أئمَّة المساجد يقاومون التَّغريب
تنتشر المساجد في بلاد المسلمين، وتختلف في كثرتها، ومساحتها، ومادَّة بنائها، وطبيعة مرتاديها، ونشاط أئمَّتها ومؤذِّنيها، وتكاتف جماعتها، إلى غير ذلك من صفات تميز المساجد عن بعضها. وينظر كثير من النَّاس للإمام والمؤذن نظرات إكبار وإعزاز يستحقَّانِّها في الغالب، لكونهما يطويان الصَّدر على الكتاب العزيز، وهما في الجماعة ضامن ومؤتمن! إضافة إلى ما يقومان به من أعمال جليلة لصالح المسجد والجماعة تتجاوز الإقامة والإمامة، والأجر إنَّما يقع على الله، إذ شيمة البشر النَّقد والعجز.
وللمسجد مكانة سامية في النُّفوس، ولأجلها ارتفع قدر الإمام الصَّادق والمؤذِّن النَّاصح، وقمين بهما أن يكونا على قدر هذه المنزلة وأن يحتفيا بهذه المسؤولية الشَّرعية التي تفوق معنى الوظيفة العامة. ولذلك فما أجدر أئمَّة المساجد- أعني كلَّ إمام ومؤذِّن- أن يقوموا لله قومة حقٍّ لا ضعف فيها لمدافعة طوفان التَّغريب الجارف، وحجز المجتمع عن الوقوع في المشتبهات والمحرَّمات، بغية سعادة الدُّنيا وأنسها، ونجاة الاخرة ورَوْحها، ونعيم ما بينهما من برزخ ومقام طويل.
ومن أجلِّ ما يضطلع به الأئمَّة أن يصبحوا لأهل الحي موضع الشَّكوى، ومستودع النَّجوى، والمعين حين البلوى، وأن يكون لهم الحضور الفاعل في المسَّرات والأحزان وإنْ ببعض كلمةٍ تزيد البهجة؛ أو تسلي المهموم. ولا تتأتَّي هذه المنزلة لإخواننا من الأئمَّة دون التَّواصل المستمر، وكسب القلوب، والتَّلطف في البيان والتَّوضيح، وكتم الأسرار، وإسداء الخير ما استطاعوا إليه سبيلا، والشَّفاعة لدى القادر، وإصلاح ذات البين، وما أكثر القربات التي لا يقوى عليها غير الخيار من الأئمَّة، وليس هذا موضع سرد الأفكار.
والافادة من تجارب الآخرين عقل آخر، وتبادل الآراء والخبرات يعين على البداية الصحيحة والانطلاقة الرَّاشدة، وفي الأئمَّة الفضلاء مَنْ له سابق تجربة ناجحة، أو خبرة مفيدة، أو برامج نافعة، وحقيق بهؤلاء ألاَّ يحرموا إخوانهم من خلاصة جهادهم الإصلاحي الطَّويل، بنشرها مكتوبة، أو إلقائها، أو عقد حلق النِّقاش حولها. ولو أنَّ أئمَّة كلِّ حي أو منطقة اجتمعوا دورياً لمثل هذه الفوائد والآراء لكان خيراً لهم ولمجتمعهم.
ومن المهم ألاَّ تقتصر عناية الأئمَّة على رُّواد المسجد من الرِّجال فقط، ففي الدُّور والبيوت نساء وأطفال ومعذورون أو متساهلون، ولهؤلاء جميعاً واجب على الأئمَّة الأغيار سواء بأعمال خاصَّة لنساء الحي مثلا، أو مشروعات عامة يشترك فيها الجميع، وكم من عمل استفادت منه الحرائر في البيوت أكثر مما حصل للرِّجال؛ ويعظم الخطب مع تعرُّض المرأة لضربات متتالية لصرم ما بقي فيها من حياء وخير. ومما يجدر الالتفات إليه ضرورة العناية بالأطفال من الجنسين، لحاجتهم التَّربوية، وكثرة أعدادهم، مع الغفلة عنهم، وندرة البرامج المقصورة عليهم.
ولا مناص للأئمَّة من الانضباط والالتزام قياماً بالأمانة وتجنُّبا للرِّيب، كما أنَّ تعزيز العلاقة بالوزارة المشرفة ومندوبيها معين ولو بكفِّ الأذى، والحكمة ضالة المؤمن لايتخطَّاها إلاَّ مقتبسا. ومن التَّوفيق أن تكون وزارات الإرشاد والدَّعوة وشؤون المساجد في صفِّ أئمَّتها لحماية المجتمع المسلم من الفساد، وصدِّ عادية التَّغريب، التي تسعى لطمس مظاهر الإسلام من البلاد بما فيها المؤسسات الشَّرعية الرَّسمية.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الأحد 09 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1431
ahmadalassaf@gmail.com