نبذة عن سير الوزراء بأقلام غيرهم!
كتبت فيما سلف من أيام قريبة مقالة عن السير الذاتية التي كتبها عدد من الوزراء حسبما أعرف، فسأل سائل عن الكتب التي صدرت عن الوزراء بأقلام غيرهم؛ فأجبته بصعوبة إحصاء هذا النوع عليّ، وللتدليل على هذا الرأي فبعض الوزراء يوجد عنه أكثر من كتاب مطبوع، وبعضهم ربما كتب هو سيرته الذاتية مثل الخويطر والقصيبي وغيرهما ولم يمنع هذا من التأليف عن حياتهم وأعمالهم، ولعلّ ذلك السؤال هو الذي حفزني لكتابة مقالي الإلحاقي هذا دون استقصاء لا يسعفني الوقت له.
ويبدو لي أن د.عبدالرحمن الشبيلي من أكثر الذين ترجموا للوزراء في كتب مستقلة، وبدأ المسيرة بكتابه الفذ عن قريبه السفير الشهير الشيخ محمد الحمد الشبيلي الذي صار وزيرًا لمدة يومين واستعفى مباشرة من المنصب مفضلًا العمل الدبلوماسي على عضوية مجلس الوزراء مع تقدير ذلكم الاصطفاء وتلكم الثقة. علمًا أن عنوان الكتاب المشار إليه هو “محمد الحمد الشبيلي أبو سليمان: سفير المملكة في العراق والباكستان والهند وأفغانستان وماليزيا”، وهو سفر نفيس تتزاحم فيه الفضائل بين الكلمات والأسطر.
ثمّ ألّف أبو طلال -د.عبدالرحمن الشبيلي- كتابًا عن وزير العمل والشؤون الاجتماعية الشيخ عبدالرحمن العبدالله أبا الخيل، ومن الموافقات أن يكون الوزير أبو أيمن هو الذي خلف الوزير أبا سليمان-محمد الحمد الشبيلي- عقب اعتذاره عن المنصب. والشيء بالشيء يذكر فالشيخ عبدالرحمن هو الأخ الأكبر لزوجة أبي طلال الشيخة النبيلة زكية بنت عبدالله المنصور أبا الخيل. وفي خاتمة الكتاب تمنى الشبيلي على نسيبه أبي أيمن أن يتفرغ لكتابة سيرته وهو مالم يحدث مع الأسف.
وللشبيلي كتاب عن وزيره الذي أحبه كثيرًا، وهو ثاني وزير إعلام سعودي، أعني الشيخ إبراهيم العنقري، وهذا الكتاب من باب الوفاء للرجل عقب رحيله عن الحياة الدنيا. ومن ضمن كتب الشبيلي الوزارية تفريغ لقاء تلفزيوني له من حلقتين مع وزير المالية الأمير مساعد بن عبدالرحمن، وأضاف عليه مواد أخرى ثم أصدره بكتاب عنوانه: “الأمير مساعد بن عبدالرحمن آل سعود: في حوارات تلفزيونية توثيقية وقراءات في سيرته وشخصيته”، ولا غرو فللمؤلف علاقة مجلسية وثيقة بالأمير، وبينهما وداد وتقدير ومحبة.
كما اشترك د.عبدالرحمن مع صديقه وصفيه الثقافي د.إبراهيم التركي في جمع مقالات كتبت عن وزير المواصلات د.ناصر السلوم، ووزع الكتاب في احتفاء لجنة أهالي عنيزة بابنهم الوزير، وعنوانه “الدكتور ناصر بن محمد السلوم: درب من الحب”، وليت أن الوزير السلوم يبادر لتدوين سيرته فله آثار ظاهرة على قطاع النقل، وعنده جرأة إدارية ومجتمعية نحتاج لفهم فلسفتها. وآخر كتاب أذكره للشبيلي كان إعادة نشره لمضمون لقاء خاص مصور من جزءين أجراه مع الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى ووزير العدل الأسبق.
