سير وأعلام قراءة وكتابة

هذه المدّونة.. وكاتبها

هذه المدّونة.. وكاتبها

تعود علاقتي بالكتابة إلى أوّل عهدي بالدّراسة، وأذكر أنّي خلال المرحلة الابتدائيّة في مدرسة ابن الأثير بعرعر تعرضت لموقفين يشيران إلى وجود بذرة كتابيّة:

الأوّل: دخل علينا أستاذي الأردني الفاضل عبدالمعطي مسعود بترتيب مع إدارة المدرسة، فقال: اكتبوا لنا مقالة قصيرة عنوانها: كيف نسترجع القدس؟ وأخذ المعلم يذهب ويجيء حولي؛ ويقف على رأسي ويسألني من بين سائر الطّلاب: هل انتهيت؟

الثّاني: طلب معلّم مادّة الإنشاء أستاذي الفلسطيني العزيز أحمد خليل كتابة مقالة بعنوان: رسالة إلى أخي المبتعث، وفي الأسبوع التّالي حضر ومعه دفاترنا ينوء بحملها، وقرأ أسماء التّلاميذ أبجديّاً، وتجاوزني مع أنّي من أوّلهم، وحين لم يبق إلّا دفتر واحد قال: يؤسفني أنّ أحدًا منكم لم يحسن الكتابة إلّا صاحب هذا الدّفتر، وأمر الطّلاب بالتّصفيق لي، ثمّ جعلني أقرأ المقالة، وهو يعلّق بين فترة وأخرى، ويكرّر مع الزّملاء التّصفيق والتّشجيع.

وفي متوسطة النّعمان بن مقرن كان أستاذي الّلبناني الأديب مالك خليل يأخذ دفتري قبل أيّ شيء، ويمضي معه جزءًا من الحصّة الدّراسيّة، وربّما قرأ جهارًا شيئًا ممّا كتبت، ثمّ رشحني للمشاركة في مسابقة محليّة في المقالة والقصّة القصيرة، وفزت فيهما بالمركز الأول، ووفاءً لموقفه معي أسميت ابني مالكًا.

وخلال الدّراسة في ثانويّة الملك فهد طلب أستاذي المصري الّلغوي نبيل حسن في الاختبار كتابة مقالة عنوانها: غزو الفضاء أم عمارة الأرض؟ ومنحني درجة كاملة بينما خسف بباقي الزّملاء الذين أبدوا امتعاضهم واعتراضهم، فأجابهم: هو يكتب بطريقة صحيحة!

وقد أنشأت علاقة كتابيّة شبه مستمرة مع مديري الثّانوية د.خلف الحربي و أ.جابر الفيفي عبر صندوق الاقتراحات، وكنت أوقّع رسائلي باسم صديق، وأضعها خلسة كي لا يراني أحد، وقبيل التّخرج قابلني المدير الأخير، وقال: رسالتك الأخيرة أسالت مدامعي! ثمّ ودّعني وداعًا شخصيًا، واحتفى بي في حفل عام، وأخبرني أنّه عرف بأنّي صاحب الرّسائل من خلال سؤال معلمي مادّة الإنشاء.

وفي جامعة الملك سعود واصلت الكتابة عبر صحيفتها، وفي مناشط كلية الصّيدلة، فضلًا عن كتابة كلمة الطّلاب في حفلاتها، تمامًا كما كنت أفعل في الإذاعة المدرسيّة خلال مراحل التّعليم العام. وأثناء دراسة مقرّر التّحرير العربي منحني أستاذي السّوداني النّحوي إسماعيل فتح الله درجة كاملة في الامتحان النّصفي والنّهائي؛ وكان يقرأ المقال ويقيّمه خلال الاختبار، وأمامي.

وهكذا استمرت هذه العلاقة؛ بل زادت وتوثقت، وشاركت في إعداد وتقديم برامج تدريبيّة عن صناعة الكاتب، ولا زلت أتعلّم، وأسعى جاهدًا لتطوير نفسي، والإفادة من المخلصين والصّادقين حولي، والله يجعل العاقبة الدّنيويّة والأخرويّة حميدة مباركة، ويكفينا شرور التّأويل، والتّحريف، وسوء الظّن، وما أكثر من يبوء بإثمها.

