كي لا تتعطل الأوقاف!
من سعادة أيّ مجتمع أن تزدهر فيه ثقافة الأوقاف، فهذا يوقف مالًا أو عقارًا، والآخر يوقف علمًا أو مكتبة أو مهارة، وهكذا وما أوسع فضل الكريم الوهاب. وتزداد قيمة المجتمعات إذا وجد فيها مراكز للبحث والاستطلاع والاستشراف، تبصر الخلل أو الفرص، وتبادر في استقصاء السُبُل الحكيمة للتعامل معها، وأما ذروة سنام السعادة والقيمة فيكون بحضور الأذن الواعية التي تميز القول النافع، وتدرك الرأي الناصح، وتتعاون معه، وتعمل به.
أقول ذلك بعد صدور كتاب مختصر عنوانه: الأوقاف المعطلة في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر الخبراء: دراسة استطلاعية، وهو الأول ضمن سلسلة استشراف مستقبل الأوقاف، الصادرة عن استثمار المستقبل ومؤسسة عبداللطيف العيسى الخيرية عام (1441=2019م)، ويقع في (81) صفحة مكونة من ملخص تنفيذي ومقدمة، ثمّ أربعة محاور فخاتمة يعقبها ملحق بالجداول وقائمة بالأشكال، وعلى غلافها الخلفي تعريف ببيت الخبرة الذي أصدر هذه الدراسة، وأما الغلاف الأمامي فتظهر فيه صورة يد واثقة تنبع من هذا البلد المبارك وهي تحمل مصباحًا بكل رفق وأناة، فجزى الله مؤسسي هذا المركز والقائمين عليه كل خير، وفي مقدمتهم معالي الشيخ العَلَم صالح الحصين رحمه الله.
شارك في هذه الدراسة الاستطلاعية مئة وأحد عشر خبيرًا من شتى أنحاء المملكة حسبما ورد في الملخص التنفيذي، واتفق الخبراء المشاركون على أن الأوقاف المعطلة مشكلة واقعة، ويرى ثلثهم أن الوقف يعد معطلًا إذا لم يُستفد منه وتعطل إيراده، بينما يرى الربع أن الوقف يوصف بالتعطل إذا بلغ إيراده ربع إيراد المثل في السوق، كما جزم أكثرهم بارتفاع قابلية الوقف الزراعي للتعطل، وأما الأسهم والشركة الوقفية فهي آمنة من التعطل برأي ربع المشاركين، ويتوسط الوقف العقاري في منزلة بين المنزلتين.
أما أبرز ما يواجه الأوقاف فهو نقص كفاءة الناظر أو مجلس النظارة، وضعف بعض الأنظمة والتشريعات، والقصور في صياغة الوثيقة الوقفية، ويبدي نصف الخبراء التفاؤل بعلاج هذه العلل، ويرجعون ذلك إلى نشاط هذا الحقل علميًا وعمليًا، وازدياد عدد الموارد البشرية المؤهلة، وتفاعل المؤسسات الرسمية ذات العلاقة مع جميع المقترحات والدراسات، فضلًا عن التوجه الرسمي لتمكين هذا الرافد المجتمعي العظيم حتى يشارك في التنمية والاستدامة.
بينما أشار بيت الخبرة -استثمار المستقبل- في المقدمة إلى أن غايته من إصدار هذه السلسلة الاستشرافية التي يعدّ هذا الكتاب أولها وسيتلوه غيره بإذن الله يتمثل في أهداف أربعة خلاصتها: تطوير البيئة التشريعية الخاصة بالأوقاف، ونشر آراء الخبراء وأهل الاختصاص، وتعظيم منافع الوقف على جميع الأطراف، والتحفيز نحو إجراء المزيد من الدراسات والبحوث في هذا الميدان الخصيب.
كما تقوم منهجية العمل منذ بدايته وحتى الفراغ منه على إعداد ورقة عمل تعرض على ممارسين ومرجعيات في التنظير والتطبيق داخل مجال الأوقاف، ثمّ بناء قاعدة معلومات بالخبراء المحليين، ويعقب ذلك صياغة أسئلة الاستطلاع الذي سيطرح على أولئك الخبراء، ثمّ يُجرى هذا الاستطلاع وفق منهجية علمية، وأخيرًا تُحلل الآراء وصولًا للنتائج والتوصيات العملية؛ فهي الثمرة المرجوة من هذا الأداء المجهد.
يتحدث المحور الأول عن ظاهرة تعطل الأوقاف: مدى انتشارها، وأسبابها، وكيفية تحديدها، ويختص المحور الثاني بآراء الخبراء حول الحلول والإستراتيجيات لمواجهة ظاهرة تعطل الأوقاف، ويستشرف المحور الثالث مستقبل الأوقاف في المملكة العربية السعودية من منظور الخبراء والمختصين، ويقف المحور الرابع عند أبرز المعوقات التي تواجه حلول الأوقاف المعطلة من وجهة نظر الخبراء والمختصين، ويحتوي كل محور على نتائج تحليل آراء المشاركين بما يعطي تصورًا واضحًا عما يدور في أذهانهم، وفي آخر الدراسة خاتمة بالخلاصة واللباب، ثمّ الجداول والأشكال ليراجعها من شاء التأكد من أيّ معلومة.
وختم مركز استثمار المستقبل هذه الدراسة الاستطلاعية مبديًا الاستعداد التام للتعاون مع ذوي الشأن بإجراء الدراسات، أو عقد مجموعات التركيز، أو تقديم الخدمات الاستشارية، أو تنظيم المؤتمرات المثمرة، أو غير ذلك مما ينهض بالقطاع الوقفي خدمة للبلد والمجتمع، ومشاركة في صنع مستقبل بإشراقة أكمل.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 18 من شهرِ ذي القعدة عام 1441
09 من شهر يوليو عام 2020م