تأملات بريئة!
الكون بمن وما فيه مزدحم بالآيات والعبر والدلالات، وإنما يصيب الناس منها على قدر تفكرهم وتأملهم، وحملة الأقلام للكتابة والرسم يحتاجون التأمل لرفد أفكارهم بينبوع لا ينضب، فالفرق بين أهل الفنون وغيرهم أنهم حين ينظرون إلى الشيء يستنطقونه ويغيرون من طبيعته وربما سرحوا مع الخيال حتى تتوافر مادة لعملهم، والحصاد على قدر البذر والتعب.
ففي الغبار والرياح والأعاصير عبرة لمن تأمل؛ إذ يطير بسببها الرخيص من الورق وذرات التراب وما لا قيمة له عند بني آدم، أو مالا يدفعهم طيرانه لملاحقته واسترجاعه من هوانه عليهم، وأما الجبال الشم فرواسخ، والنخيل الباسقات فشوامخ، ويحفظ الذهب والفضة والنقد في حرز أمين من اللصوص والأعاصير، والأمر بيد المرء إن شاء شابه الهباء التافه، أو تسامى مع النفيس الثمين.
كما تعلمنا السيارة مفاهيم للنجاح وحسن الإدارة يمكن إجمالها بما يلي:
- حدد مسارك قبل الحركة، وحافظ عليه إلّا إن رأيت المصلحة الراجحة في تغييره.
- تحرك للإمام، ولا ترجع إلّا لضرورة ملجئة، ولمسافة قصيرة تمضي قدمًا بعدها.
- استخدم المرايا والإشارات لتنجو ويسلم غيرك، وافهم المؤشرات في مركبتك ومراكب الآخرين حتى لا تهلك أو تُهلِك.
- إذا تعسرت عليك القيادة أو أصبح الاصطدام حتميًا فتوقف أو غير الطريق.
- جدد سيارتك إذا كانت لا تخدمك أو ذات أعطال متعاقبة.
- للوقود أولوية على كل شيء.
- صيانة أجزاء السيارة المخفية أسفلها أو داخلها يحمي من الكوارث.
وإذا نظرنا إلى الساعة فهل هي مجرد أداة أو جهاز لضبط الوقت فقط؟ ألا تخبرنا الساعة أنه لا يصح إلّا الصحيح مهما حاولوا تقديم الوقت أو تأخيره؟ أليست الساعة المتعطلة تكون على صواب في وقتين خلال اليوم وإنما الخلل في طريقة فهمنا لها؟ ألا تدل كثرة أصنافها أنه من العبث المزاحمة في ميدان نتيجته يمكن أن يؤديها واحد عن ألف؟ وهذه الكثرة الكاثرة من أنواع الساعات ألا تفتح الآفاق على ألف وسيلة لتحقيق غاية واحدة؟!
بينما يلفت الحذاء-أكرمكم الله- النظر، فمن طبائع الحِذاء أن قدمَ مالكه تدوس عليه وتضغط بقوة دون رحمة ولا تقدير، ولا يستمر في الخدمة إلّا إذا توافق مقاسه مع القدم دون ضيق أو سعة، وإذا دخل صاحبه محلًا قذرًا لم ينزعه، وإذا دخل موضعًا شريفًا خلعه بعيدًا، وبعد انتفاء الحاجة له سيرميه في أيّ مزبلة! ولربما حمل الحذاء صاحبه زمنًا ووقاه من الأشواك والمسامير، ثمّ يأتي يوم يتخلص المالك منه، وتلك هي حقيقة الحِذاء.
إن من جملة تسخير الله الأشياء لنا أن جعلها منبعًا لأفكار عديدة، وما مضى مثال يمكن أن ينسج عليه بل ويمكن أن يقال عما سبق غير ما سبق، ويبقى الأمر الأهم هو أن الغاية منها فتح الفكر على سبل للتأمل والاعتبار، وهي ضرورة لصناع المحتوى، وليس الهدف شيئًا آخر مما يظنه أقوام أو يتوهمه آخرون ممن ابتلاهم الله بعصر أيّ كلمة حتى تأن وتصرخ معها كافة حروف الهجاء.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 14 من شهرِ جمادى الأولى عام 1441
09 من شهر يناير عام 2020م
- التقييم أدناه أو عبر التعليق والمراسلة يشبه الحكم والشهادة، وهو فضل منكم خاصة حين يعبر عما تعتقدونه.