معهدُ الحرمِ يا أهلَ الحرم!
أشرفُ العلومِ ما دلَ على اللهِ سبحانه، وأقدسُ البقاعِ الحرمُ المكيُ الشَّريف، وقدْ شاءَ اللهُ أنْ يجتمعَ شرفُ العلمِ معْ قدسيةِ المكانِ على يدِ الشَّيخِ القاضي عبدِالله بنِ محمَّدِ بنِ حميد في عهدِ الملكِ فيصل -رحمة الله على الجميع- حيثُ صدرَ القرارُ رقم 2796 في السابعِ منْ صفر عامَ 1385 بإنشاءِ معهدِ الحرمِ بمراحلهِ الثَّلاثِ: الإعدادي، والثانوي، والعالي.
ولمْ ينتظرْ الشَّيخُ طويلاً؛ حيثُ كلَّفَ أهلَ العلمِ والاختصاصِ لوضعِ المناهجِ الشَّرعيةِ والعربية، وقدْ عودلتْ شهادتا المعهدِ الإعداديةِ والثَّانويةِ بما يقابُلهما في التَّعليمِ المدرسي في سنةِ 1391، وأخيراً عودلتْ شهادةُ القسمِ العالي بشهادةِ كليةِ الشَّريعةِ في جامعاتٍ سعوديةٍ ومصريةٍ وسودانيةٍ عريقة، وكانتْ جامعةُ الإمامِ محمَّدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةُ تمنحُ قبولاً فورياً لطُّلابِ المعهدِ الأوائلِ في المرحلةِ الثَّانوية، لأنَّ مخرجاتِ المعهدِ تتميزُ بمنهجيةٍ علميةٍ عالية. ويحظى المعهدُ بعنايةِ معالي الشَّيخِ صالح الحصين ومعالي نائبه د. محمَّد الخزيم معْ ما يضطلعانِ بهِ منْ مهامٍ جسامٍ في شؤونِ الحرمينِ الشَّريفينِ زادهما الله شرفاً ومنعة.
تقعُ الفصولُ الدِّراسيةُ للمعهدِ في توسعةِ الملكِ فهد على يمينِ الدَّاخلِ منْ البابِ رقم 64 المجاورِ لبابِ العمرةِ حتى البابِ رقم 94 المجاورِ لبابِ الملكِ عبدِ العزيز، والدِّراسةُ في مكانٍ مفتوحٍ وحلقٍ منتشرةٍ في هذا الموقعِ الميمونِ بروحانيةٍ وحضورِ قلب، وإنَّه لحظٌ عظيمٌ لمَنْ نالَ شرفَ ثني الرُّكبِ في حلقِ العلمِ داخلَ المسجدِ الحرام، وحقيقٌ بنا إكرامُ هؤلاءِ الطُّلابِ إجلالاً للعلمِ الذي طلبوه وتوقيراً للموضعِ الذي قضوا فيه سِنّي الدِّراسة.
وبلغَ عددُ طلابِ الدُّفعةِ الأولى منْ معهدِ الحرمِ اثني عشرَ طالباً في الحرمِ المكي فقط، بينما ينيفُ العددُ حالياً على ثلاثةِ آلافِ طالبٍ في الحرمينِ المكي والمدني، ومنْ الموافقاتِ أنَّ المعهدَ افتُتحَ في عهدِ الملكِ فيصل بسعيٍ حثيثٍ وبلاءٍ حسنٍ منْ الشَّيخِ ابنِ حميدٍ -حتى سمَّاه أهلُ مكةَ معهدَ ابنِ حميد- واليومَ، بعدَ قرابةِ خمسينَ عاماً على إنشاءِ المعهد؛ يجتمعُ في مكةَ نجلُ الملكِ أميراً عليها، ونجلُ الشَّيخِ إماماً وخطيباً لحرمها، فهلْ ينتجُ منْ هذا الاجتماعِ الزَّماني والمكاني التفاتةٌ للمعهدِ بالدَّعمِ والرِّعايةِ والتَّطويرِ؛ وفي ذاكَ أجرٌ وبرٌّ بالآباء؟
كما درَّسَ بالمعهدِ أساتذةٌ أفذاذٌ منْ أكابرِ علماءِ المملكةِ ومشايخِ مكة، وتخرَّجَ منه عددٌ منْ الطُّلابِ الذين تسنّموا المناصبَ الكبيرةَ في القضاءِ وإمامةِ الحرمِ والتَّدريسِ في معاهدِ العلمِ والجامعات، ونظراً للمنهجِ العلمي وجلدِ بعضِ الطَّلبةِ في البحثِ والتَّحصيل، فقدْ اجتازَ بعضُ معلمي المعهدِ اختباراتِ وظائفِ التَّدريسِ في الجامعةِ وبزُّوا أقرانَهم بتمكنِّهم منْ المادَّة العلمية. وفي المعهدِ معلمونَ وموظفونَ تخرَّجوا منه، ويتوافقُ جدولُه الدراسي معْ جدولِ وزارةِ التَّربيةِ والتَّعليمِ.
