وقفاتٌ أمامَ مشنقة صدام
أُعدم صدام حسين شنقاً بعد أن ظلم وظُلم؛ وقد ذاق في ثلاث سنوات مثل ما فعل بالناس خلال أزيد من ثلاثين سنة، وبموته طُويت صفحةُ حياته في ذات الوقت الذي فُتح فيه سجل مماته؛ ليصير أبو عدي مالئَ الدنيا وشاغلَ الناس حاكماً ومحكوماً وظالماً ومظلوماً، وقد تناقلت وسائلُ الاتصال صوراً حية من آخر دقائق حياته المطوية وأول لحظات مماته المسجلة، فأحببت أن أقف أمام مشنقته لأتأمل ويتأمل معي كل مَنْ رأى المشنقة وهولها.
وفي البداية فلسنا معنيين بالحكم على مصير صدام الأخروي فأمره قد صار إلى الذي يعلم السر وأخفى وهو الحق – سبحانه – وحكمه العدل بلا معقب، وقد تنازع الناس في مصيره فمن ناظرٍ إلى جرائمه إبان حكمه وانتمائه لحزب البعث، ومن مستندٍ إلى نطقه الصريح بالشهادتين مرتين كآخر كلمةٍ يقولها في دنياه إضافةً إلى بعض إحسانه أواخرَ حكمه، دون إغفال وقوفه الصلب في وجه المد الصفوي الفارسي الرافضي الذي انساح في البلاد بعد ذهاب دولته؛ وخيرٌ من الاشتغال بمصير صدام الانشغال بالغازي والخائن وما بعد صدام.
ومما يلفت النظر بوضوح في حادثة إعدام صدام: تحالف الغزاة مع خونة الدين والوطن، والغزاة في العراق هم الصليبيون النصارى والخونة هم الروافض الشيعة عجمهم وعربهم. وأيضاً فلازال الأعداء يتعاملون مع العقل المسلم بسذاجة وتسفيه حين قالوا: إنهم رفضوا توقيت الإعدام!
ونحن نعلم أن حكومة المالكي لا تستطيع التصرف منفردة في قضية خطيرة كهذه، خاصة أن الغازي الأمريكي هو الذي أنهى حكم صدام، وهو الذي اعتقله، فكيف ينفرد الخونة بهذا القرار الخطير؟ ونزيد الأمر وضوحاً فإن حكومات العالم الثاني والثالث وبعض حكومات العالم الأول لا تستطيع عصيان مجرمي البيت الأبيض فكيف بحكومة رخوة صنعها الأمريكان والخيانة والعمالة دأبها قبل أن تمن عليهم أمريكا بحكومة؟
ومن المشنقة نعلم يقيناً أن خيانة الأديان والأوطان لأجل أي قوة خارجية لها صلاحية تنتهي، وهي غير قابلة للتمديد حين ينتهي وقت الممثل على خشبة المسرح؛ وهكذا فعل الأمريكان بالشاه وغيره، وقد لا يكون “سيف العرب” آخرهم!
ومن تأملات حادثة المشنقة أنها وقعت في أعظم أيام السنة عند المسلمين وفي شهر حرام؛ وكان أهل الإسلام ساعة الإعدام مابين واقفٍ في المشعر الحرام، ومستعدٍ لرمي جمرة العقبة الكبرى، أو متأهبٍ لنهر الدم الحلال من الأضاحي، فأختار الأمريكان هذا اليوم لإهانة المسلمين في يومهم الأكبر، وإذلالهم بهذه القتلة المشينة لرجل حكم عاصمة الخلافة العباسية دهراً.
ووافق الشيعة والصفويون على هذا الموعد ليثبتوا للمسلمين أن دين محمد- صلى الله عليه وسلم – غير دين الآيات والملالي؛ وليصفعوا كل دعاة التقريب والتمييع والتعايش وغير ذلك من المفردات التي لا شرعية لها ولا واقعية.
ويحكي لنا التاريخ أن باطنياً قتل أمير الموصل مودود بن زنكي في جامع دمشق فقال ملك صليبي معلقاً: “إن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها”، ولنقارن مع اختلاف الحالتين.
وبعد قتل صدام- الذي يزعم الشيعة أنه عدوهم الوحيد- لم يقف مسلسل ذبح أهل السنة في العراق وهدم مساجدهم واختطاف نسائهم؛ لنعلم من هذا يقيناً لا مرية فيه أن هؤلاء الفجرة لا يشفي غليلهم شيء من المسلمين مهما فعلوا من العظائم والقبائح.
وفي أثناء حادثة القتل رأينا القتلة الملثمين في الغلس فما أجبنهم! وسمعنا اللكنة الفارسية فما أشد ولائهم لإيران وخيانتهم لأوطانهم! وقرأنا عن ركل الجثة وضربها بأقدامهم النجسة فما أبعد المعاني الإنسانية عنهم! ومما يسجل لأجل التذكرة أن صدّامًا لم يحاكم لبعثيته بالدرجة الأولى، بل لانتسابه للمسلمين السنة، ولو كان صابئاً أو نصرانياً لهان الخطب على المحتل والمختل.
