قراءة وكتابة

اعرضها فأنت المستفيد الأكبر!

اعرضها فأنت المستفيد الأكبر!

عرض الكتب واختصارها أحد المدارج نحو التفوق، وعتبة من عتبات السمو المعرفي، وربما يبلغ الموفق بسببها مقام التأثير، ومنزلة الخلود، مع تحصيل لسان صدق في الآخرين، وخير من ذلك كلّه القبول من ربّ العالمين. وهذا العمل سكة مطروقة من كبار أفذاذ في حضارتنا وفي غيرها من الحضارات قديمًا وحديثًا حتى الآن، ونجد في القائمة أسماء أعلام من المؤلفين والعلماء والأدباء والمفكرين مثل الذهبي، وأحمد شاكر، وهيجل، وعناوين كتب كبيرة مثل تفسير ابن كثير، والأغاني، ومقدمة ابن خلدون.

ويُعدُّ عرض الكتب عملية متعددة الأطراف أولها قراءة، يرافقها ويتلوها تفكير وتحليل، وآخرها كتابة وتدوين بعد تأمل، ويقوم المستعرِض للكتاب مقام المدعي العام، أو الشاهد، أو القاضي، بناء على نوع العمل الذي سيؤديه، وهنا يأتي التفريق بين مراجعة الكتاب، أو تلخيصه، أو عرضه، فهي ما بين وصف، ونقد، وتفاعل، واختصار، بيد أنّها تشترك في ضرورة توافر ثلاثة شروط فيمن يؤديها هي: الأمانة في النقل، والعدل في الحكم، والصدق في الرأي.

أما استهداف كتاب بعينه للتّدوين عنه فغالبًا ما يكون إذا وجد المطلع عليه في مضمونه فكرة جديرة بالعرض، أو النّقض، أو التلخيص، وربّما راقت له زاوية المعالجة، أو جدّة الموضوع، أو اسم المؤلف، أو زمنه، أو الحقل الذي ينتمي إليه الكتاب خاصة من المتخصص، ومع الدّربة يعرف الكاتب من أوّل نظرة للكتاب إن كان سيكتب عنه أم لا، علمًا أن الكتب بجميع أصنافها جرت عليها أعمال العرض والتلخيص والمراجعة، وبالتالي فليس هناك كتاب بشري في عصمة من هذا المسلك الثقافي الرشيد.

وحتى نستعرض كتابًا نحتاج إلى خطوات لابدّ منها، على النحو التالي:

قبل كتابة العرض:

  1. قراءة الكتاب قراءة كاملة تشبه قراءة من سيدخل امتحانًا فيه، ومن ظلم النفس والمؤلف والمتلقي أن يُعرض كتاب دون قراءة، أو بقراءة ناقصة، أو بدون تمعن وروية أثناء قراءته، وهذا البلاء موجود مع الأسف.
  2. تمييز أفكار الكتاب الأكثر أهمية فالمهمة وأخيرًا الأقل أهمية، وكذلك الأمثلة الواردة فيه، والأدلة التي ساقها المؤلف حسب ترتيبها، وإذا لم تستبن هذه الأمور أو لم نستطع التمييز بينها، فترك العرض أولى من فعله وأسلم.
  3. يفضلّ في كل قراءة، وفي القراءة التي سيعقبها استعراض للكتاب على وجه الخصوص أن تضيء حواشي الكتاب بالملحوظات ما بين إشارة وسؤال وعنوان واختصار، فهي تفيد في تركيز القراءة، وتجعل من الكتابة اللاحقة لبابًا عذبًا سائغًا.
  4. التأكد من خلو الكتاب من السرقة العلمية قدر المستطاع.
  5. سيكون حسنًا بعد ذلك الاطلاع على ما كتبه الآخرون عن هذا الكتاب المراد عرضه.

خلال كتابة العرض:

