المبتعثُ والمجتمعُ: مطالبٌ متبادلة
زادتْ حركةُ الابتعاثِ في الآونةِ الأخيرة، وتداولُ النَّاسُ الحديثَ في أصلِ الابتعاثِ ومصيرِ أبنائِنا المبتعثينَ منْ الجنسينِ والمجتمعِ بعدَ عودتِهم، وانتشرتْ قصصٌ حزينةٌ ومقالاتٌ وصفيةٌ عنْ بعضِ شبابِنا المبتعثِ تحكي انغماسَهم بالرَّذائلِ وازورارَهم عمَّا إليهِ أوفدوا ولأجلهِ بُذلَ المالُ والجهد.
ولأنَّ إيقافَ الابتعاثِ غيرُ واردٍ وترشيدُه مطلبٌ وجيه، وحيثُ لا ينفعُ الحزنُ وحدَه؛ خاصَّةً لمنْ كانتْ لديهِ مقدرةٌ على التفكير، والعمل، لإبرازِ موقفٍ إصلاحيٍ متوازنٍ منْ هذهِ المسألة؛ متجاوزينَ وجودَ تجاربَ سيئةٍ ومخزيةٍ أحياناً، فبالتَّخطيط، والأداء، والمتابعة، تضمحلُّ المحن، وتظهرُ المنح، وتغنمُ البلاد، ويستفيدُ المبتعث؛ وهذا غايةُ ما يطمحُ إليهِ المصلحونَ المخلصون.
فقدْ يسافرُ المبتعثُ ولا يضعُ في حسبانهِ ما الذي يحتاجُه منه مجتمعُه، أوْ تكونُ أهدافُه شخصيةً دونَ التفاتةٍ لحقِّ المجتمع، وأسوأُ منْ ذلكَ أنْ يحملَ معه مآربَ فئويةٍ لا تحفظُ ديناً ولا تقيمُ دنياً ولا يستقيمُ معها حالٌ ولا مآل، وبالمقابلِ فلستُ ألومُ المبتعثَ حينَ يقلقُ منْ استعدادِ المجتمعِ لاستقبالهِ بعلمهِ وشهادتهِ ويخافُ منْ ضياعِ تعبِ السِّنينِ والآمِ الغربةِ.
ولأنَّ المبتعثَ صانعُ نهضةٍ وباعثُ مجدٍ ورائدُ مجتمع؛ والرَّائدُ لا يكذبُ أهلَه ولا يسوؤهم، ولهمْ فيهِ أمنياتٌ مستقبلية، فإنَّ للمجتمعِ على مبتعثيهِ منْ الجنسينِ حقوقٌ يجدرُ بهِ معرفتُها ومراعاتُها والحرصُ على تلبيتِها قياماً بواجبِ الدِّيانةِ ووفاءً للمجتمعِ والأهل، ومنها:
- حسنُ تمثيلِ بلاده وأهلِها.
- الانصرافُ إلى ما جاءَ لأجلِ دراستِه بجدٍّ ومثابرة.
- ألاَّ يكونَ همُّه الحفظُ ونيلُ الشهادةِ فقطْ؛ بلْ الفهمُ العميقُ والتطبيقُ السَّليمُ حتى يصيرَ عقلاً مبتكراً لا نسخةً منْ كتاب.
- حضورُ دوراتٍ تدريبيةٍ لتنميةِ مواهبهِ أوْ للحصولِ على شهاداتٍ مهنية.
- حضورُ المؤتمراتِ المفيدةِ له سواءً في تخصُّصهِ أوْ موهبتهِ أوْ الموضوعاتِ التي تعني أمته.
- توثيقُ الصِّلاتِ معْ مراكزِ البحثِ والمفكرينَ والعلماءِ والمختَّصينَ واستضافتُهم.
- كفايةُ مجتمعهِ همَّ الابتعاثِ لدراسةِ نفسِ تخصصِه.
- الإحاطةُ بمعاهدِ دولةِ الابتعاثِ وجامعاتِها ومكتباتِها ومختبراتِها ومعاملِها وأساتيذِها.
- قراءةُ نظامِ البلدِ حتى لا يخالفَه وليكونَ معلِّماً لمنْ يأتي بعدَه.
- خدمةُ المبتعثينَ الجددِ وإسداءُ النَّصيحةِ لهم.
- التواصلُ المستمرُ معْ مجتمعه.
- عدمُ احتقارِ مجتمعهِ أوْ الإزراءِ بثقافةِ بلادِه إنْ في غربتهِ أوْ بعدَ عودته.
- ألاَّ يعتنق فكراً غريباً أوْ سلوكاً مريباً وألاَّ يكونَ مطيةً لغيره.
- الدِّفاعُ عنْ بلادهِ وأمتِّه ضدَّ ما يُنشرُ عنها.
- تجنّبُ تكديرِ صفوِ العلاقةِ بينَ بلادهِ والبلادِ التي يدرسُ فيها بأيِّ تصرّفٍ مشين.
- زيارةُ المراكزِ الإسلاميةِ المأمونةِ ومشاركتُها في الأنشطةِ الاجتماعية.
- ترجمةُ أهمِّ كتبِ الفن الذي درسه؛ ولوْ أنَّ كلَّ مبتعثٍ التزمّ بذلكَ لكانَ فيهِ خيرٌ عظيم.
- نقلُ كتبِ التُّراثِ حولَ موضوعِ دراستهِ إلى اللغةِ الأجنبيةِ ليطَّلعَ الآخرونَ على تاريخِنا الحضاري.