وهذه المدَّونة شخصيّة، تحتوي على مقالات كتبتها، ونشرتها في غير ما مكان؛ عبَّرت فيها عن رأي، أو نقلت تجرِبة، أو عرضت كتابًا، وقد يكون أصل بعضها ورقة مقدَّمة في مؤتمر، أو مادَّة تدريبيّة أو بحثيّة بعد اختصارها، أو ثمرة لحوار ومناقشة، أو ذكريات مررت بها، أو غير ذلك من الأغراض الكتابيّة.

وتختلف أزمنة الكتابة، ومن الطَّبيعي أن يعرض للرّأي القديم -أحيانًا- تطوير أو تغيير، ومع ذلك أنشر القديم كما هو، باستثناء التَّصويبات الّلغويّة، وشيئًا يسيرًا جدّاً ممّا ليس منه بد، دون أن يؤثر على فكرة المقال، وسياقه.

وعندما استعرض كتابًا فهذا لا يعني البتة الموافقة على فكرته ومضمونه، ولا تزكية المؤلف ودار النّشر، وأعجب ممن يعتقد ذلك، فعرض الكتب مثل نقل التّجارب والمواقف على تباينها، وقد يكون لراويها وجهة نظر أخرى؛ بيد أنّه لا يجد غضاضة في إيراد ما لدى الآخرين.

ويهدف مضمون المدّونة إلى رفع الوعي، من خلال الحثّ على القراءة، والمساعدة على الكتابة، ولا يمكن لكتابة أن تنجح وتؤثر دون قراءة، وبحث، وتفكير، ومراجعة، حتى يصل الكاتب إلى مرحلة يسمو فيها إنتاجه، فيجتمع فيه الأصالة، والمتانة، والعمق، والتّجديد، والتّأثير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وينجم عن رفع الوعي حفظ مقاصد الشّريعة، ورعاية الثّوابت الدّينيّة والوطنيّة، وحماية الأجيال والأفكار من دخيل، وهجين، ومغرض، وبذلك يسود الأمن ويعمُّ العدل، وتزداد التّنمية، ويعظم التّعاون على البر والتّقوى، وهذا هو عين ما يسعى له المصلحون، والقادة من علماء ومثقفين، وساسة ووجهاء ورموز.

وجميع ما كتبته ونشرته متاح للنّقل مع العزو، ويمكن النّقل دون عزو ولكن بغير انتحال، فالادّعاء خلق بغيض مشين، وقد يثقل على بعض النّاس ذكر غيره لسبب أو آخر، فلا بأس من نشر الفائدة غير منسوبة، والله فوقنا يعلم ويرى.

وإنّ عبوركم من هنا، وتجوالكم بين أقسام المدونة، ومحتوياتها، مجلبة للسّرور والبهجة، ولذا أرحب بتعليقاتكم العامَّة أو الخاصَّة، وأعتني بتقييمكم الصّادق الذي تعتقدونه، وإنّي لعلى ثقة من مستوى شعور القاريء العزيز بالمسؤوليّة أمام الله، ثمّ أمام نفسه.

أحمد بن عبدالمحسن العسّاف- الرّياض

الاثنين 10 من شهر ذي القعدة الحرام عام 1439

23 من شهر يوليو عام 2018م

ahmalassaf@

ahmadalassaf@gmail.com

Please follow and like us:

