لديّ فضول آمل أن يكون حميدًا، وينحصر تحديدًا في محاولة معرفة معاني الأسماء، وسبب التّسمية، وتاريخها، سواء عاد الاسم لإنسان أو مكان أو كيان، وكثيرًا ما سألت من تنشأ بيني وبينه علاقة وثيقة عن هذا الشأن، أو أبحث حوله، وأشتري الكتب الخاصّة بالمعاني وتاريخها، فهي من مُلح العلم وطرائفه التي تنشط على مواجهة الأعمال الصّعبة، ولا تخلو من علم ودلالة أحيانًا.
ومن الطّبيعي أن أعامل نفسي بهذه الطريقة، فمن السؤال عرفت أن أكثر الاحتمالات إبّان الحمل بي ذهبت صوب الاعتقاد بأني فتاة ولم تكن معرفة جنس الجنين بالأشعة حينذاك متاحة أو شائعة، فاختير لي مباشرة اسم عمّة الوالد وخالته رحمهما الله “منيرة” وهي حديثة عهد بوفاة، وفي حال صار الحمل ولدًا على خلاف التّوقعات، فاسمي المتفق عليه سلفًا هو “حمد” على جدّي لوالدتي رحمه الله الذي توفي قبل ربع قرن من ولادتي عن ستّة وخمسين عامًا، وأشتهر هو وآباؤه بجمال الصّورة، وعذوبة الحديث، وسماحة النّفس، رحمة الله عليهم أجمعين.
فلم يكتب الله الاسمين لي، ويرجع سبب ذلك لقصّة أرويها عن والدتي حفظها الله، وسمعت مثلها من أحمدين عاصرتهما وبالتالي فلا خصوصية لي فيها، وفحوى القصّة أنّ جدّي لوالدي رحمهما الله لم يخض في شأن التّسمية بتاتًا، وإنّما أخبر والدي قبل الولادة بوقت يسير أنّ رجلًا طِوالًا أبيض الثياب جاءه في المنام قبل شهور وأخبره أن زوجة ابنه حامل، ثمّ قال لجدي: اسمه أحمد! وغادر المكان وهو يردّد خبره الطلبي هذا، وهو ما حصل بعد ميلادي في التاسع والعشرين من شهر الله المحرّم في مستشفى التابلاين.
وبالنسبة لي فمعاذ الله أن أعتقد كرامة في هذا الأمر، والله أعلم بالغيب والشهادة، ومنه أرجو الغفران والصفح والتوبة والقبول، وإليه يرجع الفضل كله، وربما يكون منام جدّي حديث نفس لكثرة من سمّى ابنه بأحمد ممن هم حول الجدّ من أقرانه وسواهم، وأجزم بأن والدي اختار هذا الاسم برًا بأبيه دون تعلّق بالمنام وما فيه، والحمدلله أن اختار لي اسمًا حسنًا، وشهرًا حرامًا، ووافقت أيام ولادتي بالتّقويم الميلادي ذكرى غزوة بدر الكبرى، وتزامن مع يوم ميلادي وسنته انطلاق أعمال ومؤسسات ذات أثر محمود في حقول شتّى إعلامية وتعليمية وتاريخية وإغاثية، وهي باقية إلى اليوم والله ينفع بها.
أما ذكرياتي مع اسمي فكثيرة، منها أنّه خدمني في الامتحانات الشفوية بينما عانى زملائي يوسف ويزن من حرف الياء وترتيبه الأخير، وكنت في صغري أفرح حين يقول خطيب الجمعة: “أحمد الله” ويرمي بصره صوب جهتي لأني أظنّ بأنه يقصدني، بينما أمتعض إذا جرى الحديث بين والدي وجلّاسه عن رجل اسمه “أحمد فرّاش” إلى أن فهمت المراد، وأن المقصود ضابط شرطة كبير يحمل هذا الاسم وليست جملة من مبتدأ وخبر! وكان أحد أصدقاء والدي يناديني إذا شاهدني قائلًا: “أحمد لاري”، وعرفت فيما بعد أنّه سياسي ومثقف من أهل الحجاز الشّريف نال بعض الشهرة في زمانه، وأحد أنجاله كاتب ورئيس تحرير قديم لصحيفة عكاظ.