وإذا أردنا استعراض تاريخ مجلس الوزراء فستبرز لنا أسماء من أعضائه لا يمكن غضّ الطرف عنهم، وقد ظفر الأستاذ محمد السيف بالسبق لتأليف كتابين ضخمين عن وزيرين ينتميان لتلك الأسماء الخالدة. وفي الكتابين استقصاء وإسهاب بعضه قابل للاختصار، ولاريب أن صنيع المؤلف فيه إحسان لتاريخنا الإداري بحفظ أخبار المؤثرين من رجال الدولة. فأول كتاب تناول سيرة وزير النفط الأول الشيخ عبدالله الطريقي بعنوان: “عبدالله الطريقي: صخور النفط ورمال السياسة”، وثانيهما استوعب مسيرة الشيخ ناصر المنقور قبل الوزارة وبعدها وخلالها، ومن اللافت أن هذين الوزيرين لم يطل بهما المكث في العضوية، ومع ذلك فلهما اسم حاضر لا يغيب.
كذلك استعظم الكاتب والأديب الأستاذ حمد القاضي أن تخلو المكتبة السعودية من أيّ كتاب يجمع أشتات سيرة وزيره وصديقه الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي ووزير المعارف قبل ذلك، وهو أصغر الوزراء سنًا في تاريخ مجلس الوزراء من غير الأمراء؛ ولذلك كتب حول شخصية الوزير كتابًا مشرقًا بالمحبة، نابضًا بالنبل. وأصدر أ.د.عبدالرحمن بن سعد العرابي كتابه عن الوزير الشيخ عبدالله السّليمان الحمدان، بينما حملت شركة تارة الدولية على عاتقها مسؤولية إصدار كتاب مصور عن الوزير السليمان وتاريخه.
ولا يحسن بي إغفال العمل البهيج الذي انتدبت نفسها له أ.د.نورة بنت صالح الشّملان لحصر جميع ما كتبه المحبون والمتأثرون عن زوجها الراحل د.سليمان السليم وزير التجارة ثم المالية، وعقب الحصر نشرت تلك المقالات في كتاب ضخم تُشكر عليه لجميل صحبتها لزوجها بعد فراقه الدنيا، ولو استطاعت أو أحد أبنائها أو بناتها استخلاص أهم ماورد في مقالات الكتاب الآنف، وإضافة ما ذكره د.القصيبي عن زوجها في سيرته “حياة في الإدارة” أو أورده عنه د.الخويطر في “وسم على أديم الزمن”؛ لجاء الكتاب مختصرًا وفيه لباب مركز يستأهله الوزير السليم.
هذا الذي يحضرني الآن دون تقصٍ أو تنقيب، وكم أتمنى لو كانت كتب التراجم خاصة عن الشخصيات المهمة تنزع صوب حصر المواقف والمرويات، ونقل الآراء والكلمات، ورصد المنجزات والأعمال، وتحليل الاجتهادات والتصرفات، ودراسة منبع الشخصية وتكوينها والعوامل المؤثرة فيها، فهو أجدى من الكلام الإنشائي البارد الذي يستطيع تسطيره غالب الكتّاب، ومع الأسف أننا بلينا بهذا النوع الأخير الذي لا يغني، ولا يفيد، ولا حتى يطرب، ويستعلن بلا خفاء أو حياء.
ويمكن لمن شاء الاحتفاء بشخصية مركزية ذات أثر ومكانة أن يستكتب لها أصحاب الاختصاص، والعارفين بها، والمتعاصرين معها، حتى يجتهد كل واحد منهم في كتابة بحث أو مقالة طويلة أو حتى قصيرة، والمهم أن تكون مستوعبة يظهر عليها أثر التعب والنصب العلمي والفكري، وليست تصفيف جمل وكلمات، وأن تحتوي على مادة ثرية يناسب الاستشهاد بمضمونها، ويقبل الإحالة عليها، وتبرأ بها الذمة عند الله أولًا وقبل كل شيء، ثمّ بين يدي القراء، ولدى مقام التاريخ الذي لا يغفل وإن تغاضى وأطرق طرفه شيئًا يسيرًا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
ليلة الخميس 20 من شهرِ ربيع الآخر عام 1443
25 من شهر نوفمبر عام 2021م