دين لا يتراجع!
مضى على مبعث النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم ألف وأربعمئة وثلاثة وخمسون عامًا، وجاء على حين فترة من الرّسل، يجدّد دين إبراهيم عليه السّلام، ويدعو العالمين إلى ربّهم وإلههم، فصار خاتم الأنبياء، وبموته انقطع وحي السّماء.
وخلال سيرته، سلك شتى السّبل للبلاغ، وفي أقل من ربع قرن مارس جميع صنوف الدّعوة التي فعلها الأنبياء قبله عبر مئات السّنين، فدعى النّاس سرّاً وجهرًا، فرادى وجماعات، سلمًا وحربًا، وغشى الأندية والمواسم، وبحث عن أنصار وحلفاء، وعقد معاهدات وتحالفات، ولم يتنازل عن دينه ودعوته قيد أنملة.
وتعرّض جنابه الكريم إلى الإيذاء بصنوفه، والمضايقات بأنواعها، حيث رماه الكفار بأشنع الأوصاف، وأشاعوا عنه زورًا أسوأ الأعمال، ونالوا منه جسديًا وأسريًا، وحاولوا التّضييق عليه وحصاره حتى في المشترك الإنساني الذي يأنف من استخدامه أهل الشّيم والمروءة، ولم يكفّوا عن محاولة قتله إلى أن خرج مهاجرًا.
ولم يسلم أتباعه من العذاب المادي والمعنوي، وحفظت كتب التّاريخ قصصًا مروّعة، من قتل، وصلب، وتعذيب، وحرق، وسلب، وتهجير، ومقاطعة؛ بيد أنّهم صبروا وصابروا، ورابطوا على حماية الدّين، وتعاهدوا على تبليغه والثّبات عليه، وكان قدوتهم وإمامهم معهم يسمع ويرى ويشاركهم في العناء، ويعدهم بالنّصر والظّفر بعد الصّبر واليقين.
ويشاء الله القدير العزيز، أن يرحل جزء من ذلكم الرّعيل الكبير دون أن يروا ظهور دينهم، ويمتد العمر بآخرين، ليشاركوا في المعارك الفاصلة، ويشاهدوا صناديد الكفر وأكابر المجرمين، وهم قتلى مجندلين، أو أذلّة صاغرين، وتستمر الانتصارات حتى يعود المهاجرون إلى ديارهم فاتحين، وتسلم أو تسالم الجزيرة العربيّة قاطبة.
وفي مرحلة لاحقة، تجاوزت الدّعوة حدودها العربيّة إلى ممالك فارس والرّوم، ثمّ انساحت في الأرض لتصل إلى كلّ مكان قدرت عليه جيوش المجاهدين، أو جموع الدّعاة، أو وفود التّجار، وأصبح دين الله ملء السّمع والبصر، حتى شغل كبراء الملل والقوميّات والدّول.
وقد توالت المحاولات للقضاء على الإسلام، أو إنهاكه وإيقاف تقدّمه، فسارت حملات صليبيّة، وهجمات مغوليّة، فضلًا عن مؤامرات في الدّاخل والخارج، ومشاكسات فلسفيّة وعرقيّة، ومع ذلك بقي ديننا، وازداد أهله، وظلّت دوله تدافع عنه، وتنشره قدر استطاعتها.
وفي العصور المتأخرة، تضعضع الجانب السّياسي والعسكري لأمّة الإسلام، ومع الخذلان والتّيه الذي تعيشه أمّتنا، إلّا أنّ الإسلام ديانة في صعود، ودين لا تقف في وجهه عقبة بشريّة لأنّه ربّاني المصدر، وتحمل تعاليمه جذور ثباته، وبذور انتشاره، فمهما اجتهد المرجفون، سيبقى القرآن الكريم حجّة خالدة، وستظل السنّة المشرّفة معينًا لا ينضب، وتستمر السّيرة المنيفة زادًا عظيمًا للسّائرين على هدي صاحبها، المبلّغين لدعوته، وهم يتواصون بالصّبر والحق.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الاثنين 02 من شهر ذي الحجة الحرام 1439
13 من شهر أغسطس 2018 م
One Comment
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا على هذه المقالة. وجعلها في ميزان حسناتك . الحمد لله على نعمة الاسلام .اللهم احينا مسلمين . وامتنا مسلمين .والحقنا بالصالحين . غير خزايا ولا مبدلين . . من يهده الله فلا مضل له . ومن يضلل فلا هادي له . وفقك اله لما يحب ويرضى .