سياسة واقتصاد

الجور لا يصمد!

الجور لا يصمد!

كثيرة هي المعاهدات، والمواثيق، والاتّفاقيّات، والإعلانات الدّوليّة على اختلاف أسمائها، وتباين قوّتها، وعدد أطرافها، وأزمنتها، ومجالاتها، ونطاقاتها الجغرافيّة، فضلًا عن مستوى المتابعة لها، والحرص على تنفيذها؛ فقسم منها يحظى بضجيج وضغط، وبعضها يهمل، وجزء يستعمل عند حاجة الأقوياء فقط!

والعهد والميثاق عرف سياسي واجتماعي قديم، جاءت الشّرائع والأنظمة لتأكيد حتميّة الالتزام به، وضبطه قبل الشّروع فيه. وإذا كان موضوع المعاهدة خطيرًا، أو كان أطرافها على مستوى من الأهميّة الحاليّة أو المستقبليّة، زاد تأثيرها، وعظم حضورها في محيطها وربّما في العالم بأسره، وكم من اتفاقيّة أنجزت قبل عقود أو قرون، ولازالت قائمة وكأنّها ولدت بالأمس.

ومن الطّبيعي أن تكون الأمم القويّة والمنتصرة صاحبة مكاسب ضخمة من هذه الاتفاقيّات، وليس من المقبول أن تخرج الأمم الضّعيفة منها بالخسارة الماديّة، والهزيمة المعنويّة، والالتزامات المجحفة، وكم من قادة حصفاء، وساسة حكماء، اضطروا لمعاهدات ومواثيق، فاجتهدوا كي لا تبوء بلادهم وشعوبهم بأوزار وأثقال آنيّة ومستقبليّة.

ومن المخارج المناسبة للأطراف المستكينة والمغلوبة، رفض كلّ ما يمسّ الدّيانة أو السّيادة، والمناورة في باقي الموضوعات، وربط الشّروط بزمن، مع إتاحة مراجعتها بين فينة وأخرى، وتعليق إمضائها بموافقة النّاس أو ممثليهم، وغير ذلك ممّا هو متعارف عليه في السّياسة والتّاريخ.

ومع هذه الاحتياطات، يجب على الدّول ومراكز التّأثير فيها أن تسعى لامتلاك القوّة بصنوفها، وتغيير موازين المعادلة كي تفرض شروطًا أحسن لها بمجرّد انتهاء زمن الاتفاقيّة، أو إحداث أمر يستلزم تعديلها، أو اقتناص الفرصة لإلغائها بسبب مخالفتها من طرف آخر، أو استثمار أيّ متغيّر دولي لاتّخاذ موقع جديد لصالح البلاد والعباد.

وفي التّاريخ الحديث أمثلة لاتفاقيّات أسهمت في أحداث كبرى، أو كانت نتيجة لوقائع سابقة عليها كحرب الثّلاثين، والحروب العالميّة، وحروب الاستقلال، وغيرها، ولها عواقب تجاوزت أقاليمها، ومن المؤسف أن تكون أمّتنا غائبة أو حاضرة خاسرة في كثير من هذه المعاهدات من سيفر إلى سايكس بيكو ودايتون وغيرها.

كما يحفل العصر الحديث بمواثيق وإعلانات عالميّة، وإنّ مراجعتها لتوضّح أنّها صيغت منطلقة من ثقافة الغالب ورؤيته، كما أنّ متابعة تطبيقاتها يؤكد أنّها تقوم مقام العصا الغليظة في يد القوي؛ يهشّ بها على الضّعيف، أو يضربه، أو يستنزف خيراته، أو يحطّم رأسه، أو يعتدي على ثقافته، بينما لا يملك الضّعيف أن يخوّف بها المستكبر أو يحاكمه بموجبها، ولا يصبر على الذّل إنسان أبيٌّ حرٌّ شريف!

 أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الاثنين 16 من شهر ذي الحجّة الحرام 1439

27 من شهر أغسطس 2018 م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)