في سوانح الأيام: القرآن إمام البرقعي
سوانح الأيام: أيام من حياتي، سيرة ذاتية جريئة، كتبها -قبل اغتياله من قبل حماة الخرافة في إيران- آية الله العظمى أبو الفضل البرقعي، وهو مجتهد شيعي كبير، وعالم قمّي بارز، وصدرت الطَّبعة العربية الأولى عن دار عالم الكتب بالرَّياض عام 1431، بعناية وتحقيق الأستاذ الباحث خالد البديوي صاحب موقع جسور التَّواصل، ولهذا الباحث الموفق اهتمام كبير بموضوع الاعتدال والتَّصحيح لدى علماء الشِّيعة حتى جعل هذا الموضوع بحثه لنيل شهادة الماجستير.
يقع الكتاب في 392 صفحة من القطع الكبير، وفي آخر 50 صفحة منه ملحقات بالوثائق والإجازات العلميّة التي حصل عليها البرقعي من كبار علماء ومراجع الشِّيعة في إيران والعراق ثم مجموعة من الصُّور، وقد سطَّر المؤلف-رحمه الله- سيرته لسببين اثنين أوضحهما حين قال: ” وقد كتبت هذه الكلمات حتى لا يقول المسلمون في المستقبل: ألم يكن بين هؤلاء الناس في القرن العشرين وعصر الثورة الإيرانية عالم بصير؟! وإن وجد… فلماذا سكت؟!” وقال في موضع آخر إنَّه كتبها خوفاً من اختلاق الكذب عليه؛ وحسناً صنع إذ الكذب يجري في دماء الخرافيين وعلى ألسنتهم لترويج باطلهم.
يقول البرقعي معترفاً بفضل القرآن عليه: ” في هذه السنوات كنت أجد فسحة في الوقت فاشتغلت بالمطالعة والتأليف، والتدبر في آيات كتاب الله، وثبت لي شيئاً فشيئاً أنني وجميع علمائنا غارقون في الخرافات، وأننا كنا نجهل معاني كتاب الله، وأن أفكارنا لاتوافق القرآن، وببركة تدبر القرآن استيقظت شيئاً فشيئا، وفهمت أن علماءنا ومقلديهم قد غيروا دين الإسلام، وأنهم باسم المذهب تركوا الإسلام الحقيقي”. وقال في موضع آخر حين سُأل عن موقفه من الأئمَّة: ” لا إمام لنا موجود بيننا إلا القرآن”.
وبصراحة العالم الصَّادق الباحث عن الحقِّ يقول-رحمة الله عليه-: ” الأخبار والآثار التي أوردها المجلسي والصدوق والكليني التي تحدد عدد الأئمة باثني عشر هي أخبار مكذوبة ومتناقضة من خلال التحقيق العلمي”، وأكَّد رأيه الجريء بقوله: “كتب المذهب مثل الكافي والبحار مملوءة بما يخالف القرآن والعقل، وهي ليست من كلام أئمة الهدى، بل هي من دس أعداء الإسلام”.
وقد ألَّف وترجم البرقعي أكثر من ثمانين كتاباً دعا فيها إلى التَّوحيد الخالص، ونبذ الشِّرك والخرافات، والامتناع عن الاستغاثة بغير الله أو دعاء الأموات، ومن تجرّده أنَّه ترجم كتباً لبعض أئمَّة المسلمين كالشَّافعي وابن تيميّة والذَّهبي ومحمَّد بن عبد الوهاب-غفر الله لهم وأعلى منزلتهم-، ولذا منعت حكومة الآيات كتبه من الطِّباعة والتَّداول، وصادرت شرطة الملالي أوراقه ودراساته. ومات وهو يتمنَّى طباعة كتبه بأحسن صورة وأوصى ورثته بالاحتفاظ بحقوق نشرها؛ كما نبَّه على الكتب التي صنَّفها زمن الخرافات الحوزوية، ويعود إكثاره من التَّأليف لأنه يرجو ” أن يكون ما أكتبه مفيداً للقراء وسبباً لليقظة وإعادة النظر والتفكير…”.
