هدايةُ بَكَّةَ لا غوايةُ بِكِّين!
سوفَ تعقدُ الأممُ المتَّحدةُ في الثلثِ الأولِ منْ العامِ الهجري القادمِ 1431 منتدى المرأةِ العالمي للنَّظرِ في تنفيذِ إعلانِ ومنهاجِ عملِ مؤتمرِ بكينَ الرَّابعِ للمرأةِ المنعقدِ في شهرِ سبتمبرَ عامَ 1995م، وأصبحَ هذا المنهاجُ حجَّةً على الحضاراتِ العالميةِ المختلفةِ ولوْ عارضَ ثقافتَها.
وخلاصةُ مؤتمراتِ المرأةِ التي أقامتها الأممُ المتَّحدةُ الدَّعوةُ للمساواةِ التَّامةِ بينَ الجنسينِ والحريةِ المطلقةِ، وتقاومُ وثائقُها الزَّواجَ المبَّكرَ ولا تعترضُ على سفاحِ المراهقينَ والمراهقات، وتحاولُ معالجةَ الأثرَ النَّاجمَ عنْ الفاحشةِ دونَ خوضٍ في كيفيةِ حلِّ أصلِ المشكلة، وتحثُّ على الاختلاطِ في التَّعليمِ والعملِ، وتزُّجُّ المرأةَ في أعمالٍ مرعبةٍ كالتَّخلُّصِ منْ الألغامِ بينما تنأى بها بعيداً عنْ وظيفتِها الأساسيةِ في تربيةِ الأولادِ وصناعةِ النشءِ الصَّالح.
ولهذهِ المؤتمراتِ عداءٌ راسخٌ معْ الأسرةِ حيثُ تجهدُ للقضاءِ على الشَّكلِ الطبيعي للأسرة؛ وإقحامِ أشكالٍ لا ترتضيها فطرةٌ ولا منطقٌ ولا دينٌ كزواجِ الشَّاذينَ؛ واستبعادِ عباراتٍ مثلِ ربِّ الأسرةِ وإلغاءِ القوامةِ والمحرمِ واستبدالِ الزَّوجِ بالشريكِ واعتبارِ جماعِ الزَّوجينِ اغتصاباً بينما ممارسةُ الرًّذيلةِ حرية! ومنْ أرادَ المزيدَ فليراجعْ ما كتبهُ المهتمونَ عنْها([1]).
إنَّ هذهِ المؤتمراتِ إفرازٌ لما يُسمَّى “عصر ما بعد الحداثة” ومنْ مظاهرهِ الاهتمامُ بكلِّ مهمَّشٍ كالشُّذوذِ, وتدويلُ القضايا الصَّغيرةِ، معْ احتيالٍ في تحجيمِها، وتأويلُ النُّصوصِ وإعادةُ تفسيرِها؛ سواءً في ذلكَ الدِّينيةِ منها أوْ التاريخيةِ وصولاً لتقويضِ الأسسِ والمسلماتِ واستهدافِ الجذورِ الثقافية, وخلقِ روحٍ يائسةٍ منْ الرُّقي على أساسِ القيمِ السَّوية. وتعتمدُ مؤتمراتُ المرأةِ نظريةَ المحاكاةِ وتستخدمُها بحرفيةٍ عالية؛ وخلاصتُها بناءُ نموذجٍ وتجريبُه، وبعدَ نجاحِ التجرِبةِ يُرَّوجُ لها إعلامياً حتى لوْ كانَ نجاحُها جزئياً ومحدوداً.
ولأنَّ موضوعَ المرأةِ والأسرةِ منْ الموضوعاتِ الحسّاسةِ؛ والتغيراتُ فيه متسارعةٌ بلْ يتسابقُ إليها كثيرٌ ممّن رضوا بالدَّنيةِ في دينهم فأرضوا المخلوقينَ وأغضبوا الخالق؛ فلا عجبَ منْ بعضِ الفتاوى والآراءِ التي يتبارى في إطلاقها بعضُ المشايخ، وإذا سرى الدَّاءُ إلى بعضِ علماءِ الإسلامِ فلا ريبَ أنَّه قدْ سيطرَ على غيرِهم حتى غدوا بلاءً يمشي على الأرضِ ويعيثُ فيها فساداً وإفساداً بالكلمةِ والمالِ والقرار. ومنْ مظاهرِ التَّسابقِ افتعالُ أيِّ حجةٍ لإشراكِ المرأةِ حتى صارتْ قرباناً للرِّضى والمنصبِ والجاه، وقدْ نجحتْ المؤتمراتُ الأمميةُ في استقطابِ النُّخبِ – حتى مَنْ لا علاقةَ لهُ بالمرأةِ- ليُدليَ بدلوهِ عامداً أو مستغفلاً.
