تقويمنا لا ينكسر
هي باهتة إن كتبت، ثقيلة إذا نُطقت، وذلك حينما تُذكر مناسبة شرعية مثل رمضان أو الحج أو عاشوراء ثمّ تُربط بسنة ميلادية، ويعظم البلاء عندما تُقصى السنة الهجرية تمامًا! ويزداد ثقل هذا التصرف وغثاثته إذا كان الفاعل يظن أنه بِلَوْك هذه السنوات الميلادية والتلمُّظ بها قد ارتقى ونال المجد من أطرافه فلم يَفُتْه منه شيء كبُر أم صغُر!
إن التقويم جزء من الديانة وجزء من التاريخ وجزء من الحضارة، وهو دليل على استقلالية الأمم، ولأجل ذلك لا تكاد أن توجدَ حضارة بلا تقويم خاص بها؛ فمنهم من يستخدمون تقويمهم ويعرفونه ويضبطونه، وفيهم من نسوا التقويم أو انحصرت معرفته بعدد محدود من العلماء أو خبراء الزراعة أو الأرصاد أو غيرها من الأمور المعيشية.
وقد ارتبطت أمة الإسلام مع التقويم الهجري برباطٍ وثيقٍ لا يمكن أن ينفصل أو يتلاشى حتى لو تراخى بعواملَ ثقافية أو تنظيمية أو غيرها. فمنه ارتباطٌ عامٌّ مثل موسمي الصوم والحج وهما من أركان الإسلام، إضافةً لما يلحق بهما من أعياد شرعية حقيقية وليست مجرد ذكرى. ومن هذا الباب احتساب حَوْل الزكاة، ومواعيدِ صلاتي الكسوف والخسوف، والأشهر الحرم. وله ارتباط خاص بفرد أو مجموعة في بلوغ سنّ التمييز، ومرحلة البلوغ، وعدة الطلاق والخلع، والكفارات، وحداد الزوجة، وغيرها.
كما أن قصة هذا التقويم محفوظة مع أحداث هجرة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، ثمَّ يرجع اختياره من بين سائر التقاويم المعروفة آنذاك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلى عصره الذي تحنُّ إليه الأرض ومَن عليها، وقد وفَّقه الله إليه بإجماع الصحابة الحاضرين معه، حتى أصبح التقويم الهجري القمري مستخدَمًا في شؤون أمة تتجه لسيادة العالم.
لذا وبناء على ما سلف فليس من الحكمة في شيء محاولة انتزاع التقويم الهجري حتى لا يكون له ذِكْر أو خَبَر، خصوصاً أنه يمكن ترتيب الأمور الحياتية بالتقويم الميلادي مع جعله تبعاً للتاريخ الهجري، وعلى هذا الأمر سار الناس من قديم الزمان في حضارتنا الإسلامية وفي غيرها من حضارات العالم التي ما زالت مستمسكة بتقويمها وتتباهى به.
كذلك يَحسُن الإصرار على تثبيتِ التاريخ الهجري في أيِّ تعاقد، وإشهارِه في كلِّ محفل حتى لو كان المشاركون فيه يتبعون غيره من التقاويم؛ فلا يضر بحال أن يقترن تقويم مع آخر، وهذا علامة على الاعتزاز والثقة، وهما خصلتان ترتقيان بالفرد والمجتمع، وتحولان دون تسرب أيِّ شعور بنقص أو دونية.
وتبقى الإشارة إلى أنَّ تقويمنا يصحح نفسه بنفسه تلقائياً فلا مجال فيه للخطأ، وبدايته ونهايته طبيعية غير مصنوعة، وتتعاقب الفصول الأربعة على المواسم، بينما نجد في التقاويم الأخرى إشكالات – قديمة وسوف تعود – قادت إلى إجراءات غريبة لتلافي الخلل فيها، ومَن درس تاريخ التقاويم الأخرى فسيؤمن بعظمة تقويمنا الذي لا ينهزم ولا ينكسر.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الخميس 19 من شهر ذي الحجة 1442
29 من شهر يوليو 2021 م