  1. توضيح معلومات الكتاب مثل عنوانه الأصلي والفرعي، واسم المؤلف والمحقق والمترجم وكاتب التقديم، والتعريف بالناشر مع سنة الطبع، وحجم الكتاب مع عدد صفحاته ونوع الورق؛ فهذه المعلومات الشكلية تصنع ألفة مع الكتاب.
  2. تحديد مكونات الكتاب حتى لو لم ترق لنا بسبب سوء التقسم أو تداخلها، وهذه المكونات هي المقدمة والفصول والملاحق والفهارس.
  3. وصف غلافي الكتاب وهذه مسألة مهمة ربما يغفل عنها البعض، وذات مرة طلب مني الحديث عن كتاب سبق لي استعراضه؛ فجعلت جلّ حديثي عن الغلاف وتركت مضمون الكتاب للمشاركين معي في الحديث.
  4. الإشارة إلى فكرة الكتاب وحقله العلمي، ويمكن تعريف موقع المؤلف من هذا الحقل وخبرته فيه، مع التنبيه على اهتمام المؤلف، والسياق الزمني لتأليف الكتاب، ولهذا فائدة في عذر المؤلف أو الشكّ في نتائجه.
  5. نقل بعض العبارات بنصها أو مختصرة أو مصاغة بلغة كاتب العرض، “ولا يَدخل في تحريف النصِّ اختصارُه بشرطين: الإشارة إلى ذلك، وأن لا يخلَّ بمقصد قائله، ولا يَخرج عن مراده” كما قال الشيخ بكر أبو زيد.
  6. إذا كان العرض تلخيصًا فيفضل إدراج كلمة وافية عن أفكار الكتاب وفصوله دونما غبش حتى لو اضطررنا إلى كسر المقالة على غير ما قسم.
  7. إذا كان العرض مراجعة فمن المهم إخبار القارئ بإيجابيات الكتاب وسلبياته حتى يكون منها على علم، وهل كان المؤلف موضوعيًا قليل التكرار؟ وهل الفكرة من مبتكراته أم نقلها بتطوير أو بدون؟
  8. أيًا كان نوع العرض فسيكون حسنًا لو أوقفنا القارئ على فرائد الكتاب وسوابقه ونواقصه التي أغفلها، مع الحكم على أسلوب المؤلف ولغته وطريقته في التأليف وعلميته.
  9. إفادة القارئ بإحالته على مراجع أخرى تتقاطع مع موضوع الكتاب، مع التنبيه على كتب المؤلف الأخرى إن كانت تستأهل التنويه عنها.
  10. الحكم على عنوان الكتاب وحجمه وطريقة تنظيمه وسهولة فهارسه وكشافاته.
  11. يجوز أن نختار لمقالة العرض أيّ عنوان نرتضيه وليس بالضرورة أن يكون نفس عنوان الكتاب.
  12. من المناسب كتابة مقدمة وخاتمة للعرض من إنشاء الكاتب.

بعد كتابة العرض:

  1. مراجعة المقالة كما نفعل مع أيّ كتابة أخرى، ويمكن أن نستشير فيها آخرين خاصة في البدايات.
  2. نشر المقالة في المكان المناسب فلم يعد النشر محتكرًا.
  3. التواصل مع المؤلف والناشر من باب الانصاف، ولربما كان لهم رأي.
  4. وضع ملاحظة على نسخة الكتاب تفيد الانتهاء من قراءته وكتابة عرض عنه.
  5. تقبل رأي الآخرين وخصوصًا المؤلف والناشر، مع قبول الصواب منه وتصحيح أي خطأ وإكمال أي نقص.

أفكار إضافية:

  1. يجوز الاقتصار على عرض قسم من الكتاب مع إشعار القارئ بذلك.
  2. يمكن تصميم العرض على شكل جميل ورسوم شجرية أو غيرها تناسب اهتمامات أجيال الشباب.
  3. تُعدُّ القنوات المرئية، والمنصات المسموعة، وسيلة عصرية مناسبة لعرض الكتب في زمن مختصر يحفظ الوقت، ويتناسب مع التوجهات العامة للجنسين.
  4. أندية الكتاب، وجلسات الحوار لمناقشة الكتب، وتحليلها، مثمرة للغاية إذا كانت سمة الجدية من الجميع أو الغالبية ظاهرة فيها، مع حسن الانتقاء في المضمون، ومدير الحوار، ومناسبة الكتاب للمشاركين.
  5. لبعض المربين جلسات منزلية مختصرة، أو خلال رحلات السيارة الطويلة، أو ضمن أوقات القهوة المنزلية العابرة، أو على هامش اللقاءات والاجتماعات، يشار فيها ولو عَرَضًا لكتاب، أو مؤلف، أو فنّ، وهذا من أقلّ حقوق الأسرة والأبناء.
  6. يعمد بعض المثقفين إلى جمع ما كتبوه في عروضهم ضمن مؤلف واحد كما فعل العقاد والطناحي وغيرهما، وربما يسبكها في سرد جميل مثلما صنع الأحمري، وميللر، ومصطفى حسين، وغرينيه، وبلال فضل، وميلر، وآخرون كثر.
  7. إذا انتقدت كتابًا ولو كلت المديح لمؤلفه وكان نقدك موضوعيًا ولطيفًا؛ فلا تستغرب من غضبة المؤلف عليك أو مقاطعته لك، والأفضل ألّا تبالي!

كما يحسن الإشارة أخيرًا إلى أن عملية عرض الكتب تفيد صاحبها أكثر من غيره، إذ يتعلم القراءة الفاحصة، وترتقي لديه مهارات التفكير والنقد والتحليل، ثمّ يجيد الكتابة والتأليف، ويمتلك مهارة التلخيص والتكثيف في الحمل والأداء، ويصبح مضمون الكتاب حاضرًا في ذهنه ولو بعد حين، ويستغني بما كتبه عن إعادة القراءة، فأحسن طريقة للإفادة من الكتاب هي اختصاره أو تلخيصه أو عرضه أو مراجعته، وسوف تأتيه أفواج الكتب المهداة من كلّ صوب، ولربما أصبحت كتابة هذه العروض مصدر رزق له.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الإثنين 22 من شهرِ ربيع الآخر عام 1442

07 من شهر ديسمبر عام 2020م 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)