وحيثُ أنَّ الأمرَ جدُّ خطيرٌ ولا يحسنُ معهُ التَّباطؤُ أوْ التَّثاقل؛ فما أحراهُ ببحثٍ مستفيضٍ منْ العلماءِ الرَّاسخينَ في كلِّ بلد؛ ليناقشوا فتاوى المرأةِ وقضاياها باستصحابِ المستجدَّاتِ الاجتماعيةِ والثَّقافيةِ للوصولِ إلى فقهٍ شرعيٍ يوافقُ الدَّليلَ ويراعي الأحوالَ ومقاصدَ الشَّريعة، وهذا مطلوبٌ منْ جميعِ العلماءِ وبخاصَّةٍ علماء السُّعوديةِ ومصرَ والمغرب. وينبغي ألاَّ نتكئَ على الحكوماتِ التي بدأتْ متحفظةً على بعضِ الفقراتِ ثمَّ تخلَّتْ عنْ معظمِ تحفظاتِها بسببِ الضغوطِ عليها نتيجةَ التباينِ بينَ تقاريرِها الرَّسميةِ وتقاريرِ الظلِّ التي ترفعُها المنظَّماتُ والمتعاونونَ منْ أبناءِ البلادِ خيانةً وكيداً.
كما أنَّ توعيةَ المجتمعِ المسلمِ والارتقاءَ بمستوى التَّربيةِ والثَّقافةِ والتَّفكيرِ لعامَّةِ أفرادهِ نوعٌ منْ التَّحصينِ والمدافعة، وذلكَ بفضحِ هذهِ المؤتمراتِ المريبةِ، وبيانِ أهدافِ الألفيةِ للأممِ المتَّحدةِ التي اهتمَّتْ بالمرأةِ بعدَ عامٍ واحدٍ فقطْ منْ إنشائِها بتكوينِ لجنةِ مركزِ المرأة، ومنْ الواجبِ على رجالاتِ القانونِ الطعنُ في قراراتِ المؤتمراتِ واتفاقياتِها بالأساليبِ القانونية. ومنْ المقاومةِ توضيحُ الآثارِ السيئةِ لها على المصالحِ العامة، فهدمُ كيانِ الأسرةِ –مثلاً- يعني كثرةَ المجرمينَ لانتفاءِ المحاضنِ المربيةِ أوْ الرَّادعة، وانتكاسةُ الفطرِ تقودُ لانقراضِ الشُّعوبِ فلا تقومُ لها قائمةٌ تدفعُ بِها عنْ نفسِها ولا تجدُ جيلاً ينهضُ بالاقتصادِ والعلومِ وغيرِها.
وهذا يومُ المرأةِ المسلمةِ لتتولى الدِّفاعَ عنْ نفسِها وبناتِ جنسِها، وأحسبُ أنَّ كثرةَ الفضلياتِ في الجامعاتِ ومعاهدِ التَّعليمِ إضافةً إلى الرُّموزِ النِّسائيةِ العلميةِ والفكريةِ والدَّعويةِ كفيلٌ بإيجادِ تيارٍ نسويٍ إصلاحيٍ يستقي منْ وحي الشَّريعةِ المطهرةِ؛ على أنْ يلتفتنَ لما لدى الإعلامياتِ والأديباتِ وعمومِ النِّساءِ منْ سُبلٍ للمساعدةِ أيَّاً كانَ نوعُها؛ حتى تتمكنَ المرأةُ منْ طردِ المتطفلينَ على شؤونِها لمآربَ شيطانيةٍ وتحقِّقَ لنفسِها ما أرادَه اللهُ منها وما يتناسبُ معْ طبيعةِ المرحلةِ الحاليةِ والمستقبليةِ وهذا هو خيرُ تمكينٍ لحواء.
ومنْ طريفِ ما قرأتُه عنْ مؤتمرِ بكينَ أنَّ رئيسته رفضتْ شعاراً مقترحاً لهُ بسببِ ورودِ كلمةِ “شراكة” لأنَّه لا يوجدُ حرفٌ صينيٌ لهذهِ الكلمةِ منْ غيرِ زواج! ولذا اختاروا شعاراً بلا شراكةٍ ولعلَّها سابقُ بشرى ألاَّ يشارِكهم أحدٌ في غيِّهم، وممَّا وردَ في معاني أسماءِ مكَّةَ أنَّها سميتْ بكَّةَ لأنَّها تبكُ أعناقَ الجبابرة؛ وفيها يتباكُّ النَّاسُ أي يزدحمونَ رجالاً ونساءً وهو ما لا ينبغي أنْ يحدثَ في غيرِ هذا الموضع؛ ونضرعُ لربِّنا أنْ يبكَّ الفجرةَ ومخططاتِهم ويحفظَ للمجتمعِ المسلمِ طهرَه وسلامتَه منْ الشُّرورِ ودروبِها.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الخميس 01 من شهرِ ذي القعدةِ الحرامِ عام 1430
ahmadalassaf@gmail.com
([1]) مثل كتاب العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية للدكتور فؤاد العبد الكريم.