ونال البرقعي الأذى والتَّنكيل من حكومة الشَّاه الظَّالمة، بيد أنَّه ذاق أضعاف ذلك العذاب من حكومة الجمهورية الإسلامية وشيوخها الذين أصدروا أكثر من فتوى بهدر دمه وقتله دون استئذان! وتعرَّض في حياته لمحاولتي اغتيال إحداهنَّ في عصر الشَّاه، وسجن ستَّ مرّات وهو ضعيف البنية، طاعن في السنِّ كثير الأمراض، وقُتل في آخر مرَّة لكسره صنم الخرافة وتفنيده أكاذيب الكافي وأصول المذهب الشيعي. ولتنفير النَّاس منه اتَّهموه بالتَّرويج للوهابية والدَّعوة إلى السنَّة، والحصول على أموال من السُّعودية؛ مع أنَّه عاش قانعاً بأقلّ الكفاف ومات فقيراً مُعدما.
وكان له رأي في الجمهورية الإسلامية، فهو يرى أنَّ ” أعمال زعماء الجمهورية الإسلامية قد بيضوا فيها وجوه السلاطين الظلمة قبلهم “، ويحكم وهو العارف بأنَّ ” غالب قوانين الجمهورية مخالفة للإسلام “، ويروي عن نفسه بألم: ” كنت أنظر من النافذة إلى الشارع فأرى أهل التثليث يروجون للتثليث بكل حرية.. وأنا ليس لي الحق بأن أتكلم بين المسلمين عن التوحيد الذي يقرره القرآن الكريم”، وكلَّما حاكم الآيات والشُّيوخ إلى القرآن نكصوا على أعقابهم رافضين لأنَّهم يعلمون أنَّ القرآن لا يقرُّ الخرافة التي يتكسَّبون من ورائها.
وحين عرف هذا الرَّجل الزَّاهد الحقَّ ببركة القرآن وتدَّبره، لم يقف مكانه؛ ولم يكتف بخاصَّة نفسه، بل أعلن للملأ النَّتيجة التي توَّصل إليها، ودوَّنها في كتبه وبياناته، وطالب المخالفين بالمناظرة دون الاكتفاء بتضليله بلا بينة، وتعهد بإعادة أيِّ خمس أخذه بعد أن استبان له أنَّ الخمس أكل لأموال النَّاس بالباطل، وصاح في قومه ناصحاً مشفقاً ليهجروا المذهب وخزعبلاته ويتَّمسكوا بأهداب الدِّين الحنيف الواضح، وقال للعقلاء: ” يمكن فهم الإسلام في دقيقتين أما المذهب فيحتاج إلى أربعين سنة كي يتعلمه الطالب إن استطاع”.
وفي إيران وبين الشِّيعة عموماً يوجد علماء وعقلاء لا يرضون بما آل إليه أمر التَّشيع، ويتفاوتون في إنكار أخطاء قومهم، ومنهم مَنْ كتب وألَّف، وقد مضى بعضهم إلى الدَّار الآخرة وبقي آخرون، وما أحوجنا إلى التَّواصل معهم ، وتوضيح ما أشكل عليهم، ثمَّ نشر إنتاجهم التَّصحيحي باللغة العربية والفارسية، وطباعته ورقياً وحاسوبيا، وبثِّه في فضاء الشَّبكة ولدى المكتبات التِّجارية، عسى أن ينظر فيه شباب الشِّيعة فيعودوا إلى الله، فآل البيت-رضوان الله عليهم- لا يحتاجون إلى بكاء أحد، والأجدر بالبَّكائين أن يبكوا على حالهم كما قال البرقعي الذي يلتمس الدُّعاء ممن قرأ له شيئا، فاللهم اقبل توبته واغفر زلته، واجعله مثالاً وقدوة لأولي الألباب من شيعة الفرس والعرب.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الاثنين 16 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1431
ahmadalassaf@gmail.com