العيونُ المغربيّة.. والحجابُ السُّعودي!
في مدينةِ العيون الصحراويةِ المتنازعِ عليها سألَ أحدُ المغاربةِ سائحاً سعودياً: ألا يزال الحجاب موجوداً في السعودية حتى الآن (عام 1427)؟ فأجابه: نعم! فقال المغربي: الحمدُ لله.. لا يزالُ الإسلامُ بخيرٍ فإذا ذهبَ الحجابُ من السعودية ذهب الإسلامُ معه، واللهِ لم تنزعْ البركةُ من المغرب إلاَّ بعد أن نزعت النساءُ الحجاب.
وينظرُ المسلمون في العالم للمملكةِ العربية السعودية نظرةً خاصة لأنها موطنُ الحرمين الشريفين والمشاعرِ المقدسة ومهبطُ الرسالة وديار الصحابة والخيرةِ من سلف الأمة؛ ولما ورد في حقِّ الجزيرة العربية من نصوصٍ خاصة؛ ولكونها أكبر بلدٍ إسلامي يمثلُ أهلَ السنة وهم سوادُ المسلمين الأعظم. ولا عجبَ من هذا الودادِ الخالصِ إذ قلوبهم تتجه للبيت العتيق مراتٍ ومرات يومياً وأفئدتهم تهفو نحو الكعبةِ المشرفة ومسجدِ النبي عليه الصلاة والسلام، وأيُّ أمرٍ يضرُ المملكةَ يسوؤهم فلهم مشاعر حزينة من التفجيرات وأعمال التخريب؛ وشؤونُ عيونهم تهملُ بدمعٍ سخيمٍ هطالٍ إذا ما سمعوا عن أمرٍ نشازٍ يُدعى إليه ليفسدَ أخلاقَ المجتمع السعودي المسلم الذي يرونه أحفادَ الصحابة الكرام ووريث أرضهم – هذه مشاعرُ الأكثرية منهم-.
إنَّ قضيةَ المرأةِ المسلمة والسعوديةِ بخاصة قضيةٌ حيةٌ حاضرة في السياسة الغربية والأمريكيةِ على وجه الخصوص وكأنهَّا قضيةٌ سياسية تنافسُ غيرها في عالم السياسة. ومن مفردات هذه القضية ” الحجاب الشرعي ” الذي حوربَ أشدَّ ما تكون المحاربة في دول أوروبا ” الديمقراطية ” وفي كثيرٍ من البلدان الإسلامية على يد الساسة وصناع الرأي؛ ويشتدُ أُوار العداءِ في تونس المسلمة على يدِ أكابر مجرميها وفي غيرها من البلدان مثل تركيا وأفغانستان والمغرب ومصر والقائمة تطول على مَنْ تتبع. ولا يغيب الحديث عن المرأة السعودية وحجابها عن الكُتَّاب والساسة الغربيين بمناسبةٍ ومن غيرِ مناسبة.
وحين نرصد بعض ما يدور حول المرأة السعودية محلياً نرى ما يلي:
- للمرأةِ حضورٌ كبير في كلِّ مشروعٍ ليبرالي تقريباً لدرجة الهوس؛ ولو زعمتُ أن الليبرالي قد يتوب لو خلت الأرض من الأُنثى أو أُصيبَ بعاهةٍ جنسية لما أغربت.
- من مفرداتِ المشروع الزَّجُ بالمرأة في كل مكان أياً كان؛ ومن ذلك إقحامُ الغواني في إعلاناتٍ ليست من شأنها؛ والدعوةُ لعمل المرأة السعودية خادمةً في البيوت وسبَّاكة (هكذا سباكة في الحوار الوطني الأخير بالجوف!) ومندوبةَ دعاية عند الرجال الغرباء.
- إقحام المرأة في عالم الرياضة من خلال إعداد وتقديم البرامج الرياضية واعتلاء مدرجات الملاعب والتركيز عليها مشجعةً متعصبة متوشحة بالأخضر. وبعض القنوات الإخبارية تكاد أن تكون ساحة أزياء!
- الإكثار من الصور النسائية في الصحف والمجلات وإظهارها ملونة فاتنة؛ وتركيز الصور التلفازية على النساء في المساجد المعظمة والمشاعر المقدسة.
- الاحتفاء بكل امرأة سافرة؛ والصحف المحلية تهتم بنشر صور السعوديات الكاشفات وجوههن ولا فرق بعد ذلك عندهم بين المغنية ومصممة الأزياء والطبيبة.
- إقصاء خبرِ تميز كلِّ امرأة متسترة، وقد كرَّمت فرنسا امرأةً سعودية متحجبة لتمكنها في علمها؛ وتحدث عددٌ من الطبيبات السعوديات المتحجبات بتمكن في مؤتمراتٍ عالمية، غير أنَّ وسائلَ إعلامنا لم تبرزْ هذه الأخبار المشرِّفة وهم الذين يتبجحون بحب الوطن؛ وإلا فهؤلاء أنفعُ للمجتمع من فارسات الخيل والطائرات لكن نقموا منهن التصون والحياء.
- تسويق كل عمل فكري أو أدبي مهما كانَ رديئاً؛ وما الضجةُ التي صاحبت روايةَ ” بنات الرياض ” إلا مثالاً على ذلك، وقد أساءت هذه الروايةُ لكُبرى العواصم الإسلامية في القرن الخامس عشر ولا ندري أنلومُ الكاتبةَ أم صحفنا أم الوزير الذي أثنى والوزير الذي فسح وأفسح!