ومن المواقف الطريفة أن والدي يتعامل مع سبّاك عربي لا يخلو من بقايا ثقافة وخوض جدلي، مع استناد لكثير من الأحاديث والأخبار الموضوعة أو الضعيفة، ويكره هذا السباك جميع من يحمل اسم أحمد نكاية بابنه أحمد الذي لم ينجح في دراسته ويتشاكل مع والده كثيرًا، وأصيب السباك بالحرج حين صارحني برأيه الجارح من أيّ إنسان اسمه أحمد ثمّ علم أني واحد منهم؛ لأنه قال لي جازمًا: “أبينفعش أيّ أحمد ولا حتى فلان وفلان من مشاهير العلماء”! وكثيرًا ما نادتني طفلة صغيرة قائلة: “أعمد”، وهُتافها المحرّف هذا أصبح مثار تندر بعد مضي السنوات.
كما لفت ابني عبدالمحسن -سلّمه الله- نظري إلى أنّي الوحيد من بين أعمامه -إخواني حفظهم الله- الذي لم يُطلق عليه اسمه ليكون على اسم قريب لنا من الأجداد أو الأعمام والخؤولة، وكذلك فلم يكن من آبائي وأجدادي الذين أحفظ تسلسلهم من يحمل هذا الاسم قبلي فيما أعلم، وإن انتشر في جيلي وما حوله من أجيال بعد ذلك، هذا غير كونه لقبًا لعوائل كريمة كثيرة في نجد الشّامخة وغيرها.
وربما يعجب القارئ حين يعلم أني لا أستلطف اسمي على الأطفال الصّغار، بل ربما أدركتني الرحمة لطفل اسمه أحمد، ولا أدري هل سيظلّ معي هذا الشعور أم يختفي، وأما الكبار فأراه لائقًا عليهم، كما أن عيني لاترتاح للاسم مكتوبًا بلا همزة. وذات يوم أسمعني صاحبي الخبير عبدالإله المطلق نطقًا عذبًا لأحمد، والأذن تعشق قبل العين أحيانًا، ومن يدري فلربما تجعل اللكنة من شيء غير مستساغ أمرًا لذيذًا!
بالمقابل يحظى اسم أحمد بمكانة كبيرة لدى الصوفية، وقرأت مرة نصًا نسيت موضعه يُنسب للشعراني صاحب الطبقات الصوفية يتضمن ترغيبًا مُبالغًا فيه بالاسم، مع منحه مزايا أخروية لم تثبت بنصوص صحيحة، وفي تسمية القرآن للنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام أحمد غنية عن ذلكم الاختلاق، فهو محمّد وأحمد صلى الله عليه وسلم، وسبقه في الجاهلية من حمل اسم محمّد خلافًا لأحمد الذي لم يُعرف قبله على الأرجح، ثمّ حاز شرف اللحاق المباشر به أحمد الفراهيدي والد العالم الفريد الخليل بن أحمد صاحب العروض وغيرها، ونال الاسم حضورًا كثيفًا بعد ذلك في أعلام أمتنا من العلماء والكتّاب والأدباء والشعراء، مثل ابن تيمية، والمتنبي، وابن حجر، وابن شهيد، وابن عبدربه، وأحمد شوقي، وسواهم خلق كثير، والحمدلله.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن نكون من أكثر الخلق حمدًا له وشكرًا وتسبيحًا وتقديسًا واستغفارًا وأوبة، وأن يختار لنا أعمالًا محمودة عنده ومرضية ومقبولة، ويكتب لنا لسان صدق في الآخرين، ويجعلنا من ورثة جنة النعيم ووالدينا وجميع من يقرأ ويؤمن ممن يحمل اسم أحمد أو غيره من الأسماء جعلها الله حسنة مباركة، والله يحيط حياتنا بالمحامد والمكارم، ويعيذنا من خلافهما، ويجيرنا مما يبعدنا عن الحمد والفضل وسبيلهما.
الرياض- الأربعاء 29 من شهرِ محرم عام 1442
17 من شهر سبتمبر عام 2020م
2 Comments
بارك الله لك في اسمك الكاتب الفاضل احمد .اسمك اسم عربي قديم . ولقد قيل لكل امرئ من اسمه نصيب فاحسنوا تسمية ابناؤكم . مشتق من الحمد والثناء يعني اكثر حمدا واحمد اي ويحمده ويثني عليه الناس على ما يملك من خصال طيبة وصفات حميدة. يستحب ويفضل بل ويثنى على من يسمى مولوده بهذا الاسم . لما له من مكانة وقيمة وعلو ورفعة في الاسلام . حيث انه اول اسم سمي به نبى البشرية محمد صلى الله عليه وسلم حيث ورد في القران الكريم بلسان النبي عيسى عليه السلام {… ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد …}سورة الصف اية [6] وفقك الله لما يحبه ويرضاه
الحمد لله أن جعل لي نصيب بالتعرف عليكم وإن شاء الله يكون لنا نصيب في شفاعة احمد سيد المرسلين صل الله عليه وسلم في يوم الدين