معجم كتب السير الذاتية
ينشأ عن العناية بأيّ أمر عبقرية خاصة به، وخير ما ينشغل به المرء أن يصرف جهده للعلم والأدب والوعي، حتى ينبثق عن انكبابه على مجاله الذي اختاره عبقرية لا تخلو من إتقان أو إبداع مع الإمتاع، وربما يحوز البعض تلك المكارم ويضمها معًا، وتكتمل الصورة الناصعة حين تسلم هذه العبقرية من إشكال يصيب أهلها خلاصته أن يصبح الإنسان مسكونًا باهتمامه لدرجة أنه لا يرى غيره مهما كان، وتلك آفة تسري فتفسد الأعمال الكبيرة، ولعلّ صاحب الكتاب الذي سأتحدث عنه قد فاز بالحسنات، وسلم مما يقابلها، والفضل لله المنعم.
عنوان الكتاب: معجم كتب السير الذاتية في العصر الحديث، تأليف: محمد بن سعود الحمد، نشرت دار الثلوثية الطبعة الأولى منه عام (1442=2020م)، ويقع في (556) صفحة مكونة من إهداء عذب سطره المؤلف لوالديه الكريمين، وكلمة حانية من أبيه بخطّ يده الجميل، ثمّ استفتاح فيه ابتهالات وتأله، يعقبه استهلال يحوي خلاصة جميلة عن فن كتابة الذات، فسرد معجمي لكتب السير الذاتية، وفي نهاية الكتاب تعريف بالمؤلف، ثمّ طُرز الغلاف الخلفي بكلمة قصيرة وافية عن الكتاب والكاتب بقلم الأديب المصري المعمّر وديع فلسطين، وهو الذي حفظ لنا سير أعلام عربية وأعمال أدبية، وكفى به خبيرًا.
صرف الشيخ الأديب الحمد جهد ثلاثة عشر عامًا وحده دونما معين مباشر، ودخل بمعجمه تاريخ العلم والتأليف بعد أن حصر (6374) عنوانًا من كتب السير الذاتية المعاصرة العربية والمعربة، ثم جمعها بين دفتي كتاب ورتبها حسب حروف المعجم مبتدئًا بكتاب عنوانه: آثرت الحرية، وانتهى بكتاب عنوانه: يومياتي المعلنة، وتلك موافقة لافتة لأن أوضح تجليّات الحرية هي العلنية وليست السرية، وبينهما كلمات كثيرة واردة في العناوين سيأتي بيان بعضها وفيها ما فيها من سعادة وعكسها، وتفاؤل ونقيضه، وتلك هي الحياة، وإنما سيرة الذات انعكاس للدنيا بأكدارها وأفراحها.
أيضًا من موافقات الكتاب اللطيفة أن المؤلف كتب استهلاله في الروضة الشريفة بالمدينة النبوية على ساكنها أتم الصلاة والتسليم، وتاريخ كتابة مقدمته في العشرين من شهر جمادى الآخرة عام (1441)، الموافق في التقويم الميلادي للرابع عشر من شهر فبراير عام (2020م)، وهو يوم للحب عند الغرب ومن فُتن بهم، والمعجم بنصبه وسنواته وعدد كتبه شاهد صدق على الحب الكبير الذي جمع بين المؤلف وبين فن السيرة الذاتية، وله حول هذا الحقل الآسر كتاب آخر منتظر فيه درس وتحليل من جهة، وتأكيد لميثاق العشق من جهة أخرى.
أما إذا أردنا العبور بجوار عناوين الكتاب الكثيرة فسوف نجد أنها تدل على مضمون هذا الفن وإن اختلفت الآراء فيه وفي أصنافه، فهو اعترافات وذكريات ومذكرات وخواطر ويوميات، وفيه رحلة وطريق ومسيرة وشهادة على مشاهدات، ونسمع أصواته على تباينها، كما نرى صوره وإن اختلفت، ونستعذب حكاياته وقصصه وسيره حتى لو كانت مليئة بالمحن والعذاب تلميحًا أو تصريحًا بالسجن والاعتقال، والجوع والحرب، والتشرد والمرض، والحرمان والمنفى.
ومن ضمن العناوين المستعملة حصاد عمر، ورسائل لغائب أو قادم، وحديث وصفحات وأوراق، ولا تخلو من الإشارة إلى صراع ومآس وسجون ومعتقلات وأرقام، ويحوم قسم منها حول حياة وأيام وسنوات ومراحل حتى يدون الكاتب في دفتر الحياة نصيبه منها، ويظهر فيها حقائق وإلماحات من جنس عندما عشت، أو كنت مع، أو في المرايا والعبر، أو من المشوار والمسير، أو لمحات بين حوادث السنين ومجريات الزمن، وما تتركه من صدى وتجارب، ولبعضها عناوين فريدة غير مسبوقة، وتلك مهمة عسيرة تبرز نفسها أمام من يكتبون سيرهم كي يسعوا إلى التجديد والنحت منعًا لتكرار المستهلك قدر المستطاع.
ومع الأخذ بالاعتبار أن هذا العمل العربي الأول جهد فردي بلا مثال ينطلق منه، وأن مؤلفه قد عكف عليه من دون تفرغ أو تفريغ تام له، فيمكن خدمة هذا المُنجز التاريخي من خلال هذه المقترحات التي أعلن المؤلف أنه سيسعد بها:
- إضافة خريطة مكانية توضح بلدان أصحاب السير.
- وضع تسلسل زمني يحصي تواريخ الميلاد أو الوفاة للمؤلفين.
- إحصاء عدد سير الرجال وعدد سير النساء.
- بيان وظائف أصحاب السير وأعمالهم ومجالاتهم الإبداعية.
- تمييز كتب السير المحلية لخصوصيتها بالنسبة للقارئ.
- تحديد أكثر كلمة مستخدمة في عناوين كتب السيرة التي أحصيت لعلها أن تجتنب.
- فرز السير التي كتبها أو أملاها أصحابها عن غيرها.
- إفراد ملحق بمعجم لما كتب عن السير الذاتية بالعموم أو عن سيرة بعينها من دراسات.
- الإشارة إلى ما حظيت به بعض السير من ترجمات أو تعليقات أو تعقبات أو تبعات.
- إضافة فهارس كاشفة عن عناوين الكتب، وأسماء المؤلفين، وستكون خير معين للقارئ.
- وضع فهرس بمحتويات الكتاب كما جرت العادة.
- تحديث المعجم كلّ خمس سنوات، وليت أن مؤسسة ثقافية محلية تتولاه بالتعاون مع المؤلف الشيخ محمد الحمد؛ فهو منتج وطني فخم جدير بألّا يخرج عن بلادنا.
جزى الله الشيخ الكاتب خيرًا، والشكر مع الدعاء مبذولان لجميع الكرام الذين أوردهم المؤلف في استهلاله من باب الوفاء لهم، وعسى أن يكون من ثمرة هذا العمل تشجيع المحجمين أو المترددين حتى يكتبوا سيرهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تنشيط العمل الموسوعي والمعجمي ابتكارًا أو تحديثًا؛ فهو مفتاح للعلوم والمعارف والفنون، وخير سبيل للوصول إلى المبتغى بلا عناء أو مشقة زائدة، وتلك يد لأبي سعود على العلم والأدب وأهلهما، ويد ثانية على التاريخ وعراقة المجتمعات، ويد ثالثة على محبي القراءة في السير الذاتية، والغوص فيها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الثلاثاء 24 من شهرِ ربيع الأول عام 1442
10 من شهر نوفمبر عام 2020م