- كثرة العويل والصراخ باسم المرأة المظلومة المضطهدة؛ وتحميل الشرع والجهات الدينية وعادات المجتمع السليمة كل ظلمٍ يقع على المرأة منطلقين من هذه الأخطاء للمطالبة بسنِّ أنظمةٍ غير شرعية بناء ًعلى حالاتٍ غير عامة!
- إطلاق حملاتٍ منظمة لإقناع المجتمع السعودي بعمل المرأة؛ وعملُ المرأة لا بأس به إن توافق مع الضوابط الشرعية ولم يطغَ على رسالة المرأة الأهم ووظيفتها الأسمى بالبيت.
- السخرية من النساء في البيوت وتنقص عملهن العظيم؛ وهنَّ في البيوت يخدمن الدين والوطن خيرَ خدمةٍ بحسن التنشئة وكريم التربية لكنَّ المنافقين يعلمون ولا يحبذون!
وتجاه هذه الغارات المتلاحقة من هؤلاء المجرمين يجب ما يلي:
- قيام المرأة المسلمة بواجبها تجاه نفسها وتجاه نساء المجتمع دعوة وتعليماً وتربية واحتساباً.
- وقوف المرأة بحزم أمام هذه الدعوات المشبوهة برفضها رسمياً وشعبياً وثقافياً وإعلامياً.
- بناء وتفعيل مراكز البحوث والدراسات والإحصاءات فيما يخص المرأة.
- كثرة طَرْق هذا الموضوع من الدعاة والخطباء والمربين والكتاب والعلماء وتكرار الحديث عنه بلا ملل.
- تنبيه المسؤولين والغيورين إلى ما يجره إفساد المرأة وفسادها من ويلاتٍ ومحن خاصة في بلدٍ يقوم على الروابط المتينة عائلياً وقبلياً.
- تنبيه المهتمين إلى جريمة وسائل الشر بحق النساء حيث صرفوا الشباب عن الزواج بالدعايات المضللة للفجور والغواية.
- رعاية مؤسسات الزواج والتوفيق بين الجنسين بالحلال وإصلاح ذات البين ورعاية الفقراء؛ وهذا لعمر الله ما تريده المسلمات من خيار الرجال ومن خلاله تصل رسالة الهدى والخير لكل بيت وقلب.
- العناية بالمتميزات المحافظات من النساء وإبرازهن إعلامياً.
- إبراز النماذج الطيبة من النساء طالبات العلم والداعيات والحافظات والمربيات والأديبات؛ فهذه النماذج متكتم عليها إعلامياً لأنهن أقل أهمية من المغنية والممثلة.
- طرح موضوعات المجتمع المهمة عبر المنابر ابتداءً حتى لا ننساق وراء الإعلام في تيهه؛ وإيقاظ حس المجتمع للقضايا التي تهمه ولا تهم الصحافة.
- التخطيط لمشاريع دعوية وتربوية وترفيهية خاصة للنساء والفتيات والإشراف على دعمها وتنفيذها.
- إصدار تآليف خاصة بالمرأة وشؤونها وتتبع كل ما يثار حولها.
- ترسيخ المفاهيم الشرعية حول المرأة؛ ومن ضمن هذه المفاهيم أن حقوقها وواجباتها شرعٌ من الله لا يسوغ لأحد تجاوزه؛ وان الخلاف العضوي بين الجنسين يقود لاختلافاتٍ أخرى؛ وأن المرأة في بيتها هي أفضل عاملة منتجة، وأن النفقة على المرأة واجبٌ على الولي لا صدقةً منه.
- تنبيه عموم المسلمين إلى أن الحجاب أمر رباني وليس عادة سعودية؛ وإن اختلاف الفقهاء في حدود الحجاب سائغٌ لأنه خلاف علماء؛ أما مرضى القلوب فلا اعتبار لخلافهم لجهلهم بالعلم الشرعي وإن كانوا بارزين في غيره، ولأن منهم مَنْ يخالف بالأصول أولاً.
وللموضوع بقيةٌ لا تنتهي؛ فقد صنع الإعلام للمرأة قضية، حتى صار الحديث عن المرأة بسوء سبيلَ كلِّ من أراد الشهرة وكثرة الردود، ويذكرني كثرة حاملي لواء الحديث عن المرأة بمهنتي الجزارة والحلاقة يوم عيد الأضحى اللتين يدعيهما كثير من العمال. وقد حدثني قريب لي أنه احتاج جزاراً ليساعده في ذبح ضحاياه لكثرتها وقلة المعين؛ فخرج من بيته ووجد رجلاً ضخماً طوالاً عريض المنكبين طويل الشارب منبسط راحة اليد وينتظر على قارعة الطريق حاملاً سكينه وساطوره فقال الرجل في نفسه: هذا القصاب الذي أريد وسوف تخلع ذبائحي صوفها من مجرد رؤيته فقط! فسأله عن مهارته في الجزارة فقال: أنا جزارٌ أباً عن جد، ولما ذبح القريب أولَّ ضحية قال لصاحبه أكمل السلخ والتقطيع فقام هذا المدعي زوراً بتعليق الذبيحة رأسها من الأعلى وأرجلها من الأسفل؛ ولهذا الجزار وللمتطفلين على المرأة قالت العرب: ليس هذا بعشك فأدرجي.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف – الرِّياض
الأربعاء 19 من شهر الله المحرَّم 1428
2 Comments
جزاك الله مليون خير
الكاتب الفاضل احمد . جزاك الله خيرا على هذه المقالة القيمة الجديرة بالقراءة والانتفاع بمضمونها .