28 Comments

  1. السلام عليكم ورمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا ايها الاخ الفاضل الكاتب احمد العساف . على ماتدونه في مدونتك من مواضيع مختلفة منتقاة بدقة في مختلف المواضيع مكتوبة بطريقة سلسلة محببة لا تدفع على الملل . تناسب جميع مستويات القراء . بالنسبة ما كتبت عن اكتشاف موهبتك بالكتابة والتعبير بوقت مبكر في مرحلة الابتدائية والثانوية والجامعة . فلقد قرات مرة عن العلاقة بين المعلم والتلميذ . فان كان التلميذ في غاية الاستعداد للتلقي . فان الاقدار تبعث المعلم الذي يستطيع ان يكتشف الموهبة الموجودة عند الطالب . هذا من فضل الله ماحدث معك .فكم من مربي كان سبب في بناء مستقبل تلاميذه . بالنسبة لي بعد قراتي اليومية للقران الكريم مع التفسير الذي استمد منه ثقافتي ومعرفتي امور ديني ودنياي. اطالع مدونتك بمواضيعها المختلفة يوميا زيادة في الثقافة والعلم .واكتب ملاحظات في دفتر عندي في كل ماهو مفيد ونافع . .اضافة الى اخبارهم لعل في يوم يجدون وقتا للرجوع اليه . لاان ماحفظ فر وماكتب قر . اسفة الكمبيوتر الذي استعمله لايوجد به الشدة والفتحة والتنو ين . بارك الله في كتاباتك وجعلها في ميزان حسناتك وحسنات والداك

  2. هذا يدل على أن تشجيع المعلمين له دور في تنبيه المبدعين إلى ما حباهم الله به من قدرات، لقد أفادتني هذه المقالة كثيراً، وأذكر أن أحد المعلمين أعجب بقصة عادية كتبتها في دفتر التعبير فشجعني وأشاد بها لكن الإشادة الأكبر جاءت من زميل له لا يدرسني لكنه التقى بي في ساحة المدرسة صدفة فقال لي: لقد قرأت نصك الأدبي الرائع! فكانت هذا حافزاً لي في الاستمرار في الكتابة وتطوير قدراتي فيها.

  3. أود أن اشكرك استاذ احمد على هذا العمل الصادق ..جزاك الله خير الجزاء…وبارك الله في علمك .. ونسأل الله ان ينفع المسلمين بما تكتبوا.

    1. ماشاءالله عليك ، طفت بنا شرقا وغربا، من هذه المقالة استفدت ومن معين ماذكرتم لفائدتي اضفت، حقيقة وفيت كفيت، وهذا فالتكن المدونات والا فلا،.
      حرص على العلم وتحصيله وجعل الناس تستفيد من محصوله، نصائح لاغنى عنها ولا مفر، صيغت حيكت بلغة وادب رفيع جم

      .بارك الله فيك وزادك من فضله، وتقبل منكم صالح الاعمال

  4. وفقك الله ، أبحث بين الفينة والأخرى في قوقل فتظهر لي مدونتك ، فأغوص في أعماقها وأنسى المعلومة التي أبحث عنها .. فعلاً الكتابة ممتعة .. والأمتع هو الأسلوب الذي يشدّ القارئ .. وفقك الله وأعانك على نشر الخير .

  5. ‏بسم الله الرحمن الرحيم
    ‏للمدرسين تأثير كبير في المراحل الأولى من حياة التلميذ ورحم الله جميع من علمنا حرفا او اسدى إلينا نصيحه .
    ‏بارك الله فيك وفقك وسدد خطاك

  6. السلام عليكم ورحمة الله
    تحية طيبة لا اخفي اعجابي الشديد بمدوناتكم و الجهد المبذول في خراجها و ماتحتويه من معلومات وذلك بأسلوب راق وعبارة لطيفه

  7. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    والله انا فخور وسعيد اني تعرفت الي مدونتك وآمل من بعدها شخصكم الكريم.

    فالخط يدل علي صاحبه، قرات مقدمتك، فانبهرت مما فيها من علم بديع، وخلق رفيع، وشخص متواضع، يضع تجربته ويبزلها للطالبين دونما معيق،.

    ليحفظك الله اخي وليبارك في كل مساعيك، شخصيا ساحرص ان اكون من متابعيك، ومن المستفيدين من كل مايخطه يراعكم.

    وانا اسعي لان اكون كاتبا مجيد، فدعواتكم وتوجيهاتكم تهمني.

    موفق اخي احمد

  8. أخي أحمد مساك الله بالخير
    كم أتجول في حدائقك الغنّاء
    و أنا في حالات من البهجة و السرور و خطر على بالي ماذا لو جمعت كل نتاجك الغزير ك ( مجموعة كاملة ) تثري بها المكتبة العربية و أنت جدير بأن تكون أعمالك المجمعة في مكانها اللائق بها .
    فكر و قرر و فالك التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)