- التأليفُ للمختَّصينَ ولتثقيفِ العامَّة، ولأحدِ الفضلاءِ كتابٌ عنْ الفلكِ لغيرِ الفلكيين، ولآخرَ كتابٌ لطيفٌ عنْ نظرياتِ الإعلامِ والتَّأثير.
- تسجيلُ الأفكارِ الجميلةِ التي يلاحظُها في غربتهِ معْ محاولةِ نقلِها إلى المجتمعِ بعدَ تنقيتِها منْ شوائبِ بيئتِها الأصلية.
- إشاعةُ قيمِ المجتمعاتِ الأخرى التي لا تخالفُ ثقافتَنا المحليةِ كالاعتراضِ السلمي والمحافظةِ على النِّظامِ والوقتِ والممتلكاتِ العامَّةِ والعملِ التَّطوعي والقراءة.
وبما أنَّ المجتمعَ ينتظرُ منْ مبتعثيهِ كلَّ ما سبق؛ فمنْ العدلِ أنْ يعتنيَ المجتمعُ الرَّسميُ والشَّعبيُ بمطالبِ أبنائهِ الذينَ أرسلهم إلى أماكنَ قصِّيةٍ ليعودوا بعلومٍ ومهاراتٍ وخبراتٍ تساعدُ على رقي البلادِ والمجتمعات، فممَّا يحتاجهُ المبتعثون:
- تسهيلُ شؤونِ البعثةِ وتيسيرُ إجراءاتِها.
- رفعُ مستوى الوعي لديهم منْ خلالِ اللقاءاتِ والنَّدواتِ قبلَ البعثةِ وبعدَها.
- تعريفُهم بأنظمةِ البلادِ التي يسافرونَ إليها.
- إغناؤهم حالَ الغربةِ بصرفِ المكافآتِ لهم ولمرافقيهم ومراعاةُ غلاءِ المعيشة.
- حمايتهم منْ الاعتداءاتِ العنصرية.
- مساعدتُهم على الزَّواج؛ فالفتى والفتاةُ لا يستغنيانِ عن زوجٍ يسكنون إليه.
- متابعةُ أحوالِ دراستِهم وحياتِهم بواسطةِ السَّفاراتِ والوزاراتِ المعنية.
- إيجادُ سبلٍ لربطِ المبتعثِ بالمبتعثينَ الآخرين.
- تقديرهم بعدَ العودةِ مادياً ومعنوياً.
- الإفادةُ منْ علمِ المبتعثِ وخبرتِه.
- وضعهم في المكانِ المناسب.
- تشجيعُ التَّرجمةِ والتَّأليفِ بالجوائزِ والحوافز.
إنَّ واجبَ المجتمعِ تجاهَ مبتعثيهِ كبير، وواجبُ المبتعثِ نحوَ بلادهِ لا يمحوهُ البعد، وحريٌ بأهلِ الإصلاحِ أنْ يتنادوا منْ أجلِ ابتعاثٍ بمعاييرَ عاليةٍ يحفظُ للبلادِ شبابَها وينفعُها بهم حملةَ علمٍ وبُناةَ نهضة؛ وإلاَّ سيكونُ المستقبلُ على أحدِ مسارين: إمَّا مجتمعٌ يولول: “ولا انسلاخُ مبتعث”([1])؛ أوْ مبتعثٌ يصيح: “أرخصُ منْ دال”([2])، وبمعرفةِ الواقعِ، واستشرافِ المستقبل، والتهيئةِ للتغييرِ المحمود، نتفادى الصُّراخَ والعويل؛ ويحمدُ القومُ السُّرى.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الخميس 17 من شهرِ ذي القعدةَ الحرامِ عام 1430
ahmadalassaf@gmail.com
([1]) فائت الأمثال، فواز اللعبون، إصدار نادي الأحساء الأدبي، الطبعة الأولى 1430، ص129.
([2])فائت الأمثال، فواز اللعبون، إصدار نادي الأحساء الأدبي، الطبعة الأولى 1430، ص37.
One Comment
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن مقالك القيم الهادف والمهم في الابتعاث . اسمح لي ايها الاخ الفاضل ان اوصلك رايي فانت تستطيع ان تبلغ لااصدقائك او لااولادك .بحكم اختصاصك للفائدة .فمن اهم الاشياء التي ينبغي ان يفعله الاهل للطالب المبتعث والضرورية جدا هو مساعدته و محاولة تزوجيه قبل سفره . ليقلص الفجوة بعد رجوعه الى بلده بينه وبين الزوجة التي سيتزوجها بعد رجوعه الى بلده اذا لم يتزوج قبل سفره. . . لاان الزوجة سوف تستفاد من حضارة البلد ولتضيف اشياء كثيرة ايجابية. لما عندها من القيم الشرقية التى اخذتها من مجتمعها يستفيدون منها الزوجان . فلقد علمتني الغربة ومرافقة زوجي عند ابتعاثه ان اضيف من بلاد المبتعث اليها. انا اتكلم عن البلاد الغربية . الى قيمي الشرقية و الاخلاقية والتزامي بالاعراف والدين والقيم . فهم يقدرون هذه الاشياء كثيرا. ولا يجبرون احدا عن التنازل عنها .ويحترمون المتمسكون به ولتضيف اشياء كثيرة ايجابية من دولة الابتعاث مع تجنب الاشياء السلبية. فيرجع هو بعلمه واختصاصه . وهي بخبرتها الجديدة التي تستفاد منها في تربية ابناءها. واثراء مجتمعها . حيث بامكان الزوجة اخذ دورة في تعلم اللغة . وهي بدورها سوف تقوم بدور الله يجزيها عليه خيرا متمنية التوفيق والنجاح لكل الطلاب المبتعثين والرجوع الى بلدهم سالمين غانمين