، وهي مشروعات متنوعة فيها ما يخصّ الحرمين الأقدسين، وشقراء البهية، وكثير منها عام تشمل منافعه أرجاء البلاد العزيزة بطولها وعرضها. ومنها مشاريع استدامة، وأخرى تقنية، وثالثة نوعية. ولهذه الأعمال بالتأكيد ثمار كما يوضح التقرير عبر مجالات المنح، ومن البشائر ذلك القسم الذي يتحدث عن التميز المؤسسي بما فيه من حوكمة وجودة وتقييم ومتابعة وزيارات ونظم متينة ومراجعة مستمرة، وصولًا إلى ختام التقرير ضارعين إلى المولى بقبول العمل وتنميته عنده، وعلى الغلاف الأخير دلالة على سبل التواصل مع المؤسسة.

فيا من تقرأ: كم من عظيم رحل فاختفى اسمه، وطمست آثاره، ولم يكد أحد أن يذكره، بيد أن الراحل الشيخ محمد العبدالله الجميح لا يزال بيننا من خلال وقفه الناجز المضبوط شرعيًا ونظاميًا، المصان بعمل مؤسسي رسمي، والمحفوظ بوصية ذات نصّ شرعي موثق، ومجلس من الأمناء امتازوا بالاستقلالية والحرص على حمل الأمانة وأدائها -نحسبهم-، وما أسعد المرء الذي ينوي الخير، ويمضي في تنفيذ نواياه الطيبة بنفسه، كي يرى بعينه ثمارها، ويضمن بقاءها عقب نهاية أيامه، فيفوز بأجورها في برزخه ويوم مبعثه حين تتطاير الصحف، ولعل ربنا الجواد الرؤوف أن يعم بأجرها جميع من شارك في هذا المنجز من قريب أو بعيد، ولو بكلمة مساندة، أو رأي إيجابي.

كذلك فهنا ملمح آخر لا يُغفل مثله لجلالته وندرته؛ فلم يورث الشيخ لذريته وآله أصالة المحتد، وعراقة الأسرة، وطيب الأخلاق، والمال والشركات، والاسم الرفيع في الأعمال والإحسان، على ما لهذه الموروثات من قيمة معنوية ومادية سامية، وإنما كان من توريثه الأسنى لهم أن سرت في نفوسهم الكريمة نفحة من أبيهم الكبير فيها محبة الوقف وعمل الخير والمسارعة إلى المكارم والمآثر عبر الاستثمار الأخروي، حتى كاد جميع ورثته أن يكونوا من الموقفين المنفقين.

وتلك لعمركم مزية يُساق في مثلها الذهب الأحمر وما هو منه أغلى، فما أحسن أن تكون الذرية بعضها من بعض في صنع المعروف، والمسابقة إلى الفضائل والنجدات، وفي التشارك بالحسنات والباقيات الصالحات التي يرويها لاحق عن سابق، ويحفظها جيل آتٍ عقب آخر، ولن أغرب إذا قلت بأن آل الجميح سيكونون من أعلام الواقفين في هذه القرون المتأخرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والباب مشرع لمن أراد الدخول فيه باسم على الله، وعلى بركة منه ورضوان.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 29 من شهرِ رجب الحرام عام 1443

02 من شهر مارس عام 2022م

Please follow and like us:

4 Comments

  1. رحم الله الشيخ محمد العبدالله الجميح وجعل مثواه جنات الفردوس وبارك له في ذريته . اللهم لاتحرم الامة الاسلامية من امثال هولاء المحسنين اينما كانوا . والدال على الخير كفاعله لك ياستاذ احمد . انت تكتب ونحن القراء نقرا ونترحم على الاموات . ونسال الله ان يحفظ الاحياء منهم . ويكثر من امثالهم

  2. مرحبا أخي أ. أحمد ..إنها لدلالة خير وضميمة بشر كتابة هذا المقال عن هذه المؤسسة الوقفية المباركة ، برجاء أن تقترح على مجلس الأمناء فتح المجال لغيرهم من عآمة الناس بالإيداع في حسابها الاستثماري رعاية لديمومة فعل الخير ، وما الظن بأمثالهم ممانعة ذلك

    1. حياكم الله أخي عيسى، وفيما يخص المقترح فالمجال متاح مع مؤسسات وقفية قرآنية ودعوية وأسرية وطبية وثقافية للتبرع لها عبر قنوات رسمية. المؤسسات المرتبطة بأوقاف شخصية تكتفي بوقفها غالبا. والله يرعاكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)