موسوعة الدنانير والدراهم الأموية
كيف ستكون نتيجة شغف الإنسان بشأن من شريف العلم لمدة أربعين عامًا وأزيد، وقد صرف لأجله الوقت والمال والجهد، واستعذب في سبيله النَّصَب والتعب، وهانت لديه الصعاب والمشاق إذا كانت تتعلّق به؟ ثمّ كيف سيظهر هذا الشغف إذا عكف صاحبه على مشروع يرتبط بشغفه لمدة سبع سنوات سمان غير عجاف؟ ولأجل هذا الشغف استمر صاحبنا يقرأ بلغتين، ويسافر لملاقاة الرجال وحضور المعارض، والاطلاع على المتاحف والمكتبات، وشراء المسكوكات والنوادر، ويتواصل مع أهل الاهتمام والاختصاص ليحاورهم، ويبحث عن المعلومة بتاريخها الزماني، وأبعادها المكانية، وقيمتها العلمية، وجميع ما يحفُّ بها، ولا يقف عند ذلك بل يشاور في عمله آخرين؛ كي يظهر إلى الملأ مستجمعًا ما يستحقه من قوة، ومستوليًا على ما ينبغي له من مكان ومكانة؟!
هذا ما ينطبق تمامًا على كتاب ضخم في حجمه وفي محتواه، عنوانه: موسوعة الدنانير والدراهم الأموية العربية، تأليف: علي بن إبراهيم العجلان، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1443=2021م) في سفرٍ أسود مذهب مكون من (415) صفحة فيها إهداء إلى دارسي التاريخ، وشكر وتقدير يسبقان المقدمة والبداية، ويتلوهما ستة أبواب بعدها ملحق فيه معلومات إضافية، وجداول وقائمة بالمراجع التي تبلغ أربعين مرجعًا منها بالعربية مثل عدد حروف لغتنا، وبالإنجليزية ما بقي فالخاتمة. والكتاب فخم في محتواه وصوره وإخراجه، وهو من تصميم شركة أفكاري الدعائية.
أتى الباب الأول بعنوان أهمية النقود في الحضارة ولدى المؤرخين وفي الشؤون السياسية والاقتصادية ويقع في ست صفحات فقط، وكم في المسكوكات من إضاءات تاريخية مفيدة للغاية، لأنها مرتبطة بالدول وعهود زعمائها، وتبين عن النشاط الاقتصادي، ومدة الحكم، وإلماحات أخرى. ويتحدث الباب الثاني في أربعة عشر صفحة عن بداية تعريب النقود في الدولة الإسلامية، واستلزم البحث دراسة هذا الأمر من قبل ظهور الإسلام وفي عصري الخلافة الراشدة ودولة بني أمية. أما الباب الثالث فعن سك النقود في الدولة الأموية، ويقع في عشر صفحات ورد فيها بيان لدراهم شديدة الندرة تنشر لأول مرة، وهي من مقتنيات المؤلف العجلان.
بينما جاء الباب الرابع عن تعريب الدنانير والدراهم الأموية ودراسة مراحلها التاريخية والاختلافات فيها وحولها في ستة عشر صفحة. ويذهب الباب الخامس إلى مدن سك الدنانير والدراهم الأموية وعدد مرات السك في كلّ مدينة وفي كلّ سنة مع خرائط لمدن السك وهو في ثمان وعشرين صفحة. وآخر باب هو السادس عن الدنانير والدراهم الأموية التي سكت في عهد الخلفاء، وهو أطول أبواب الكتاب وعدد صفحاته مئتان وثلاث وأربعون صفحة، وفيه مسكوكات عشر خلفاء من عهد خامسهم عبدالملك بن مروان إلى عصر آخرهم مروان بن محمد.
وتحتوي هذه الموسوعة العربية على أكثر من ألف صورة ملتقطة باحترافية، وتشمل جميع ماسُك من دنانير ودراهم أموية حسب اجتهاد المؤلف وجهده خلال أربعة عقود، ويبلغ تعدادها ألفًا ومئتين وسبعة دنانير ودراهم غير مكررة، منها تسعة وثلاثون درهمًا أمويًا لم تنشر من قبل. وقد سُكت هذه الدنانير والدراهم في مئة وخمس مدن انضوت جميعها تحت حكم الدولة الأموية، وفي أبواب الكتاب وجداوله وخرائطه توضيح مفصل لهذه المعلومات القيمة.
ويمثل هذا الكتاب التوثيقي إضافة عريقة جديرة بالتقدير للمكتبة السعودية والعربية والإسلامية، ويفوق ما فيه من معلومات ودنانير ودراهم ماورد في بعض الكتب الأجنبية التي اكتسبت وأصحابها شهرة ومرجعية، وإني لآمل أن تسابق مؤسسات ثقافية سعودية أو خليجية لتبني هذه الموسوعة التي ألفها الباحث من خلال مقتنيات يمتلكها وهي بين ناظريه وفي متناول يديه، وعنده غيرها مثلها وربما أزيد، فلدى المؤلف عدد آخر من المسكوكات المرتبطة بأزمنة وأمكنة أخرى، ولعلّ الله أن يوفق أحد المتاحف الكبرى أو المكتبات المرجعية للإسراع في اقتنائها بعد حسن تقييمها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 13 من شهرِ صفر عام 1443
20 من شهر سبتمبر عام 2021م