وقالت لنا المشنقة أن مصالح صنائع اليهود “الرافضة” متقاطعة مع مصالح خدام اليهود “الصليبين” وكل ما يظهر على السطح لا يعدو كونه ذر الرماد في العيون، وقد تبين هذا الأمر من خلال اختيار توقيت الإعدام، ومن خلال المحاكمة التي أغفل فيها تماماً الاحتلال الصدامي للكويت والاعتداء الكيماوي على الأكراد، وفي هذا الإغفال إشارات طائفية وسياسية؛ إذ لو تحدث صدام عن احتلال الكويت لكانت محاكمته من حوادث القرن الكبرى، ويبدو أن دماء الرافضة غالية على المحتل ولا عزاء لأهل الكويت وعموم الخليج العربي ولا للأكراد.
وفي هذا التوقيت صرف للأنظار عن الاعتداء الأثيوبي بالوكالة عن أمريكا ضد الصومال وأهله؛ هذا البلد المسكين الذي ظل خرباً مخوفاً خمسة عشر عاماً، فلما نهضت فرقة منهم لرأب الصدع، إذ بالدواهي تأتيهم من عدوة الله وعدوة المسلمين على يد الحكومة النصرانية الأثيوبية.
ومما يذكر ولا ينسى صبر صدام ورباطة جأشه فلم يظهر في أثناء المحاكمة ولا حتى في لحظات الإعدام أي مذلة أو مسكنة أو غير ذلك، وأظنه قد قهر عدوه بهذا الثبات الذي لم يكن متوقعاً مع ضياع حكمه، ومقتل ولديه، ثم أسره وإهانته على يد حقراء الصليبين والشيعة الروافض، وليته لزم طريق الصواب في أول حكمه لكان حاكماً مجدداً.
وفي قصة الإعدام تنقيص وخفض من منصب الزعامة والرئاسة في العالم الإسلامي والعربي؛ وفي قصة نهاية صدام دليل أن لا فرق بين شيعة العرب وشيعة الفرس فكلهم أعداء خونة. ومما ينبغي التأكيد عليه ضرورة تنبه ويقظة الحكومات الإسلامية للفرق الباطنية من مواطنيها، ورصد تحركاتهم واتصالاتهم؛ لأن الخيانة العظمي تجري في دمائهم، كما أننا نتمنى على الحكومات الإسلامية “التصالح” مع شعوبها وتحكيم شرع الله فيهم، وإشاعة العدل والرحمة بينهم، وتهيئتهم وإعدادهم للدفاع عن دينهم وديارهم في أي لحظة.
ونسأل الله كذلك أن يهدي الغلاة الذين يقاتلون بلا حق ولا مصلحة، ونناشدهم وضع السلاح والمحافظة على أمن البلاد والعباد، والعمل بإيجابية لنصرة الحق ومدافعة الباطل؛ فكل أمر غير شرعي يقَّوم بطرق شرعية؛ وكل مطلب شرعي يدعى إليه بطرق شرعية؛ ولا مكان للاجتهادات الفردية والتجاوزات التي أنبأنا التأريخ عن مصيرها المحتوم، ونحلم أن تكون هذه الحادثة إيقاظاً لليبرالي العالم الإسلامي؛ فهذه أمريكا الإنسانية، وأولئك الشيعة والأقلية المهضومين!
وفي النهاية فهذا نداء لأخواننا في العراق نطلب منهم الاتحاد ضد الصليبين، وتأديب المعتدين من الروافض؛ ونعتقد أن هذه الحادثة قد ضاعفت من خوف القوم وخلخلة صفوفهم، وأنها قد تكون باب خير للتجمع وتوبة فلول البعث، ليستفيد الصالحون من الخبير المأمون منهم، إضافة إلى كون الإعدام الطائفي لصدام مع حوادث مشابهة، قد تذيب الجليد بين اهل السنة والدول الأخرى، مما يحقق حفاظاً على سنية العراق، وقمعاً للمد الصفوي المؤثر على الشرق الإسلامي والعربي كله.
أحمد بن عبدالمحسن العساف – الرياض
السبت 17 من شهر ذي الحجة الحرام عام 1427
4 Comments
كيف يكون صدام سيف العرب وهو من فرقهم، كيف يكون صدام عميد العرب وهو الذي ارتكب من المذابح والمجازر بحق الكرد و الكويتين و الإيرانين ما كان الله به عليما، كيف يكون صدام نجما وهو من حزب علماني لا يقيم للاسلام دينا؟
عجبا مما قرأت!
أنشر تعليقك يا “منال” والحقيقة أني أنا الذي أتعجب!
فأين تجدين في المقالة إقرارًا بهذه الأوصاف : سيف العرب، عميد العرب، النجم ؟!