توظيف نظريات الإقناع تربويًا
كلّ أحد يحتاج إلى الإقناع أيًا كان عمره وعمله ومكانه، فهو في البيت مطلوب، وفي الشارع قد نضطر إليه، وفي أماكن العمل والمتاجر يستعمل بكثرة، وأما قلاع العلم والتربية فهي من ميادينه الكبرى، ومع هذه الأهمية تكاد أن تكون الكتب العربية المتوافرة عن موضوعه -أو أغلبها- مبتلاة بضعف الإخراج، وحشو المادة لدرجة الاكتظاظ، وطغيان الجانب النظري، واللغة التخصصية المعقدة، أو المترجمة المبهمة.
أما هذا الكتاب فخلا من جميع الإشكالات أعلاه، إذ أنّ إخراجه جميل رزين، ومادته قصيرة غزيرة، وجانبه العملي يسير في ركاب محتواه النظري يرمقه فلا يضيع أحد منهما عن الآخر في زحام السطور والكلمات، ولغته راقية مع وضوح، سهلة مع عذوبة، وعنوانه: توظيف نظريات الإقناع في التربية، من إعداد: عبدالله بن عبدالرحمن البسام، وصدرت طبعته الأولى عام (1442) عن شركة تكوين القيم، ويقع في (73) صفحة مكونة من مقدمات في الإقناع تحتها خمسة عناوين، ونظريات الإقناع وتعدادها عشر نظريات، وقبل هذين الموضوعين وبعدهما -وهما لباب الكتاب- شكر ومقدمة ثمّ خاتمة فمراجع.
في اللباب الأول يوضح المؤلف مفهوم الإقناع وما يتقاطع معه، فحديث عن مستوى عمق القناعات، يتلوه نموذج الاتصال الإقناعي وأركانه مع العوامل المؤثرة في كلّ واحد منها، وعقب ذلك عرض الباحث نموذجًا لبناء قناعة وهو نموذج عملي مختصر في صفحة واحدة، ولا أشك لحظة بأن الأستاذ البسام استخلصه للقارئ من بين عشرات أو مئات الصفحات، وختم هذا اللباب الرائق بورقة ذات كلمات ورسوم مثل جلّ صفحات الكتاب وموضوعها خلاصة عن نتائج عملية الإقناع.
أما اللباب الثاني فيحوي عشر نظريات عن الإقناع، وتعامل المؤلف مع جميع النظريات بعدل وعرض واضح مفيد، فكتب تعريف النظرية، وبيّن بعض التجارب العلمية التي أجريت لاختبار النظرية، ثمّ أشار إلى بعض تطبيقاتها العملية، ووقف عند أفكار مقترحة لتوظيف جميع النظريات في المجال التربوي وهذا الموقف من أهم محطات المحتوى، ولم يترك الكاتب القارئ دون أن يحيله على نظريات أو إستراتيجيات قريبة من النظرية يستزيد منها معرفة وفهمًا.
أيضًا امتاز الكتاب بإيراد الأمثلة من عدة مجالات وحضارات ودول، وباختصار لم يرتكب جناية على المعنى والفكرة، مع إضافة رسومات تعبيرية، ووضع معلومات عن كلّ نظرية وأصحابها، وترجمتها، ومراجعها باللغة العربية واللغة الإنجليزية، وأجاد فريق العمل والتصميم والإخراج بانتقاء ألوان الكتاب الداخلية الهادئة المريحة وحجم الخط الملائم، وكذلك شكل غلافه الخارجي المربع الذي يدلّ على السواء، ولونه الأبيض الذي يرمز للوضوح والنقاء.
ومع كثرة متغيرات العصر، وازدحام المؤثرين على الأجيال وكثرة المؤثرات على الأبناء والبنات من وسائل وأشخاص عابرين للحدود والقيم والحضارات، مستخدمين التطبيقات والألعاب والغرائز والمهارات والصور المثيرة، إضافة إلى سهولة البحث والوصول إلى المعلومة، واستحالة العزل والانفصال عن المجتمع بمعناه الذي يشمل أيّ قريب من محيطنا ولو كان يقطن في مكان قصي، أضحى الإقناع ضرورة، وغدا مثل هذا الكتاب مهمًا لكل أب ناصح، وأم شفيقة، وداعية حريص، ومعلم ومعلمة زانهما الإخلاص وما أكثرهم.
كما يفيد هذا الكتاب العاملين في حقول غير تربوية؛ ذلك أن مضمونه يمكن تنزيله على التسويق، والثقافة، والإعلام، والسياسة، وغير ذلك، إضافة إلى أن إشاعة مفهوم الإقناع على أنه عملية ضرورية لا مناص منها لأيّ أحد مهما كانت مكانته وقوته ودرجته العلمية هو شأن أساسي يفضي إليه هذا الكتاب الجميل إذا قرأه الراغب في العلم الذي يتلوه العمل الرشيد، بغية تحصيل خير الدنيا والآخرة، وتحقيق مصلحة العباد والبلاد، فوجود الإقناع وعملياته في أيّ مجتمع مؤشر صحي على القوة والمتانة، والثقة والصدق.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 25 من شهرِ جمادى الأولى عام 1442
09 من شهر يناير عام 2021م