عرض كتاب قراءة وكتابة

رحلة عربية نحو المحتوى

رحلة عربية نحو المحتوى

ليس حسنًا أن يظلّ المحتوى العربي قاصرًا في زماننا، فنحن أمة لها تاريخ في الابتكار العلمي النظري والعملي، وما أشدّ الحاجة لاسترجاع ثقتنا بأنفسنا، وإصلاح تصوراتنا، ثمّ تعليمنا المنزلي والرسمي، مع إحياء هذا الهمّ في نفس أيّ قادر، وبعث الهمم للإضافة النافعة؛ فالتراكم سيقود إلى الإبداع، والتجديد، والسبق، ومن نظر في تاريخنا الحضاري الذي كتبه البروفيسور فؤاد سزكين، فسوف يوقن أن الخلل عارض مؤقت، وعلينا إزالة أسبابه؛ من أجل منطلق صحيح، في مسار آمن، يتجاوز أيّ عوائق، ويفيد المجتمع والبلاد كلها.

لأجل ذلك سعدت بكتاب عنوانه: رحلة محتوى: دليل صناعة المحتوى للإعلام الرقمي، تأليف: بسام السيد، وعبدالعزيز بن هلابي، وبين يدي الطبعة الثانية منه الصادرة عام (1442=2021م)، ويقع في (215) صفحة، بإخراج فخم، ويتكون من سبعة أبواب تماثل ما يحدث مع المرء في أيّ رحلة سفر، والكتاب مليء بالمقترحات العمليّة، والتجارب، والإحالات المبركدة، والأنشطة، والصور التي ليس منها صورة تثلم المروءة، أو تخدش الحياء، وتلك ميزة في زمن يرى بعض أهله بأنّ القبح أو الفحش وسيلة تسويق!

من مزايا الكتاب كذلك نزوعه نحو الجوانب التطبيقية دون إغراق في التنظير؛ فهو ليس مقررًا في الجامعة يسبقه ويلحقه مقررات أخرى، ومع ترابط أبوابه وتسلسلها؛ إلّا أنه يمكن الانفراد بواحد منها يحتاجه القارئ أكثر من غيره، أو البدء به لضرورته، وفي داخل النص زوايا تفاعلية كثيرة، وعقب كلّ باب مساحة بيضاء للإضافة، ومن نصحهم وبراعتهم في خدمة القارئ، أن وضعوا لهذا الدليل صفحة تعريفية على الإنترنت، وفيها تحديث دوري للروابط الواردة في الكتاب، تحسبًا لأيّ تغيير يطرأ عليها.

كما يشمل هذا الدليل سبعين موضوعًا تخصّ المحتوى وصناعته، واستُكتب فيه ثمانية عشر خبيرًا يختلفون في البلد، وزاوية الاهتمام، والجنس، والعمر، والعمل، بيد أنهم يتفقون في الرغبة الصادقة لخدمة المحتوى العربي، ونفع القارئ اليعربي والمسلم، ولم يكتف المؤلفان بذلك؛ وإنما أضافوا ثلاث تجارب عملية لشركات عربية، نجحت في صناعة المحتوى، والتسويق لأعمال، وخدمات، ومنتجات، ثمّ حللوا أعمالها لتزداد الفائدة.

يبدأ الباب الأول بالاستعداد، وهو أشبه بتقديم وتعريف تمهد موضوعاته للدخول إلى عالم المحتوى وفريق صناعته، وبعده يلتفت الكاتبان إلى حزم الأمتعة عن مجالات المحتوى، وجمهوره، وأشكاله، ومصادره، وفيها تباين مثل أمتعة المسافرين المختلفة، ثمّ يشرع الكتاب في الصعود إلى طائرة المحتوى، وما فيها من مواعيد، وتعليمات، ومؤشرات، ويعقب هذا الارتقاء الإقلاع حيث الأنظمة والضوابط التي تجيز وتمنع، والأدوات والمراجع التي لا مناص من توافرها.

وبعد ذلك يطير المحتوى في الجو محلقًا مع الكتابة وأنواعها ولوازمها، وبعد التهيئة ومرور الوقت، تأتي مرحلة الهبوط الآمن بما فيها من دراسة حالات، واستنباط فوائد، وتدوين إضافات عملية تبلغ ربع المئة عند كلّ تجربة، وها هنا يجد القارئ بغيته من آراء الخبراء والمختصين، مبثوثة برشاقة وحذق، ليصل مع جمهرة المسافرين منشرحًا سعيدًا إلى بوابة الوصول، وفيه نماذج كثيرة، وما عليك إلّا أن تختار ما تريده وتحتاج إليه، ومن الّلطيف أن لكلّ باب لون خاص به، وكلّ واحد منها مكون من عشر موضوعات متساوية العدد، مختلفة الحجم.

أمّا حين نقف مع الخاتمة فسوف نكتشف أنها هي البداية لمن رام صناعة المحتوى دون تخبّط أو ارتباك، وسنرى جهد المؤلفين، ونلمح عزيمتهما الصادقة على التطوير، ورغبتهما باستقبال المقترحات؛ فالعمل بشري في النهاية، وفي آخر صفحة من هذا الدليل تعريف مختصر بالمؤلفين، وهما ممن درس في أقسام الإعلام بالجامعات، وواصل الدراسة العليا فيه، وعمل ضمن مشروعات إعلامية لها علاقة بالمحتوى، مع سابق خبرة بالكتابة والتأليف، والله يوفقهما دومًا.

إن المحتوى العربي أمانة في أعناق أبناء العربية، وأجيال المسلمين، فمن الواجب أن يكون هذا المحتوى ضخمًا، مشرفًا، نافعًا، متجددًا، متنوعًا، مستفيدًا من لغات العصر وأدواته، ويصبح فيه التأسيس والتطوير والاستمرار، كي يقود إلى تنوير العقول، وتطهير الأفئدة، وإصلاح المنطق، وإحياء المكارم، والسمو بالأخلاق، وتحسين الذوق، حتى نعود كما كنّا خير أمة أخرجت للناس، فعلها فعل معروف، وتركها ترك لمنكر، وتلك هي القدوة المنشودة، وسرها يكمن في أنها من أعظم أبواب الأمر والنهي والريادة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الخميس 12 من شهرِ شعبان عام 1442

25 من شهر مارس عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)