الشبيلي على منصة الرحيل!
حظي رحيل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي المفاجئ بعدد ضخم نادر من التفاعل والرثاء نثرًا وشعرًا، وصار الرجل سيد المشهد في الإعلام بنوعيه القديم والجديد لفترة أطول من المعتاد، وشملت بركته من توافقت وفاته مع أيامه الأخيرة الأليمة؛ وانتفعت جنائز مسجد البابطين شمال الرياض من العدد الكبير القادم للصلاة والتشييع، ولعله من قوم جعلهم الله مباركين أحياء وأمواتًا.
وحين اعتلى أبو طلال منصة الرحيل صامتًا غدا في مماته أفصح منه حيًا وأوعظ، مع أنه كان في محياه يتحدث بلباقة، ويكتب بلطف، ويحاور بذكاء، وفي جميع الأحوال بعمق وعلم، وأضحى وداعه من أفضل صنف يمكن أن يناله أي رمز، فكم من حسنات تبعته لمثواه من أثر الدعاء والثناء الحسن والصدقات عنه، وأي خير متواصل سيجنيه بعد أن تصبح سيرته قدوة، ومنهجه مثالًا، وآثاره نبراسًا، ورحيله سببًا للسعي نحو إدراك بقية رموزنا الأحياء بما يليق بهم من تقديم وتوقير، ونهل لا ينقطع من معينهم.
وكم أتمنى أن تسارع كليات الإعلام لاعتماد أحد كتبه المناسبة مرجعًا أساسيًا للمقررات التي يخدمها، وإتاحة دراسة مسيرته أو تحليل برنامجه شريط الذكريات أو مقالاته ضمن أطروحات الدراسات العليا. وربما يسبق أحد المراكز التي أسهم معها بجهده وفكره لتبني إصدار كتاب يُهدى إليه يتضمن فصولًا متينة في الإعلام والتعليم والشورى والتوثيق التاريخي، يؤلفها أساتذة كبار في هذه الفنون، وتقع في موازين أعماله عند الله.
بينما لو سعت وزارة الثقافة إلى جمع أعماله المنشورة وتلك التي فرغ منها ولم تطبع، وجعلتها في مجلدات تحوي الأعمال الكاملة له، وأودعت نسخًا منها في مكتبات المملكة والدول العربية، وفي مكتبات الجامعات التي درس فيها الماجستير والدكتوراه، لكان في صنيعها ما يثري ثقافتنا ويبرزها.
كما تصف وزارة الإعلام الوفاء لأحد بُناتها الأوائل لو نشطت لجمع كل ما كتب عنه خلال حادثة سقوطه من الشرفة، أو بعد تأبينه، وضمنته في غلاف واحد؛ مما سيحفظ هذه المادة الكبيرة المتنوعة، ويسهل الوصول إليها، فهي جزء نفيس من السيرة أملاه الراحل على الآخرين بشمائله ومنجزاته، وفيها شهادة حق لمجتمعنا بالعراقة والتقدير.
أيضًا يمكن لأسرته إتاحة جميع كتبه وأعماله ضمن تطبيق، أو على هيئة نسخ إلكترونية تُقرأ عبر الكندل وبقية الأجهزة اللوحية، فهذا من استدامة حضور المؤلف بعد وفاته، وليس بخاف عليهم كذلك ضرورة العناية بأوراقه ومحتويات مكتبته، وتعظيم سبل الإفادة منها؛ عسى أن تجمع له الصدقة الجارية مع العلم النافع، بهمة الذرية الصالحة، ويا له من إرث ذي أثر.
ولعنيزة الجميلة بكل شيء فيها مشاركة أكيدة في هذا المضمار، وهي بلدة تعتني بأبنائها دومًا، وبما أن شخصية المقال حفظ شيئًا من تاريخ عنيزة، وسير رجالاتها، وأخبار أعلامها، فمن المنتظر منها أن تبادله الإحسان بمثله وأزيد، وليس بمستغرب منها، ولا هو بكثير على من يخدم أهله ودياره.
أما الشبيلي فله همسة في أذن من يتصدى للشأن العام وخاصة في جوانبه الثقافية والفكرية ملخصها أن لينوا في يد مجتمعكم وأهله، وأطيبوا النية والكلام، وأجيدوا العمل ولو بدون أضواء، وأخلصوا وأحسنوا؛ فتدبير الله فوق أي تدبير، وما كان له سبحانه فسيظهر، حتى لو أُهمل المرء في حياته، فسيكون له بعد مفارقة الدنيا لسان صدق، وأجور لا تنقطع، وذاك لعمركم أبقى وأنفع.
لقد غادر الدكتور عبدالرحمن الشبيلي حياتنا قبل شهر بعد أن صار فينا نموذجًا نأرز إليه، وحنانًا نأوي إلى ظله، وسيرة نحتج بضوئها، فسلام عليك أبا طلال من محبيك وهم جم غفير، وممن لم تعرفه ولم يعرفك عن قرب إلّا لشهور يساوي عددها شهور الحمل الكامل، وآمل أن تكون ثمرتها عملًا خالداً بارًا صالحًا، يستجلب الدعاء والأحدوثة الجميلة والمآثر من ذلكم اللقاء اليتيم الذي غدا أشبه بالوداع.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
ahmalassaf@
الاثنين 25 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1440
26 من شهر أغسطس عام 2019م
One Comment