هل تريد معرفة مستقبلك؟
المستقبل كلمة جاذبة تبعث على الأمل، وربما تثير المخاوف، وفي كلّ الأحوال فلا يكاد أن يسلم أحد من التطلّع للمستقبل المنظور فما وراءه، مع الحرص على فحصه واستكشافه بطرق شرعية، وأخرى علميّة، وثالثة فيها تخاريف وأكاذيب. ولأن الأمر كذلك فهذه بعض الطرق المقبولة شرعيًا، والمنهجية علميًا، أو المجربة مرارًا بما يثبت صلاحيتها وإمكانية الإفادة منها، وعسى أن يكون في هذا ما يفتح الباب لمزيد بحث خاصة أن هذا الموضوع حيوي متجدد.
وعليه؛ فهاهنا بعض الطرق التي يمكن من خلالها معرفة المستقبل القريب أو البعيد، أو على الأقل توقعه بما يقترب من الصواب، وسردها ليس بناء على الأهمية:
- استشراف المستقبل من خلال منهجياته المعروفة، ولهذا العلم مدارسه ومراجعه وعلماؤه، وفيهم عرب من الأردن والمغرب وغيرهما، وفيهم طبعًا علماء من أنحاء العالم، ويكفي للتدليل على أهمية علم المستقبل أن أصبح فرعًا جامعيًا، وله معاهد ومراكز وموازنات واعتبارات دولية. وقد كتب فيه مؤلفون كثر منهم نائب الرئيس الأمريكي الأسبق “آل غور” في جزءين أصدرت ترجمتهما عالم المعرفة بالكويت مشكورة. وهذا الحقل الخصيب يعتمد على الاقتصاد، والقوة العسكرية، والاتصالات، والنقل، والبيئة، والتقنية الحيوية، والاستهلاك، والتلوث، والموارد، وتعداد السكان.
- الأحداث الجارية تخبر بالمستقبل المحتمل، وهو جزء من الاستشراف يغفل بعض الناس عنه مع زحمة الحياة، ولو فطن الناس قبل مئة عام لوعد “بلفور” مثلًا لاستطاعوا منعه بالعمل وليس بالأماني أو التراخي المذموم.
- معرفة تجارب السابقين؛ لأن ما جرى لغيرك سيجري عليك غالبًا، ولأمر ما قيل إن التاريخ والتجارب عقل ثانٍ وربما ثالث، فما من أمر وقع فيما سلف إلّا يحتمل ان يكون له عودة حتى شاع التساؤل إن كان التاريخ يعيد نفسه! والقياس مصدر للتشريع وللخبرة المضافة.
- التطور المنطقي لمجريات الوقائع ومسارات العمر يقود لمعرفة القادم بظن يشبه اليقين، فمن اجتهد نجح، ومن أهمل خسر، ومن كبر تكاثرت عليه العلل، ومن أحيط بعقلاء اكتمل، وهكذا
- مشاورة أهل البصيرة والنصح شريطة أن يكون المستشار عاقلًا محبًا لك ويعرف حالك وأوضاعك وبيئتك.
- مراجعة طبائع الأفراد والأسر والمجتمعات والدول والأشياء، ذلك أن أمثال تلك الطبائع قلّما تتحول عن ماهيتها وحقائقها، وإن تغيير الطبيعة لعسير مشاهد في الحيوان الكاسر حين يؤلّف ثم ينقض على صاحبه ويفتك به.
- سؤال أهل العلم الشرعي أو المتخصص؛ فعلامات آخر الزمان مثلًا هي قسم من المستقبل، ومثلها شؤم المعاصي العامة. والعلوم الصحية والزراعية والاقتصادية وغيرها تخبر بما سيؤول إليه الأوضاع في الغالب وفق معطيات علمية ثابتة بمختبر أو تتابع أو براهين.
- ماضي المرء قد يكشف مستقبله، فالظالم والغادر والمخادع مثلًا ربما يذوق عاقبة بغيه ونكثه ومكره، والكسول لا يفوز بمكرمة، والجبان متأخر خلاف الجسور المقدام، ومن أرضى الناس بسخط الله فسوف يسخط الله عليه ويسخط عليه الذين حرص على استرضائهم بالآثام والشرور وعصيان الإله القدير.
- منطق الإنسان هو جزء من مصيره فالبلاء موكل بالمنطق، والفأل الحسن لا يأتِ إلّا بخير؛ ولذلك جاء الأمر الشرعي بالفأل، ومنع سوء القول. ومن هذه النافذة يقوى التأكيد على خطر أحاديث النفس، وأهمية تحسين الصورة الذهنية للذات.
- الرؤى -ليست الأحلام وأحاديث النفس- وتكون إما بشارة أو نذارة، ومع أنه لا يُتكأ عليها إلّا أن فيها رسالة لا يناسب إهمالها، ومن الطريف أن أكثر الناس معارضة ظاهرية للرؤى يصبحون في الغالب أشدّ الناس تعلّقًا بالمنامات بل وبالسحر والكهانة عياذًا بالله.
- الاستخارة وهي عبادة شرعية ثابتة بالحديث الشريف الصحيح، ولا يستلزم أن يرى المستخير بعد ركعتي الاستخارة شيئًا، وإنما يستخير ويتوكل على الله ويفعل، وما تيسر له ولان بلا عثار فهو الخير بإذن الله.
- الدعاء بالتوفيق للصواب، والهداية للرشد، وأن يهبنا الله نورًا من عنده يضيء لنا الدروب، وبصيرة نسترشد بها في النوازل والمضائق، وأن يعلمنا العليم ويلهمنا الحكيم، ويصرفنا إلى الحق العلي القدير.
وأخيرًا فإن المستقبل آتٍ لا محالة، ولا مناص عند الحكماء من حسن الاستعداد له، ومن أفضل الإعداد للمستقبل محاولة معرفة كيف ستكون الصورة ومكوناتها؛ فبناء على الصورة ومحتوياتها يستطيع المرء الحاذق أن يماثل النحات والرسام، فيزيل ويضيف ويعدل، ويلون بالفاتح والغامق وما بينهما، ويجعل لجوانب من الصورة صلابة ولأخرى سيولة وثالثة بينهما. وأسأل الله أن يأخذ بأيدينا لما فيه الرشاد والسداد والعمل المثمر الباقي في الحياة وبعد الممات، فالموت قدر مقدور وطريق مطروق، والموفق من استقبله دون لواحق مشينة، أو عوالق من السوء لا تبلى.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
المدينة النبوية في إطلالة على مسجد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
الأحد 25 من شهرِ ربيع الأول عام 1443
31 من شهر أكتوبر عام 2021م
One Comment
الكاتب الاديب احمد حفظه الله ورعاه . بارك الله لك في عمرك وفي وقتك وفيما يخطه قلمك من مقالات هادفة ومفيدة من نصائح وعبر وتذكير جزاك الله خيرا