عنوان هذا الكاتب الأصولي الماتع: عوارض الأهلية عند الأصوليين، تأليف: د.حسين خلف الجبوري، وهو رسالته للدكتوراة في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، صدرت طبعته الأولى عن معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى عام (1408=1988م)، ويقع في (598) صفحة مكونة من افتتاحية وفصلين درسا الحكم الشرعي والحقوق المرتبطة بالمكلف، ثمّ ثلاثة أبواب فملحق بأسماء الأعلام يعقبها المصادر والمراجع التي تقترب من مئتي كتاب فالفهارس.
يتحدث الباب الأول عن معنى الأهلية وأنواعها وفيه أربعة فصول. والأهلية هي صلاحية الإنسان لما يجب له من الحقوق وما يلزمه من الواجبات بعد توافر الشروط اللازمة في المكلّف لصحة ثبوت الحقوق له والواجبات عليه، وهذا التعريف يجمع ماورد في عدة تعريفات. ومناط الأهلية هو العقل، وهي نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء، ولكل نوع تعريف ومناط وأحكام وأقسام.
فأهلية الوجوب هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، وهي ثابتة لكل إنسان وملازمة لوجود الروح في الجسد دون التفات لعقل أو بلوغ أو رشد أو جنس؛ بل إنها تثبت للجنين في بطن أمه كالإرث والنسب والوصية. ويرتبط بهذه الأهلية وجود ذمة للإنسان، تلك الذمة التي تثبت شرعًا لكيانات لا حياة فيها مثل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية؛ فلها حقوق وعليها واجبات، ولذا فهذه المؤسسات ذات شخصية اعتبارية. وسميت أهلية الوجوب بهذا الاسم لأنه ينظر للإنسان من جهة كونه صالحًا لأن يجب له ويجب عليه، وهي قسمان أهلية وجوب ناقصة مثل أهلية الجنين، وأهلية وجوب كاملة للبالغ، وتنقطع هذه الأهلية بموت الإنسان إلا إن كان مدينًا.
أما أهلية الأداء فمعناها صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجه معتبر شرعًا، وقيل معناها أهلية المعاملة، وبها يكون الشخص صالحًا لاكتساب حقوق من تصرفاته، وإنشاء حقوق لغيره بهذه التصرفات. ومناطها العقل، بينما علّقها بعض العلماء بقدرتين هما: قدرة فهم الخطاب المتعلّقة بالعقل، وقدرة العمل بمضمونه المتعلّقة بالبدن، وبالتالي تنقسم إلى قسمين هما أهلية أداء قاصرة وكاملة بناء على مستوى هاتين القدرتين لدى الإنسان.
وهذه الأهلية هي الأصل في كلّ إنسان عاقل، ولا تزول إلا بأمر استثنائي تقره الأحكام الشرعية، وقد يكون الإنسان عديم أهلية الأداء، أو ناقص الأهلية للأداء، أو كاملها، بناء على عمره، فهو عديمها إلى ما قبل سنّ التمييز، وناقصها إلى ما قبل البلوغ، وبعد البلوغ يصبح كامل الأهلية. ومن اللافت أن ثبوت أهلية الأداء لأي إنسان يستلزم قطعًا ثبوت أهلية الوجوب له، وعليه فهي أهلية تتضمن النوع الأول بالضرورة.
بينما العوارض هي الأحوال التي تكون منافية للأهلية في أحد نوعيها أو فيهما معًا، وهي ليست من لوازم الإنسان من حيث هو إنسان، وليست من الصفات الذاتية للمرء. وتنقسم هذه العوارض إلى قسمين هما: عوارض سماوية، وعوارض مكتسبة، ومن المعتاد لدى العلماء تقديم السماوية في الدراسة والبحث على المكتسبة؛ لأنها أظهر في العارضية، ولكونها خارجة عن إرادة الإنسان، وأكثر تأثيرًا في تغيير الأحكام.
ثمّ يأتي الباب الثاني الذي يختص ببحث عوارض الأهلية السماوية، وهي أحد عشر عارضًا كما يلي: الصغر، والجنون، والعته، والنسيان، والغفلة، والنوم، والإغماء، والرق، والحيض والنفاس، والمرض، والموت. بينما يدرس الباب الثالث العوارض المكتسبة وعددها سبعة عوارض هي: الجهل، والسكر، والهزل، والخطأ، والسفه، والسفر، والإكراه. ومع اختلاف عدد العوارض بين القسمين إلّا أن عدد صفحات البابين متقاربة. ويتداخل مع هذه العوارض أحكام شرعية كثيرة، وبعض هذه العوارض تتشابه وبينها في المعاني والأحكام فروق دقيقة شرحها المؤلف. ومن المهم الإشارة إلى ترجيح المؤلف وغيره من الفقهاء بأن السكران يقع طلاقه، وتقام عليه الحدود التي يعترف بها حال سكره، أو يفعلها وهو سكران.
إن هذه العوارض وما يحتف بها من أحكام تقع في خانة حفظ الله لكليات الشريعة ومقاصدها، وصيانة الشريعة لحقوق الأفراد وحقوق المجتمعات، وفيها رعاية لذوي الحاجات من الضعفة مثل الأجنة والأطفال ومسلوبي العقل أو الإرادة، كما أن فيها تغليظًا على من أذهب عقله باختياره ورضاه أو فرط فيما يليه من شؤون. وخاتمة المطاف مع هذا الموجز دعوة محبٍّ لمن يقرأ بأن يجعل من تحصيله العلمي والثقافي نصيبًا مفروضًا لكتب العلوم الشرعية بعامة، وكتب الأصول والأحكام والسياسة الشرعية على وجه الخصوص، فهي علم ووعي ومنهج تفكير واستنباط، وفيها سعة أفق وتوسيع مدارك.
عنيزة- الأحد 16 من شهرِ ربيع الآخر عام 1443
21 من شهر نوفمبر عام 2021م