ولأنَّ الدِّراسةَ داخلَ الحرم، فربما يحضرُ الدُّروسَ بعضُ المعتمرينَ والزُّوار، ولا تخطئُ العينُ مشاهدَ المحرمينَ معْ الطُّلابِ لحضورِ العلمِ ونيلِ بركته، وقدْ مرَّ بأحدِ الفصولِ الدِّراسيةِ مديرُ إحدى الجامعاتِ في بلدٍ مغاربي، وجلسَ معْ الطُّلابِ وأستأذنَ الشَّيخَ في مناقشتِهم؛ فانبهرَ منْ علوِّ كعبِ الطَّلبةِ في علمِ النَّحو معْ صغرِ سنِّهم، وودَّعهم مثنياً على طريقتِهم حامداً اللهَ على وجودِ هذا المعهدِ العلمي الشَّامخ.
ونحنُ في السُّعوديةِ أهلُ الحرمِ وأولى النَّاسِ بخدمته علمياً ودعوياً كما خدمناه عمراناً وسقايةً وتأثيثًا، ولذا فهذه جملةٌ منْ الرؤى لعلَّها تجدُ شهماً كريماً محباً للخيرِ يسوقُها إلى مَنْ يستطيعُ القيامَ بِها إكمالاً لخدمةِ الحرمينِ وتفرُّداً في الإنجاز، وذاكَ فضلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء، والأجرُ على قدرِ الإخلاص:
- دمجُ دارِ الحديثِ الخيريةِ معْ معهدِ الحرمِ في جامعةٍ مفتوحةٍ تُعنى بالعلومِ الشَّرعيةِ والعربيةِ تنطلقُ منْ الحرمِ وتأخذُ اسمها منه، ويكونُ مقرَّها حرمُ مكة، ويصيرُ حرمُ المدينةِ فرعاً لها.
- إقامةُ دروسٍ علميةٍ مناسبةٍ للمعتمرينَ والحجاجِ خدمةً للدِّينِ ونشراً لمذهبِ السَّلفِ الصَّالحِ وتبصيراً لجموعِ المسلمين.
- تخصيصُ موازنةٍ كافيةٍ لجامعةِ الحرم، حفاظاً على الكفاءاتِ العلميةِ التي قدْ تبحثُ عنْ معاهد وكليات تمنحُ راتباً يليقُ بالعلماء.
- إصلاحُ نظامِ الرَّواتب للأساتذةِ والإداريين كما في الجامعاتِ الأخرى.
- منحُ طلابِ المعهدِ الحالي والجامعةِ المستقبليةِ أولويةً في القبولِ للدِّراسةِ الجامعيةِ والعُليا.
- الإفادةُ منْ أئمةِ الحرمينِ ليصبحوا أساتذةٍ زائرينَ في جامعةِ الحرم.
- عقدُ دروسٍ علميةٍ خاصَّةٍ لطُّلابِ جامعةِ الحرمِ معْ أكابرِ العلماءِ الذينَ يفدونَ لمكةَ والمدينة.
- تشجيعُ طلبةِ الجامعةِ بالجوائزِ والحوافزِ المعنويةِ والمادية.
- حجزُ نصفِ مقاعدِ الدِّراسةِ للوافدينَ منْ خارجِ السُّعوديةِ وجعلها منحة حكومية.
- بناءُ منهجٍ تربوي متينٍ مصاحبٍ للمنهجِ العلمي الرَّصينِ ليفوزَ الطلبةُ بعلمٍ راسخٍ وتربيةٍ عميقة.
إنَّ قداسةَ الحرم، وجلالةَ قدرِ العلم، وكثرةَ الرَّاغبينَ في التَّزودِ منْ علومِ ديننا الحنيف، إضافةً إلى عظمِ الأجر، وكثرةِ النَّفع، ودوامِ الأثر، كلُّها عواملٌ تعينُ مَنْ بسطَ اللهُ يدَه بسلطانٍ أوْ مالْ أو كليهما لينهضَ بهذا المشروعِ العلمي والدَّعوي المرتبطِ لا بمكةَ- على قداستها- بلْ بالحرمِ ذاته، وإنه لشرفٌ باذخٌ ومجدٌ باقٍ فهلْ منْ سبَّاقٍ إلى الخيراتِ وقدْ اجتمعتْ؟
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
السبت 20 من شهرِ ربيعٍ الأولِ عامَ 1431
ahmadalassaf@gmail.com